هل وصلت الدراما السورية الى طريق مسدود فعلاً؟ قد يبدو هذا السؤال مباغتاً وفي غير مكانه بالنسبة الى بعض صنّاع هذه الدراما اولاً، والى المتلقي ثانياً، فمن يدخل في تفاصيل "المطبخ" الدرامي السوري عن كثب، ويتجول في كواليسه، سيفاجأ اكثر بكمية الأخطاء التي رافقت هذه التجربة في العقد الأخير المنصرم على الأقل، هذا العقد الذي شهد صعودها اللافت، والاحتفاء النقدي والجماهيري بها ووسمها بالإنتاج الضخم، خصوصاً في ما يتعلق بعشرات المسلسلات التاريخية التي اعادت احياء شخصيات مهمة ومؤثرة في التاريخ العربي، مثل صلاح الدين الأيوبي، والمتنبي وصقر قريش والزير سالم وانتهاء بهولاكو. لكن المراقب للمشهد اليوم، سيجده اختلف الى حد كبير، إذ سيكتشف ان إنتاج مثل هذه الأعمال، كان بقصد إرضاء طموحات ممثلين بلعب شخصيات درامية من العيار الثقيل، اكثر منه تقديم امثولة للمشاهد العربي. فأدوار البطولة، ثبت انها كانت ولا تزال محصورة بين حفنة اسماء، تتناوب على لعب هذه الشخصيات، وهؤلاء هم: ايمن زيدان وسلوم حداد وجمال سليمان ورشيد عساف، بصرف النظر إن كان الدور مناسباً للممثل ام لا، باعتبار ان هذا "النجم"، هو من يشرف على الإنتاج، او هو من يدير الشركة المنتجة، الأمر الذي جعل المخرج، يقف في المرتبة الثانية، فهو يتسلم النص مرفقاً باسم البطل في آن. تراجع دور المخرج ولعل تراجع دور المخرج في اختيار فريقه من الممثلين والفنيين باستثناءات بسيطة، اصاب العمل الدرامي بقدر ليس بسيطاً من الفوضى والارتجال، ذلك ان المسألة لا تتوقف عند حدود اختيار البطل، انما في فرض ممثلات هاويات في ادوار البطولة النسائية، وبعضهن لم يقفن من قبل امام الكاميرا. وتفسر ممثلة شابة هذا الإقبال على الوجوه الجديدة، بأن موهبة بعضهن في اصطياد الفرص بأي ثمن، اكبر بكثير من قدراتهن التمثيلية، فالكواليس هي التي تحدد نوعية العقد والأجر، بين الممثلة وجهة الإنتاج، وإذ بعشرات الوجوه الجديدة، تغزو الأعمال الدرامية، لتتحول الشاشة فجأة، الى حلبة سباق طاحن ومحموم بين عارضات ازياء وملكات جمال وفتيات إعلان، على ادوار البطولة المطلقة، مرفقة في هذه الحال بتوصية من جهات عدة، بعضها ليس له علاقة بالمناخ الفني مطلقاً. مطحنة التاريخ والكوميديا اما بالنسبة الى المؤلف الذي وجد نفسه بين مطحنة الأعمال التاريخية والتهريج الكوميدي، في غياب شبه تام للأعمال الاجتماعية المعاصرة التي تلقى تعنتاً رقابياً، فإن هذا المؤلف يسلم نصه للجهة المنتجة، ليجد نصاً آخر على الشاشة، بالكاد يتعرف الى احداثه وخطوطه الدرامية، ليس لهشاشة النص الأصلي بالضرورة، وإنما بسبب تدخلات الممثلين والممثلات أدوارهم، ما يعرّض النص الى الشطب والحذف والإضافة، حتى وإن كانت هذه التعديلات، لا تتوافق مع سياق الحدث، فالمهم هنا مساحة الدور، وبالنسبة الى البعض انسياقاً وراء لقب "البطل الإيجابي". وآخر ما يتداوله الوسط الفني السوري اليوم، ان مؤلف "السيرة الهلالية" ياسين عبداللطيف، فوجئ بأن فكرة نصه، ذهبت الى مؤلف آخر، من دون علمه، نتيجة تواطؤ بين مخرج العمل باسل الخطيب وبطل العمل ومنتجه سلوم حداد، ما جعله يلجأ الى القضاء، في اول واقعة من هذا النوع يشهدها القضاء السوري. اما مخرج مسلسل "بقعة ضوء" فراس دهني، فقد اضطر للاعتذار عن عدم اكمال تصوير العمل، بسبب تدخل بطلي العمل ايمن رضا وباسم ياخور في رؤيته الإخراجية للعمل، وهو ثاني مخرج ينسحب من العمل بهذه السلسلة الكوميدية، بعد الليث حجو. غياب رأس المال الوطني ويشير ناقد فني معروف الى ان مشكلة الدراما السورية، لا تتوقف عند تلاشي التقاليد الفنية فحسب، بل عند غياب رأس المال الوطني لتمويلها وترسيخ حضورها. ويضيف: "وتالياً غياب البعد الاستراتيجي لهذه الصناعة الثقيلة، ما جعلها اسيرة خريطة متحولة، تتسع او تضيق، تبعاً لتدفق رأس المال من جهات خارجية، وهي في معظمها محطات فضائية عربية". ظاهرة المنتج المنفذ ولعل هذا الواقع، افرز ظاهرة المنتج المنفذ، وهو في الحال السورية من الوسط الفني، لكن بدلاً من ان تنتعش هذه الدراما كتقاليد عمل، على فرض ان "اهل مكة ادرى بشعابها"، حصل العكس تماماً، إذ استأثر هذا "الفنان" بالأرباح الضخمة على حساب جودة العمل نفسه، وصار بعض هؤلاء يفرض شروطاً قاسية على الممثلين، حتى ان بعضهم اصبح يقيس أجر الممثل بالمشهد، في مساومة لا تليق بتقاليد هذه المهنة. ويتوقع ناقد آخر، ان تكون الدراما السورية في طريقها الى الانهيار او التراجع، إذ ان هذه الفورة الإنتاجية، بدت وكأنها نسمة صيف عابرة، فهي على مدى عقد من الزمن، لم تفرز تقاليد يحتذى بها، ولم تسهم في تأسيس استوديوات او كوادر تقنية، طالما ان اي فتاة بإمكانها ان تتحول الى "سكريبت" او حتى "مساعدة مخرج" فيما يقف صف طويل من التقنيين خارج اللعبة.