ثماني شابات وثمانية شبان في "أكاديمية" واحدة طلباً للشهرة والنجومية، والكاميرا عين المتفرج - المتلصص تلاحقهم ليلاً ونهاراً في برنامج واحد هو "ستار أكاديمي" الذي يبدأ بثة قريباً على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال، والذي يعدّ الأول من حيث جمعه بين فكرتين من بين أهم ما يثير الجمهور: تلفزيون الواقع وبرامج الهواة والحال ان تلفزيون الواقع أخذ ينتشر بقوة عالمياً في السنوات الأخيرة مستقطباً أعلى نسب المشاهدين نتيجة لدغدغته لاوعي المشاهد من خلال طبيعة الانسان الحشرية وحبّه الداخلي للتلصص على الآخر. فمعرفة طباع الآخر واكتشاف خفاياه طالما كانت احد العناصر الأساسية في شدّ المشاهد نحو الفن السابع وإن كان هذا العنصر غير ظاهر علناً إنما يكمن في باطن تفكير المرء. ومع الوقت وبتقدم التكنولوجيا أخذ هذا العنصر يفقد عذريته حينما أضحت السينما صناعة ميكانيكية تعتمد التكنولوجياً والإبهار وتبتعد في شكل كبير عن العنصر الانساني، فلا المشاهد التي يراها المتفرج حقيقية، ولا الصور التي تعرض أمامه طبيعية، كله مدبّر ومشغول بدقة وعناية... ولما كانت "حشرية" معرفة الآخر وحب التلصص والتطفل على طباع البشر وتصرفاتهم، ولو بحدهما الأدنى حذفتهما التكنولوجيا والأداء شبه الميكانيكي للممثل، مع انكشاف هذا كله امام المتفرج الجديد الواعي بعدما كان المشاهد مخدوعاً ولو باللاوعي، الأمر الذي أفقد السينما لديه عنصراً من عناصر الجذب وحرمه بالتالي من إشباع غريزته هذه الى ان وجد الملاذ اخيراً في تلفزيون الواقع الذي يمكن اعتباره اليوم ولهذه الناحية بالذات الوريث الشرعي للسينما والأكثر صدقية. الجمهور والمغامرون من هنا يحق لنا ان نندهش لنجاح هذا النوع من البرامج التي كان الغرب سباقاً في تقديمها مثل Soft Story الذي استقطب نسبة عالية من المشاهدين في العالم حينما جمع عدداً من الشبان والفتيات تحت سقف واحد ملقياً الضوء على حياتهم اليومية وعلاقاتهم الانسانية وصولاً الى أدق حميماتهم، كل ذلك بتفاعل مباشر مع الجمهور الذي تعود اليه في نهاية الأمر الكلمة الاخيرة في ان يختار في كل مرة متبارياً للخروج من اللعبة وترك المسابقة. والقاعدة نفسها تطبّق على برنامج Survivor الذي ذاع صيته في دول كثيرة، ناقلاً المصاعب والتحديات التي يواجهها مشتركون تتم تصفيتهم واحداً بعد واحد الى ان يبقى للنهاية رابح واحد. وفي السياق نفسه يمكن وضع البرنامج الذي جمعت فيه Fashion TV بعض عارضات الأزياء، ووضعتهن في مكان واحد تاركة الحرية للمتفرج في التطفل على خصوصياتهن وعلاقاتهن الحميمة من دون مخافة الدخول حتى الى غرف نومهن... أما في عالمنا العربي، فكانت الLBC وكعادتها السباقة، في إدخال هذا النوع من البرامج من خلال تجربة انتخاب ملكة جمال لبنان 2002-2003. ومما لا شك فيه ان هذه التجربة لاقت رواجاً كبيراً اذ استقطبت ملايين المشاهدين العرب الذين راحوا ينتظرون مع نهاية النهار الوقفة المعتادة مع ملكاتهم فيصوتون لمرشحتهم المفضلة بعدما دخلت بيتهم يومياً على مدار أسابيع عرفوها عن كثب في نقاط ضعفها وقوتها معاً، الأمر الذي كسر الحاجز بينهم وبينها وجعلها فرداً من العائلة. ولعلّ في نجاح هذه التجربة الحافز الذي حث المؤسسة اللبنانية للارسال على إنتاج برامج أخرى من هذا النوع أولها "ستار أكاديمي" الذي راحت تحضّر له منذ أكثر من أربعة أشهر، فجال المسؤولون عن البرنامج في الدول العربية واختاروا عدداً من المرشحين، بعد إعلانات مكثفة في وسائل الاعلام. وجاءت الطلبات بالآلاف حتى رسا الاختيار على ستين منهم يشاركون في التصفيات للوصول الى ستة عشر متبارياً ينضمون الى الأكاديمية. الأولى وإذا كانت المؤسسة اللبنانية للارسال أول من أدخل تلفزيون الواقع الى العالم العربي، فإن مخرجها سيمون أسمر كان أول من أدخل برامج الهواة ورسخ القاعدة التي راحت تتكرس يوماً بعد يوم، وفحواها ان في عصر الصورة أضحى التلفزيون عموماً وبرامج الهواة خصوصاً المكان الذي يصنع النجوم لا المعاهد الموسيقية أو المدارس الفنية. فالصوت وحده لا يكفي إن لم يأت ويكمله شكل جميل وحضور محبب... وهكذا من "استديو الفن" الذي خرّج مئات الأصوات بحرفة واتقان الى "سوبر ستار" الذي شغل الدنيا ولم يقعدها، سيجد المواطن العربي نفسه قريباً أمام برنامج من النوع نفسه لكن في حلة جديدة، حلة "ستار أكاديمي" الذي توقع الكثيرون ان يكون الوريث الفعلي لهذين العملين، لا بل أكثر يراهن كثر اليوم على انه سرعان ما يتجاوزهما، والسبب كما أسلفنا: ما يرى فيه البعض من خلاصة مشغولة بحرص وعناية جمعت برامج الهواة مع تلفزيون الواقع. فما هو هذا العمل؟ والحال ان هذا البرنامج الذي يضم فريق عمل مؤلفاً أكثر من سبعين شخصاً بين مشرفين ومعدين وتقنيين ومخرجين اثنين على الأقل هو كما تدلّ عليه تسميته أكاديمية يدخلها 16 مشتركاً 8 صبايا - 8 شبان من مختلف الدول العربية، يدرسون ويتعلمون أصول الفن على طريقة الشهرة والنجومية على مدى أربعة أشهر. وتتوزع خمسون كاميرا في أنحاء الأكاديمية لتنقل الى المشاهد يوميات "التلاميذ" ال16، فيتعرف الجمهور الى نشاطاتهم وجهودهم وشخصياتهم في ساعات من الدرس الجدّي مع أساتذة متخصصين في مجالات: الغناء والرقص والمسرح والاستعراض... على مدى أربعة أشهر سيعيش المشتركون في "الأكاديمية" ليكتسبوا أكبر قدر ممكن من المعلومات والخبرات وليتخطوا امتحانات. لذلك جهزت لهم صالات خاصة: للتمارين الرياضية والرقص والمسرح والغناء، اضافة الى استديو لتسجيل الأغاني وصالون ومطبخ وأيضاً غرف نوم: غرفة خاصة بالشباب وأخرى للصبايا. عملية انقاذ وفي كل أسبوع ستطرح ثلاثة أسماء ليتم التصويت عليها من الجمهور. تلميذ واحد من الثلاثة، ينقذه الجمهور، التلميذ الثاني ينقذه زملاؤه في الأكاديمية مباشرة على الهواء، أما الثالث فيخرج من المسابقة؟ ويحيي التلاميذ مساء كل جمعة سهرة مباشرة يشاركهم فيها فنانون ونجوم من العالم العربي. وفي خلال هذه السهرة تعلن نتيجة تصويت الجمهور وتصويت التلاميذ ويخرج تلميذ واحد من الاكاديمية ليبقى في نهاية البرنامج فائز واحد هو نجم الأكاديمية لعام 2003-2004. مهما يكن من أمر "ستار أكاديمي" فهو في النهاية برنامج جديد من نوعه لم يعهده العالم العربي من قبل، الأمر الذي يبرر كل تلك التحفظات والأسئلة التي دارت من حوله خصوصاً في ما يتعلق بموضوع الاختلاط بين الجنسين. أما الجواب فيأتي مطمئناً من جهة المسؤولين الذين يعلموننا ان البرنامج لن يتنكر أبداً لتقاليدنا الشرقية ويقلّد الغرب في كل ما يفعل. "صحيح الشباب والصبايا سيكونون في مبنى واحد أما غرف النوم فمفصولة ويمنع عليهم الاختلاط بتاتاً". ويبقى، إذا كان نجاح "ستار أكاديمي" في الغرب رهن هذه الايحاءات فهل ممكن ان ينجح "ستار أكاديمي" في العالم العربي دونها؟ الإجابة تأتينا في الأيام القليلة المقبلة.