عاشت الفلوجة أمس استراحة هدنة مدتها 12 ساعة، توقفت خلالها مشاهد القتل الجماعي، لتستمر حركة نزوح واسعة للأهالي، شملت 5 آلاف أسرة. وكان مفترضاً أن تبدأ وحدات من مشاة البحرية الأميركية المارينز انسحابها من مدينة الفلوجة، بعد ست ساعات على بدء وقف النار صباحاً، وأعربت أوساط مجلس الحكم عن اعتقادها باحتمال تمديده. لكن أحد قادة المقاتلين في المدينة هدد ب"رد قوي" إذا انتهك الأميركيون الهدنة، ملوحاً ب"طرق جديدة للرد". ولم يحل وقف النار دون مقتل اميركيين في الفلوجة، تردد أنهما يعملان لدى "سي آي اي"، في حين عاد الى المدينة أمس وفد من مجلس الحكم لاستئناف المفاوضات من أجل انهاء المواجهات الدموية ورفع الحصار الأميركي. بعد دخول اتفاق وقف النار في الفلوجة حيز التطبيق، لم يسمع في المدينة خلال ساعة واحدة سوى دوي انفجار واحد، نجم على الأرجح عن قذيفة "هاون" وبعض الطلقات النارية. وسبق الهدنة اطلاق نار متقطع، في حين بثت قناة "الجزيرة" الفضائية أمس لقطات ظهرت فيها جثتا رجلين باللباس المدني، اعلنت انهما أميركيان يعملان لدى الاستخبارات، وقتلا في الفلوجة. وأكد صوت كان يعلق على اللقطات التي عرضتها "الجزيرة" ان المدنيين "ضابطان في الاستخبارات الأميركية، كانا يعملان في العراق". وظهرت في اللقطات سيارة تحترق، أوضحت القناة انها كانت للذين قتلا، من دون ان تشير الى تاريخ سقوطهما. وأصيب اثنان من أفراد مشاة البحرية الأميركية المارينز أمس برصاص قناصة، كما قتل مسلح عراقي في اشتباك بعد ذلك، رغم اعلان وقف النار في مدينة الفلوجة. وأكد مسؤول في سلطة "التحالف" سريان وقف النار بين القوات الأميركية والمقاتلين في المدينة. وقال لوكالة "فرانس برس": "نؤكد سريان وقف النار لمعظم ساعات النهار، وسنلتزم شروطه، ولا ننفذ أي عملية هجومية خلاله". وقال أحد قادة المسلحين واسمه "أبو معاذ" لقناة "الجزيرة" القطرية: "نحن ملتزمون وقف النار طالما الطرف الآخر ملتزم به، وإذا انتهكه سنرد بقوة، وهناك طرق جديدة للرد". ولم يُسمع منذ الساعة السادسة صباحاً سوى أصوات طلقات، ودوي انفجار واحد. وكان الكولونيل برينان بايرن قائد الكتيبة الأولى من فرقة مشاة البحرية الخامسة في الفلوجة، أكد أمس ان قوات "المارينز" التزمت تعليق العمليات السبت لتسهيل محادثات الوساطة. لكنه شدد على أن "المارينز" جاهزون للرد دفاعاً عن النفس. وأفاد عضو مجلس الحكم محمود عثمان عن سريان وقف النار، مشيراً الى امكان تمديده في حال أحرزت المحادثات تقدماً. وقال ان وفداً يضم ممثلين من مجلس الحكم عاد الى الفلوجة لاستئناف مفاوضات بدأت السبت. وصرح الى وكالة "رويترز" بأن تلك المحادثات أسفرت عن اتفاق على هدنة مدتها 12 ساعة، ابتداء من العاشرة صباح أمس. وذكر عثمان ان وقف اطلاق النار كان سارياً ظهراً كما يبدو، معرباً عن اعتقاده بتمديده. ولفت الى استمرار المفاوضات، ممتنعاً عن ذكر تفاصيل لأنها "دقيقة جداً"، وواصفاً وقف النار بأنه "هش". وكانت القوات الأميركية فرضت اجراءات مشددة في الفلوجة الاسبوع الماضي، رداً على قتل أربعة أميركيين والتمثيل بجثتي اثنين منهم. وتدخل الطيران الأميركي ضد المقاتلين العراقيين في الفلوجة، حيث اندلعت المواجهات الاثنين الماضي، وأسفرت عن سقوط 450 قتيلاً من العراقيين، وحوالى ألف جريح بينهم مئات من النساء والأطفال. ويريد المقاتلون أن تسحب واشنطن قواتها من الفلوجة، وترفع الحصار المفروض عليها، في حين يريد الجيش الأميركي أن يسلم المقاتلون أنفسهم، وأن يسلم وجهاء المدينة المسؤولين عن قتل الأميركيين الأربعة. وصرح وسيط عراقي الى وكالة "فرانس برس" بأن وحدات "المارينز" ستبدأ انسحابها من الفلوجة بعد ست ساعات على دخول وقف النار حيز التنفيذ في الساعة السادسة بتوقيت غرينتش أمس. وقال المسؤول في الحزب الاسلامي العراقي حاتم الحسيني ان "الجانبين وعدا باحترام الاتفاق الذي تشمل المرحلة الأولى منه وقفاً للنار لست ساعات اعتباراً من الساعة العاشرة بالتوقيت المحلي". وأضاف ان "المرحلة الثانية يمكن أن تبدأ بانسحاب تدريجي للمارينز من الفلوجة، وانتشار رجال الشرطة العراقية وقوات الدفاع المدني في المدينة". وأوضح انه التقى الحاكم المدني الاميركي بول بريمر، بعد عودته مساء السبت من المدينة، حيث التقى قادة المقاتلين هناك. وزاد الحسيني: "لا استطيع الحديث عن شروط المفاوضات، لكننا متفائلون جداً. قبل دقائق كنت أتحدث مع الفلوجة، والأمور هناك كانت هادئة. ليلة أمس السبت الأحد كانت هادئة الى حد ما، وقالوا لي ان المستشفيات لم تستقبل جرحى جدداً". نزوح... وأكفان في غضون ذلك، أكد عدنان الجبوري رئيس الهلال الأحمر العراقي لوكالة "فرانس برس" ان خمسة آلاف عائلة سنية من الفلوجة، فرت من المعارك الى منطقة النعيمية الصحراوية، جنوب غربي المدينة، موضحاً ان النزوح بدأ الجمعة مع تراجع المواجهات. وشكل الهلال الأحمر فريقاً لتقديم المساعدة للنازحين، ويعتزم اقامة مخيم قرب الفلوجة يكون بعيداً عن منطقة المعارك. وذكر الجبوري ان المنظمة العالمية للصحة و"أطباء بلا حدود" واللجنة الدولية للصليب الأحمر تقدم مساعدات للهلال الأحمر العراقي الذي "تمكن منذ البداية من أداء مهمته، اذ اعترفت به الأطراف المتناحرة وأبرمنا اتفاقات مع قوات التحالف، الأمر الذي أتاح لنا نقل خمسين طناً من الأدوية ومواد التخدير وثلاثين طناً من الأغذية الى الفلوجة". وأشار الى ان المساعدات تصل يومياً الى مقر الهلال الأحمر، مضيفاً انه تلقى أمس أكفاناً وأدوية. ونبه الى أن الفلوجة تفتقر بشدة الى التجهيزات الطبية والأدوية، مؤكداً أن المعارك جعلت الوصول الى المستشفى الأساسي غير ممكن، حتى ان "الجرحى يتلقون العناية في مصحات عشوائية أقيمت في ظروف صعبة".