يطرح البرنامج الحواري "الحدث" مساء اليوم ظاهرة اقتحام تلفزيون الواقع للفضائيات العربية، ويسلط الضوء على الشعبية التي حققها "ستار أكاديمي" وينقل خبرات بعض المشاركين السابقين. ومن الممكن ان يتطرق البرنامج لفكرة تقليد الغرب، أو يتحدث عن خطورة عرض خصوصية الأفراد على العلن، ويعتبر ان هذا النمط من البرامج قد يغرق المشاهد في حوارات "سطحية"، أو يجعله أسير اللعبة وشروطها الاستهلاكية... إلا ان البرنامج يشتمل على نواح إيجابية يجب ان تسجل له. وبعيداً من كل المساوئ والسلبيات التي تحيط بتلفزيون الواقع، يحمل "ستار أكاديمي" ميزات قد ينساها بعضهم أو يتناساها، وسط هجومه الشرس على فكرة جديدة تقلب بعض المفاهيم وتطرح حالات اجتماعية غير مألوفة أو متعارف عليها في مجتمعنا. أولاً، إذا وضع المشاهد جانباً النقد القاسي الذي يوجه أحياناً الى برامج الواقع، يجد أن لعبة الأكاديمية تشترط مبدأين أساسيين: العمل والمثابرة. ف"الضحية" أو المشاهد قد يجلس ساعات أمام الشاشة ليراقب فقط ماذا أكلت صوفيا، أو ماذا لبس احمد، أو ماذا فعل محمد عطية... إلا انه قد يُستفز أيضاً من جهد الطلاب واجتهادهم وتركيزهم وشغفهم لاكتشاف ما يملكون من طاقات كامنة، ووعيهم بأن من لا يستحق يخرج من اللعبة... فيعيد النظر بأدائه وسلوكه واجتهاده الشخصي ويعترف بأنه مقصر. ثانياً، اعتماد البرنامج على جمهور كبير من المراهقين والشباب، ليس إلا دليلاً على ان البرنامج الذي يشارك فيه شباب عرب، يعكس تطلعات بعضهم وطريقة تفكيرهم، والعلاقات والمواقف الإنسانية التي تصاغ بينهم، في ظل تقصير وسائل الإعلام في إيجاد البرامج التثقيفية التي تعكس تطلعات الشباب والمراهقين العرب واهتماماتهم. ثالثاً، يعتبر البرنامج عبر صفوفه المكثفة ورشة عمل حقيقة تشرّح مقومات الفنان التي - شئنا أم أبينا - تحاكي إلى حد بعيد مفهوم النجومية المتعارف عليها على الساحة الغنائية اليوم. قد يشكو المشاهد العربي من كون الإعلام يركز على الأمور الفنية أكثر من تسليطه الضوء على المشكلات المتفاقمة في مجتمعاتنا العربية وما يحيط بنا من فقر وجهل وعدوان واحتلال. إلا انه قد يعترف بفضل الأكاديمية التي نبهتنا إلى حاجة ماسة تتطلبها مجالات العمل الأخرى. فالبرنامج الذي يعمل على تقديم فنان محترف عبر أساليب عملية ومنهجية تعطي للإبداع والتجديد والغوص في الذات والابتكار الأهمية الأولى، كشف عن النقص الحاصل في القطاعات الأخرى كالصناعة والتجارة التي تحتاج لأكاديميات مشابهة تستقبل المختصين وتعدهم بطريقة مختلفة، قريبة مما تطلبه السوق وبعيدة عن مناهج التدريس النظرية البالية. وإذا راقب المشاهد "ستار أكاديمي" من ناحية فنية بحتة، يجد ان الأكاديمية تعد الطالب بشكل جيد وتقدم فقرات مفيدة واستعراضات لافتة، لكنه قد ينتقد أيضا بعض الثغرات الواضحة. أولاًَ، خروج عدد من الأصوات الجيدة قبل البدء بتسجيل أل"سي دي" الخاص، فهل كان ذلك ذنب جمهور لم يقدّر جيداً أصحاب المواهب الحقيقة، أو لأن تركيز البرنامج على جو "الأكاديمية" وتحضير الطلاب لم يظهر إلا بعد فترة، في حين انشغلت الكاميرات المراقبة طيلة الحلقات الأولى في تسليط الضوء على نشاطات الطلاب اليومية الثانوية؟ لذا جاء التصويت أحياناً لصالح مشترك أحب الجمهور شخصيته في اليوميات مقارنة مع الخصم الذي تم ظيز بانضباطه وجهده في صفوف الأكاديمية وحفلاتها. ثانياً، لم يستطع المشاهد تحديد معيار تقدم الطلاب، خصوصاً بعد تغير موقف الأساتذة من أحد الطلاب. فإما ان يجمعوا كلهم فجأة على تقدمه أو تأخره، من دون تقديم الشرح المقنع... ناهيك بالملاحظات المتناقضة التي يعطونها أحياناً. ثالثاً، طريقة توزيع الأغاني لم تكن موفقة في بعض الأحيان. كما ان استضافة "فنانات" شاركن الطلاب الغناء وأسدين النصائح العملية طرحت علامة استفهام، في حين ان نجومية هؤلاء مشكك فيها أصلاً. وأخيراً، نأمل أن يقوم "الحدث" هذا المساء بتشريح الظاهرة بموضوعية، وأن يعترف المشاهد الإيجابي بأن اللغط الحاصل حول تلفزيون الواقع وسلبياته، لا يمكن ان يلغي ميزات "ستار أكاديمي" الذي استهلّت به "المؤسسة اللبنانية للإرسال" سلسلة من البرامج التي تذهب في الاتجاه نفسه. من شاهد ماريا كاري في إطلالتها البيروتية، يدرك الفارق الشاسع بينها وبين طلاب الأكاديمية، لكنه يعي ان الطلاب بدأوا يسلكون الطريق الصحيح الذي ترسمه الأكاديمية. فهل تأخذ حلقة اليوم الملاحظات المذكورة في الاعتبار؟