سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
صدام بنى قصوره في مواقع استراتيجية "تحسباً لنزول الأميركيين فيها"!. التقلبات الاجتماعية في بغداد بعد عام على الحرب : نزوح ريفي وكردي ... و"الحواسم" حلوا محل البعثيين
طرأت على العراق عموماً، وبغداد خصوصاً، تغيرات سكانية اثر الأحداث السياسية والاقتصادية التي أعقبت اسقاط نظام صدام حسين تركت بصمتها الواضحة على حياة المواطن العراقي. فاضطر كثيرون من أرباب العائلات من ذوي الدخل المحدود لبيع دورهم الى العائدين من خارج العراق بعدما أغرتهم المبالغ الضخمة التي تدفع في مقابل هذه الدور بسبب موقعها أو قربها من المراكز التجارية. وتشوب عمليات البيع هذه مفارقات، إذ باع أحد العراقيين منزله الكائن في منطقة الشراكة الشعبية وسط بغداد بمبلغ كبير مكنه من شراء دار كبيرة في منطقة المنصور الراقية، لأن المشتري العائد من خارج العراق يحمل ذكريات عن هذه الدار تعود الى 50 عاماً. ويقول زيدان محسن: "أدهشني المبلغ الذي دفع لي فوافقت فوراً واشتريت بيتاً حديثاً مساحته 300 متر مربع، في حين كانت مساحة منزلي الذي بعته 50 متراً مربعاً، كما غيرت مهنتي من بيع الحبال في سوق الشواكة الشعبي الى صاحب أسواق سوبر ماركت في منطقة الغزالية". ويضيف: "لا أرى مبرراً للندم أو التراجع على رغم ان المنطقة الجديدة التي أسكنها بعيدة نسبياً من مركز بغداد. إلا أنني أسكن اليوم داراً لا تطوقها البيوت المجاورة، وتتسلل أشعة الشمس اليها يومياً"، مشيراً الى ان الدار التي باعها قضى فيها المشتري طفولته وبعد وفاة والده اضطر الورثة الى بيعها له. وبخلاف العائدين من الخارج، يبرز كثيرون من الذين كسبوا أموالاً طائلة جراء عمليات السلب والنهب وسرقة المصارف التي جرت بعد سقوط النظام السابق، اذ يركز هؤلاء على شراء القصور الفخمة في مناطق بارزة في بغداد، مثل زيونة والحارثية والمسبح والمنصور، وغالباً ما يشتري الواحد منهم أكثر من دار فضلاً عن مزرعة ومحال تجارية. ويُعرف هؤلاء الأثرياء الجدد ب"جماعة الحواسم" كناية عن استفادتهم غير المشروعة من الأحداث التي حصلت بعد دخول قوات الاحتلال الأميركي الى العراق. والسبب في اقتناء هؤلاء أكثر من دار يعود الى ضخامة الأموال التي سلبوها ورغبتهم في تغيير مناطق سكنهم، بين فترة وأخرى، خوفاً من سطوة عصابات أخرى قد تعمد الى خطفهم أو خطف أولادهم، وطلب مبالغ خيالية قد تلتهم كل ثروتهم الحالية. ويشير مقتل أحد "جماعة الحواسم" الى حدة التقلبات الحياتية التي عصفت بهم. اذ ان القتيل من سكان الفضل وهو حي شعبي قديم في بغداد كان عضواً في احدى العصابات التي شاركت في سرقة البنك المركزي العراقي، واشترى بعد ذلك ستة قصور فخمة وتزوج "عرفياً" من ثلاث نساء، اضافة الى زوجته، وتعرض للخطف مرتين ودفعت زوجته مبالغ ضخمة، لكن الأمر تغير بعدما علمت الزوجة بزيجاته الثلاث وإنفاقه مبالغ واسعة على شريكاته. فقتل الزوج في ظروف غامضة ومجهولة، فيما سعت الزوجة بعد ذلك الى بيع ممتلكات زوجها محاولة الهرب بالملايين، الا انها فوجئت بخطف أبنائها الأربعة ولدان وابنتان ومطالبة العصابة بمبالغ كبيرة لاطلاقهم. كما أن نزوح سكان الريف وشراءهم عقارات في بغداد ازداد في شكل ملحوظ. ويبدو ان حصة الأكراد من هذا النزوح تفوق حصة غيرهم. وغالباً ما يكون البيت الذي يشترونه في العاصمة مفروشاً لاقامتهم الموقتة لقضاء مصالحهم أو الترويح عن أنفسهم. لكن كثرة البيوت المفروشة وغير المشغولة من أصحابها أتاحت فرصاً ذهبية لسرقتها من اللصوص حتى في وضح النهار. أما بالنسبة الى كبار البعثيين والمسؤولين في النظام السابق فقد اضطر القسم الأعظم منهم الى بيع عقاراتهم بأسعار دون سعرها الحقيقي والهجرة الى خارج العراق أو الانتقال الى محافظات أخرى تتيح لهم فرص التخفي تحسباً للمجهول. وفي هذا الاطار، فإن حي الحسين القريب من بغداد هجره معظم سكانه من المسؤولين والموظفين الكبار في ديوان الرئاسة وجهاز الأمن والاستخبارات في النظام السابق وتركوا خلفهم دوراً لم يكتمل بناؤها، بعدما أضحت مأوى للعائلات الفقيرة التي تفتقر الى السكن. وتعاني منطقة العمارات السكنية في شارع حيفا في بغداد مشكلات ترتبط بموضوع آخر، اذ ان بعض السياسيين السوريين والعرب اللاجئين فيها غالباً ما كان يؤجر شقته مؤثثة، الا ان الحال تغيرت، إذ احتل بعض العائلات الفقيرة شقق عدد من هؤلاء اللاجئين السياسيين وأساء استعمالها من خلال عدم العناية بنظافتها وعدم صيانة الأجزاء المشتركة من مصاعد ومواسير المياه وغيرها، ما دفع السكان في بعض العمارات الى توفير الحماية اللازمة لها وحراستها من خلال برنامج حراسة دوري يتولاه الشباب والرجال من سكان العمارة. واضطرت بعض الأسر الى تأجير شققها بأثمان زهيدة نسبياً والانتقال الى مناطق أكثر أمناً واستقراراً، كما عمد بعضهم الى تحصين شبابيك شققهم وأبوابها بقواطع حديد. وتفتقر مناطق سكنية عدة في بغداد وبخاصة منطقة عرصات الهندية المطلة على نهر دجلة الى هوية واضحة حالياً. إذ تم اقتحام القصور الفخمة التي كانت مطلة على النهر والتي كانت تمتلكها عائلات المسؤولين في النظام السابق وسلب جميع ما فيها الى حد اقتلاع بلاط الأرض وزينة السقوف والجدران والأبواب والشبابيك. وجرى ترميم غالبية هذه القصور بعدما أصبحت مقرات للأحزاب والجمعيات السياسية الحالية بموافقة القوات الأميركية. ويعبر مواطنون كثيرون عن احتجاجهم على مثل هذه الممارسات ويصفونها بأنها "احتلال تم بموافقة الاحتلال"، ويشير بعض المواطنين الى ان الأولى بهذه القصور ذات الموقع المهم أن تتولى ادارتها لجنة متخصصة وتعود منفعتها الى المجتمع. وينظر العراقيون بعين الشك والريبة الى مثل هذه الأحزاب والمنظمات التي بنت صرحها على أنقاض ممتلكات النظام السابق ويعتبرون ان لا فارق بين الاثنين عندما لا يعيرون احتراماً للشعب العراقي. أما القصور الرئاسية التي أطلق عليها صدام حسين سابقاً اسم "قصور الشعب"، فأصبحت الآن كما يطلق عليها العراقيون "قصور الأميركيين" بعدما تم اشغالها من قوات الاحتلال وتحصينها ومنع دخول العراقيين اليها. ويرى بعض العراقيين متندراً، في محاولة منه لتفسير سلوك صدام حسين وقيامه ببناء تلك القصور انه كان يتعمد بناءها وفق توزيع جغرافي محسوب سلفاً لتكون في ما بعد مقرات استراتيجية لقوات الاحتلال يحكمون فيها قبضتهم على العراق. وأمام كل هذه التغيرات التي يفرضها مكان السكن على السلوك الاجتماعي للعراقيين، يبقى الهمس حول مصادرة الأملاك التي تمت حيازتها بسرعة بعد سقوط النظام أمراً مقلقاً للكثيرين الذين استولوا على أملاك الغير بلا مسوغ قانوني.