لا يختلف الحرم الجامعي في العراق اليوم عن الشارع، فكلاهما يعيش صميم الأزمة. وتنعكس ايجابيات الشارع وسلبياته على جدران الكليات وساحاتها التي ترتسم على جدرانها شعارات مرتبكة ومشوشة غير مدروسة، ومنشورات محدودة التركيز، كما تنعكس على سلوك الطلاب. وتنطبق هذه الظاهرة على سائر الكليات والمعاهد العالية في بغداد وبقية المحافظات. يقول منذر الفتلاوي 40 سنة، الاستاذ في كلية التربية جامعة بغداد، إنه منذ سنوات "والجامعات العراقية ممنوعة من التفكير وإبداء الرأي بحرية سواء ما يتعلق بمستوى الطالب، أو نوعية المناهج، أو كيفية الدراسة". ويضيف ان كثيراً من الكليات والمعاهد في بغدادوالمحافظات كان يضع شروطا وقيوداً كثيرة امام الطالب، منها ان يكون منتمياً إلى حزب البعث، مشيراً إلى أن ما يسمى ب"لجان السلامة الفكرية"، مارست دوراً كبيراً في "تدمير الروح المعنوية وتحطيم الرغبة في الإبداع في المجالين العلمي والانساني". ويحذر الباحثون الأكاديميون من أن هذا الأمر بات الآن يشكل خطراً كبيراً على دور الجامعات في المجتمع، وهو "أمر ينسحب على علاقتها بمجتمعها الداخلي والخارجي". ويدعو الدكتور محمد كاشف الغطاء، الأستاذ في جامعة بابل، الى "المحافظة على الجانب الأكاديمي التخصصي الصرف للجامعة والنأي بها عن تناقضات السياسة". ويرى "أن من الأفضل دفع الأمور في اتجاه استقلال الجامعة". ويعمل الدكتور محمد كاشف الغطاء ومجموعة من الطلبة والأساتذة على تحقيق مجموعة من الأفكار والمشاريع لتحقيق هذا الهدف. إلا أن الأمور لا تسير كما يرغب الأكاديميون، فإذا كانت الجامعة تريد النأي بنفسها عن التناقضات والتجاذبات السياسية، فإن الاحزاب والحركات والقوى السياسية لن تدعها وشأنها. ويخشى مرتضى محمود 23 سنة وهو طالب في جامعة بغداد، أن تعمل التيارات الحزبية على تحويل الجامعة الى "ميدان سيئ لتنامي الاحقاد والضغائن وتكريس الطائفية والعنصرية". ويقول: "الأحزاب تسعى الى مصلحتها السياسية متناسية أن للعراق مصلحة عليا". ويبدو أن دخول القوى السياسية الى الجامعة بات ينعكس سلباً على الواقع. وتتحدث علياء سليم 30 سنة، وهي طالبة ماجستير في الجامعة المستنصرية، عن "عراك ومشاجرات وصدامات بين بعض الطلبة" بعد اعتقال الرئيس السابق صدام حسين. ويتمنى محمد سلمان 22 سنة، من الجامعة التكنولوجية في بغداد، أن تنجح جامعات العراق في "المساهمة في صناعة مجتمع الغد، المبني على التسامح وقبول الآخر وترسيخ التعددية والمشروع الوطني الشامل"، ويقول: "قد يتطلب الأمر مزيداً من الوقت لتحقيق ذلك". وتشبه الطالبة هديل الربيعي، من كلية الفنون الجميلة، الحرية في الوسط الجامعي بالصدمة الكبيرة، وهي تعتقد بأن "إعادة عملية التوازن بعد صدمة الحرية تحتاج الى اكثر من خمس سنوات". وتضيف: "الطلبة الآن اصبحوا يقولون ويفعلون ما يحلو لهم بعدما كانوا مكممي الأفواه والعقول". وتضرب أمثلة عدة على ما تسميه "الشذوذ في ممارسة الحرية الذي وصل الى حد تسميم العلاقة بين الطالب والأستاذ". وتعود إلى التساؤل: "اذا كان طالب الجامعة لا يؤمن بالقانون، فما بالك بمن هو دون مستوى الجامعة؟". لكن زميلتها هبة سامي ترى أن "ما حصل من حوادث أمر طبيعي جداً، وله أسبابه النفسية والاجتماعية التي ربما تزول بعد سنوات من زوال السبب المباشر في حصولها".