يحتدم النقاش حول وضع الدراما السورية، سلباً وإيجاباً، منذ بدء الأزمة في وطنها. وتزداد حدّة «الأخذ والردّ» حالياً مع ازدياد الأعمال على الشاشات، حتى اتسعت «الحلقة» لتضم كلّ من هبّ ودبّ. فالجميع صاروا نقاداً وكلٌّ له الحق في أن ينقد ويكتب ويذم ويمدح: أقلام محترفة، بريئة، جاهلة، وأخرى مسمومة بمصالح السوق... وقد تكون هذه العبثية في إطلاق الأحكام على الدراما سبباً لتراجعها بدل أن يقوم النقد مقامه الأصلي ويكون سبباً لتقدّم الفنون، درامية كانت أو موسيقية أو أدبية. وقد يكون المشهد على مواقع التواصل الاجتماعي أصدق في نقل هذا الواقع، إذ تتداخل الآراء النقدية وتتشارك لتولّد حالة من الفوضى في تقويم أعمال ما زالت تُعرض على الشاشات وتحتاج إلى عيون مفتوحة وخلفيات غنية حتى تضعها في مسارها الصحيح وتقوّم أهميتها ومستواها في هذا المجال. وكان الفنان القدير أيمن زيدان من الأشخاص الذين التفتوا إلى هذه الحالة الفوضوية السائدة في المجال النقدي، وعمد إلى التصدّي لهذا الزيف الذي لن يكون أكثر من عائق في سبيل تقدّم الدراما السورية. والمعلوم أنّ زيدان هو صاحب الشهادة رقم «1» في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، وهو الذي حقّق، إلى جانب مكانته كممثل، نقلة نوعية في الإنتاج الدرامي السوري وكان صاحب الفضل على كثير من الممثلين، ومنهم النجم باسم ياخور الذي قال في حديث إلى «الحياة» أن «أيمن زيدان من الأساتذة الذين لن أنسى فضلهم عليّ في حياتي، هو من أهم الفنانين في سورية الذين ساعدونا ودعمونا في أعمالنا. أعتقد أن فنانين كثراً يشاركونني الرأي». وقال الفنان أيمن رضا ل «الحياة»: «زيدان استطاع أن ينقل قسماً كبيراً من الدراما السورية بعد دريد لحام إلى الخارج. فضله كبير، ونجح في تحقيق إنتاج خاص وفي صنع ثقافة خاصة للدراما السورية». أمّا تجربته في إدارة «شركة الشام للإنتاج» الفني فكانت رائدة بحيث أتاحت فرصاً لجميع الشباب والشابات، وبخاصة متخرجي المعهد الذي ينتمي إليه. وفي تعليق له على موقع «فايسبوك»، طرح زيدان سؤالاً بديهياً حول أسس تقويم الأعمال الفنية، قائلاً إن «تناقضات المعايير النقدية والانطباعية عن المسلسلات التلفزيونية باتت محيرة فعلاً. أقترح أن ننطلق من الإجابة على نقطة إشكالية أولية. هل نسبة المتابعة والمشاهدة التي يتفاخر بها بعضهم هي معيار جودة المسلسل وأهميته؟». ثم يجيب «لماذا يتفاخر البعض بذلك؟». ولعل في كلام «الرجل الشجاع» إشارة إلى «جوقات» الثناء والمديح» على شبكات التواصل الاجتماعي، بين تكتلات فنية وإعلامية حول أعمال فارغة فنياً. ويبدو أن ما يعنيه كلام زيدان في العمق، هو أن عدد المشاهدات على موقع «يوتيوب»، والتغريدة وإعادتها، والهاشتاغ ليست هي المعايير الصالحة لقياس عمل فني. والمثل بسيط: بلغ عدد مشاهدات السيدة فيروز وفق خدمة «ميوزيك إنسايتس» من «يوتيوب» من تشرين الأول (أوكتوبر) عام 2014 نحو 386 مليوناً، بينما بلغت مشاهدات المغنية اليسا في الفترة ذاتها نحو 898 مليوناً. ويضيف زيدان في هذا السياق: «ألم نتعلم بعد مساوئ التغزل المفتعل بالدراما السورية؟ ألم ندرك أن البحث عن الانتصارات الواهية دليل صارخ على الهزيمة؟ أما آن الآوان لأن نكاشف أنفسنا كي نعيد ترتيب أوراق هذه الدراما التي كانت قبل عشرين سنة منارة حقيقية للدراما العربية؟ أولئك الصغار الذين يكيلون المديح المبكر من أجل أن يحصلوا على كسب ود المخرجين لكي يعملوا، سيعرفون قريباً أنها تجارة غير رابحة وغير نزيهة»، مشدداً على عدم التعميم في مقولته: «أنا بالمناسبة لا أعمم لكنني أتحدث عن القاعدة وليس عن بعض الاستثناءات القليلة جداً للأسف». ويتابع كلامه حول بعض ما يراه عثرات في الدراما السورية من ناحية الإخراج أي الجهة المسؤولة عن المحصلة الفنية، كاتباً: «بما أن المستوى المعرفي والخبرة الحياتية والجمالية لم تعد شرطاً أساسياً للمخرج التلفزيوني، أؤكد أن أبواب الإخراج باتت مشرعة أمام كل التقنيين (...). الأمية هي التي ستقود درامانا إلى المقصلة». ولا يستكين زيدان لعذر الظرف الصعب في عدم تقديم دراما عالية المستوى، بل على العكس، يرى في هذه الأزمة موجباً لدراما أفضل، شارحاً: «في ظل هذه الظروف ليس لدينا فرصة لتقديم إبهار بصري على مستوى أماكن التصوير (...)، لكننا ما زلنا نستطيع تقديم أفكار ومواضيع ساخنة وذات ركائز معرفية ناجمة عن خبرات بعض العاملين في الدراما التلفزيونية وثقافتهم. يمكن أن نعود إلى الصدارة انطلاقاً من المواضيع القيمة (...)، ومن يحاول أن يجعلنا أبطالاً لمجرد أننا نعمل في هذه الظروف هو مخطئ، لأن هذه الظروف لا تمنعنا من تقديم مواضيع مهمة بل تحتم علينا ذلك». ولا ينظر الفنان «الجميل» إلى النصف الفارغ من الكأس فقط، بل يسلط الضوء أيضاً على بعض التجارب المشرقة هذا الموسم. وقال زيدان في برنامج «رايتنغ رمضان» إنه يشاهد «غداً نلتقي» من كتابة إياد أبو الشامات بالاشتراك مع مخرج العمل رامي حنّا، و «العراب نادي الشرق» من سيناريو وحوار رافي وهبي وإخراج حاتم علي. وهو يؤدي في الموسم الحالي بطولة أعمال عدة، أبرزها «دامسكو» من كتابة سليمان عبدالعزيز وإخراج سامي الجنادي، والجزء السابع من «باب الحارة»، و «حرائر» من تأليف عنود الخالد وإخراج باسل الخطيب.