"طيور الشوك" هذه المرة ليست رواية للكاتب كولين ماكلو، بل حكاية الطير الذي طعن صدره بالشوك ليصبغ بدمه الوردة البيضاء الحزينة، فتصبح شبيهة بمثيلاتها من الورود الحمر. حكاية معروفة أخذها قمر الزمان علوش وبنى عليها عمله التلفزيوني الجديد الذي يحضر لتصويره قريباً بعد ان تولت "شركة الشرق" إنتاجه، والممثل ايمن زيدان اخراجه. وزيدان لا ينتظر إنتاجاً بحكم عمله لسنوات طويلة كمدير لشركات انتاجية كبيرة، بل تربطه بالإخراج علاقة من ايام المسرح، وينتظر دائماً، بحسب ما يقول، مادة تستفزه لتقديم اقتراح اخراجي، مختلف او مكمل للتجربة الإخراجية في سورية. لكن ما هو الجديد الذي يسعى ايمن زيدان الى تحقيقه ضمن خيارات استثارته؟ لا يريد ايمن تحميل المسألة عناوين كبيرة، لكنه يرى ضرورة اعادة القيمة الى العنصر البصري في الدراما التلفزيونية. ويقول: "تعاني الدراما العربية في غالبيتها، من الثرثرة الحوارية والفوضى الشكلانية، وما نسعى إليه اليوم هو استعادة الصورة موقعها بحيث تتوازن مع المحتوى للخروج بعمل منسجم العناصر". لكن المعايير تختلف بين جيل سابق وآخر حالي، إذ ينتمي ايمن لجيل عاصر كل المتغيرات السياسية منذ مطلع الستينات حتى الآن، وتكونت ثقافته في فترة الخطاب السياسي، والحوار الثقافي والمعرفي، الذي أمّن لهذا الجيل امكانية الاستمرار. لذا يرى ان الثقافة والمعرفة لا تصنعان فناناً لكنها تحميه وتحمي خياراته. ونسأل إلى أي حد يمكننا الاستمرار في ترديد الخطاب السياسي نفسه، وتطبيق معايير جيل سابق؟ يجيب أيمن: "لا أريد عودة فترة يحدد فيها موقع الفنان وفق خطابه ومحتواه، اؤمن بحركة التاريخ وتغيره، لكن مع الإفادة من سمة مرحلة ربتنا على بعد جمالي ومعرفي يجب توظيفه قدر الإمكان في محاولاتنا". قوانين السوق من جانب آخر، لا يمكن اعتبار السائد من المعايير صحيحاً بالضرورة، فهل يؤخذ به انصياعاً لقوانين السوق، باعتبار ايمن ليس ممثلاً ومخرجاً فحسب بل مدير للشركة المنتجة؟ يقول زيدان: "بعيداً من الكذب والتنظير، نحن نعاني مشكلة في طبيعة عملنا، فهو مؤسساتي محكوم بشروط موزعة بين رأسمال منتج، محطات تتبنى سياسة دولة ما، محطات خاصة تنظر وفق مصالحها الاقتصادية، معلنين يرعون التجارب... لذا لسنا احراراً في التعبير عما نريد وفق آلية تفكيرنا، تبقى المهارة في القدرة على تسريب اكبر جرعة ممكنة ضمن هذا الهامش". كما يؤخذ في الاعتبار الجانب الاقتصادي من العمل الفني، فالربح ضروري للاستمرار لكن هل يعني الفن الرابح هبوطاً في السوية والذائقة او تفريغاً للخطاب المعرفي من محتواه؟ وهل استطاع ايمن زيدان الموازنة بين مشروعه التجاري والفني؟ يعتقد ايمن ان الموازنة هي اعقد نقطة في الموضوع إلا ان مفهوم التوازن الاقتصادي مرتبط بمفهوم سياسة المحطات التي تبث الأعمال. ويضيف: "الآن دخلت الصناعة التلفزيونية اروقة اخطر تحت عناوين كالتسويق والتوزيع وما شابه، وبشكل موارب تسوق الأعمال ليس وفق جودتها بقدر النسب التي يحصل عليها المستفيدون من التسويق، اتضح هذا بغياب بعض الأعمال الجيدة عن الشاشة وطغيان الهابطة، وهو غياب مثير للتساؤل على رغم الإنتاج الغزير هذا العام، وقلة جودة انتاج الآخر تحديداً مصر ومع ذلك وزّع في حين لم يوزع 90 في المئة من الإنتاج السوري، ربما تتحمل المؤسسة الإعلامية السورية جزءاً من المسؤولية لغياب آلية التسويق للأعمال المنتجة". لم أعد طموحاً! إذا اصبح إنتاج مسلسل خطوة محفوفة بالمخاطر لاختلاف الظروف، فهل سيبقى ايمن زيدان على سياسته في توفير فرص انتاج لمخرجين جدد؟ ثم هل يتم التعامل معهم كما المحترفين او اصحاب التجارب السابقة؟ "اصبحت ظروف الإنتاج أعقد، لكن يبقى اختيار المخرج من عصب عملنا الإنتاجي فهو صمام الأمان، وأؤكد في خياري على شرطين الأول معرفي، ومن ثم المهارات المهنية. اتعامل مع الجديد بالقوانين نفسها، وأحاول تشكيل أرضية لخلق مزاج مبدع، وخدمات انتاجية عالية المستوى". علاقة متبادلة لا تعني التعامل من موقع ممثل ومنتج، تدخلاً في العملية الاخراجية، اذ يحترم أيمن تقاليد الصناعة الفنية ولا يقترح إلا ضمن الفسحة المتاحة لأي فنان مشارك في التجربة. "يبقى العمل من توقيع مخرجه بتصوره ورؤاه التي احترمها، على رغم انني لا أتفق أحياناً مع صيغة العمل المقدمة تحديداً الكوميدي لكنني لا أعترض، فهذا حق للمخرج". فالعلاقة بين أيمن ومخرجين تعامل معهم متبادلة طالما قادرة على انجاب جنين صحي حسب تعبيره، متمثل بعمل ذي أفق سورية. مع باسل الخطيب مثلاً لم تزل إمكانية اضافة اقتراحات جديدة ومهمة ممكنة. لكن هل ينطبق هذا على خياراته في الاعمال الكوميدية الساخرة؟ يؤكد أيمن ان ثقافة الفنان وخبرته كفيلة باخراجه من هذا المطب من خلال تقديم قراءة مختلفة، ويضيف: "حدث هذا سابقاً مع الدراما التاريخية الا ان الناس لم تمل التاريخ بل القراءة المتشابهة له، والأمر نفسه ينطبق على الكوميديا الساخرة. طالما وجع الانسان اليومي لا ينتهي، يجب عدم التوقف عن رصده". ربما كان رصد الواقع واحداً من طموحات أيمن زيدان الذي يعتقد ان "العمر لا يكفي ليحقق المرء ما يريد" فما الذي يسعى الى تحقيقه بعد جملة الاعمال التي أثبت فيها حضوراً، وحقق من خلالها تغييراً يحسب له سواء على صعيد التمثيل او خيارات الانتاج او الاخراج؟ "بصراحة لم أعد طموحاً كفاية، بل صرت محبطاً بانعكاس ما يجري من متغيرات في الخارطة السياسية، والأخطر في الثقافية. كل ما حولنا يدفعنا الى صناعة فن رديء كي لا نخسر. وان كان استشفاف المستقبل كما حدث في هولاكو الذي أنتج قبل حرب العراق، ميزة فإن عالمنا العربي يحولها الى وبال، اذ خجلت الكثير من المحطات من عرض المسلسل لمجرد ان سمى الأميركان بمغول العصر، وبوش بهولاكو الجديد. ضمن هذه الظروف طموحي فقط ان أصمد في عملية التحول الشرسة المفروضة علينا". أما في مراحل سابقة، فأوصل الطموح أيمن زيدان الى النجومية، تحديداً في فترته الذهبية، من خلال "نهاية رجل شجاع". "اخوة التراب"، "الجوارح"، "ايام الغضب"... فهل استطاع المحافظة على نجوميته مع ظهور اجيال ونجوم جدد؟ "أؤمن بالأجيال، واذا أردت المحافظة على وضع ما بمفهوم النجومية، فأنا نجم ضمن عمري ومرحلتي. لم يعد هاجسي دور جيد فقط بل تجربة كاملة. وفي كل مراحل عمر الانسان فسحة كبيرة للنجومية". لكن هل كانت النجومية سبباً في اقحامه ضمن صراعات وخلافات مع العديد من الفنانين؟ يبتسم أيمن زيدان ويستشهد بمسرحية ليوري يورين عنوانها "انسوا هيروسترات"... "أحرق هيروسترات المعبد فقط من اجل ان يصبح مشهوراً، لا لموقف عقائدي اواختلاف ايديولوجي... أنا لن أحرق المسرح كي أصبح مشهوراً!".