لعالم اليوم طابع مميز. ففيه نالت الشعوب درجة أعلى من التحرير ونالت منظمات المجتمع المدني درجة أعلى من التمكين. مطالب الشعوب صارت تتعدى الحدود السيادية إذا لم تشبعها الكيانات القطرية. والعلاقات الدولية لم تعد مقيدة بشروط السيادة الوطنية في كل الحالات بل صارت قضايا حقوق الإنسان والسلام، والتنمية وغيرها تتحرك في آفاق أممية. إن اتفاقية السلام السودانية المنتظرة مرآة لهذا الواقع السياسي والديبلوماسي الجديد. ففي السودان وقع استقطاب على الصعيد الشعبي... استقطاب بلغ في العقد الأول من نظام "الإنقاذ" مداه... في ظل هذا الاستقطاب استطاع الشعب السوداني بالفكر، والتعبئة، والمقاومة التصدي لسياسات الإنقاذ، وفي مرحلة حاسمة راجع النظام تلك السياسات ما فتح الطريق لسلام عادل وتحول ديموقراطي بوسائل سلمية. وأدت حدة الاستقطاب الداخلي إلى انتشار المواجهات إقليمياً ودولياً فتمدد العنصر الإقليمي والدولي في الشأن السوداني بصورة غير مسبوقة. إن اتفاقية السلام المزمعة سوف تعكس في ملامحها هذه الحقائق، فما هو أثر اتفاقية السلام في علاقة السودان بالاتحاد الأوروبي؟ يكتسب الخوض في هذا الأمر أهمية خاصة لأن كل المؤشرات تدل على أن الاتحاد الأوروبي صار رقماً مستقلاً في السياسة الدولية بصورة تنازع الولاياتالمتحدة سيطرتها الاحادية مما يؤذن بمرحلة توازن دولي جديد يزحزح الاحادية القطبية نحو التعددية. فإذا كان تناول الشأن العراقي هو أوضح دليل على تباين الموقف الأوروبي والأميركي فإن التعامل مع الشأن السوداني دليل آخر على ذلك التباين. هذا السؤال سأجيب عليه عبر سبعة فصول. الفصل الأول: تطور العلاقات السودانية - الأوروبية بينما عاقبت الولاياتالمتحدة الديموقراطية الثالثة 1986 - 1989 على سحب الامتيازات التي وفرها النظام المايوي 1969 - 1985 لها فأوقفت الدعم العسكري والتنموي للبلاد واقتصرت على العون الإنساني، رفعت أكثرية الدول الأوروبية من دعمها التنموي للبلاد. واستمر هذا الحال إلى أن أجبرت سياسات "الإنقاذ" الدول الأوروبية واحدة واحدة على وقف تعاونها التنموي مع السودان. منذ العام 1975 وعبر اتفاقية لومي الأولى اتخذت العلاقات التنموية بين الاتحاد الأوروبي ودول أفريقيا والكاريبي والمحيط الهادي نمط شراكة تنموية. وفي العام 1992 تطرقت اتفاقية ماسترخت الأوروبية لربط التعاون التنموي باحترام حقوق الإنسان والديموقراطية. قرر الاتحاد الأوروبي مجموعة أحكام جعلت بناء الديموقراطية في البلدان المعنية هدفاً للدعم التنموي في الإطار الثنائي بين دولة ودولة، وفي الإطار الجماعي أكدت الأحكام الأوروبي على الآتي: "إن استراتيجية التمكين للديموقراطية تقوم على تواصل إيجابي هدفه تحقيق التغيير السياسي والإصلاح بأسلوب غير صدامي مؤسس على الحوار والشراكة"... هذا التوجه انعكس على شروط التعاون بين الاتحاد الأوروبي ودول أفريقيا والكاريبي والمحيط الهادي. تطور الالتزام بهذا التوجه كآلاتي: أ - نصت اتفاقية لومي الرابعة المراجعة على اتخاذ الخطوات المناسبة في حالة وقع تجاوز ملح لحقوق الإنسان في الدولة المعنية أو وقعت عرقلة لبرنامج التحول نحو الديموقراطية فيها. ب - وفي العام 1994 أطلق البرلمان الأوروبي ما سماه المبادرة الأوروبية للديموقراطية وحقوق الإنسان. ج - وفي العام 2000 بنت اتفاقية كوتونو على رصيد اتفاقية لومي الرابعة وأدخلت شروطاً جديدة لتحقيق التعاون أهمها: الالتزام بحقوق الإنسان، وبالحكم الراشد، وبالإصلاح السياسي والقانوني، وبمحاربة الفساد، وباللامركزية السياسية والمالية، وبتمكين المنظمات غير الحكومية على أداء مهماتها، وجاء في هذه الأحكام أن عدم الوفاء بالشروط يؤدي إلى تعليق التعاون التنموي. الفرق بين لومي وكوتونو: كانت اتفاقية كوتونو قفزة في الاتجاه الجديد والفرق بينها وبين اتفاقية لومي يتلخص في الآتي: * ربطت كوتونو بين التجارة والسياسات الاقتصادية ومسائل العون التنموي المعهودة. * أوجبت الاتفاقية الجديدة الحوار حول حقوق الإنسان كجزء من الاتفاق. * أوجبت كوتونو دوراً مشروطاً للمنظمات الأهلية. في اتفاقية كوتونو التزام قانوني بأن تشترك المنظمات الأهلية في الحوار السياسي، وفي تخطيط وتنفيذ البرامج التي يمولها الصندوق التنموي الأوروبي. المنظمات الأهلية كما عرفتها الاتفاقية هي: جماعات حقوق الإنسان، النقابات، القطاع الخاص، المنظمات التطوعية، وأجهزة الأعلام وجاء في كوتونو أن الحوار يشمل القضايا الآتية: تجارة الأسلحة - الصرف العسكري - الاضطهاد الاثني والديني - تقويم مستمر لموقف حقوق الإنسان - احترام مبادئ الديموقراطية - سيادة حكم القانون - الالتزام بالحكم الراشد. ومع التزام الاتحاد الأوروبي بهذه السياسات في علاقاته بالدول المعنية لا يستغرب ما حدث من قطيعة بين دول الاتحاد الأوروبي والسودان في عقد التسعينات، ومن إيقاف الاتحاد الأوروبي لدعمه التنموي للسودان في 1990. ولكن، في ضوء ما بدا من توجهات سودانية جديدة بدأ حوار بين النظام السوداني والاتحاد الأوروبي عبر اجتماع في تشرين الثاني نوفمبر من العام 1999. حوار أجندته: حقوق الإنسان - الديموقراطية - حكم القانون - السلام -، واعتبر الاتفاق على هذه القضايا أساس لتطبيع العلاقات. هذا الحوار استمر متعثراً، في 21/11/2002 أصدر البرلمان الأوروبي القرار الآتي تقويماً لنتائجه: "لقد حدث بعض التطور الإيجابي في نقاط أجندة الاتحاد الأوروبي مع السودان في مجالات: حقوق الإنسان، الديموقراطية، حكم القانون، الحكم الراشد، ولكن الموقف فيها جميعاً ما زال معيباً". والآن، هل يمكن أن تكون اتفاقية السلام المنتظرة أساساً لعهد جديد في العلاقات السودانية الأوروبية؟ الفصل الثاني: الدور الأميركي أوروبا وأميركا متحالفان تحالفاً استراتيجياً ولكن منذ الثمانينات بدأ تباين في مواقفهما، ففي أثناء الديموقراطية الثالثة قطعت أميركا دعمها التنموي والعسكري للسودان بينما رفعت اكثر الدول الأوروبية دعمها التنموي له وكذلك اليابان. ومنذ العام 1993 اتخذت الولاياتالمتحدة موقفاً متشدداً من النظام السوداني... موقفاً ذا ملامح أيديولوجية إذ تطلعت السياسة الأميركية لقرن أفريقي موسع يضم السودان وأثيوبيا وإريتريا والكونغو وغيرها، ويقوده قادة ثوريون جدد في تحالف مع الولاياتالمتحدة. هذه الرؤية تحطمت لأن هؤلاء القادة الواعدين اشتبكوا في حروب بينية لا تبقي ولا تذر. هذا إضافة إلى إخفاق سياسة الاحتواء والعزل التي جربتها أميركا في مناطق مختلفة. لذلك عكف مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأميركي منذ تموز يوليو 2000 على مراجعة السياسة الأميركية نحو السودان. وفي شباط فبراير عام 2001 أصدر المركز تقريره الذي أوصى بخط جديد أشبه بالخط الأوروبي نحو السودان. الخلاصة: إن النفط سيؤثر على ميزان القوى العسكرية في السودان لمصلحة النظام. وأن أفضل مرحلة للتوصل إلى ما يحقق أفضل امتيازات للجنوب هي الوقت الراهن. وأن الاتفاق على دولة واحدة بنظامين ممكن. وعلى واشنطن أن تسعى الى تحقيق ذلك. ثم انتخب الرئيس الأميركي جورج بوش ومع أن إدارته أحيطت بقيادات متشددة أيديولوجياً تشدداً أتاحت له حوادث 11/9/2001 فرصة ذهبية، إلا أن هذا الهياج لم يمس الشأن السوداني فاتخذت الإدارة الجديدة نهجاً عقلانياً متمشياً مع تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. وفي أيلول سبتمبر 2001 عين الرئيس الأميركي السناتور السابق والقس الأسقفي جون دانفورث مندوباً خاصاً له بالشأن السوداني. وبعد قيام السناتور السابق باتصالاته بكل الأطراف السودانية قدم في تشرين الثاني 2001 أربع نقاط لاختبار الموقف ولبناء الثقة بين طرفي الاقتتال. وأدى الجهد الأميركي إلى تنشيط مبادرة "الإيغاد" فاستطاعت أن تحقق نجاحاً أبرمت بموجبه اتفاقيات هي: أ - بروتوكول ميشاكوس في تموز 2002 ب - مذكرة التفاهم في تشرين الأول أكتوبر 2002 ج - اتفاقية الترتيبات الأمنية في أيلول 2003 د - اتفاقية الثروة في كانون الثاني يناير 2004 ولكن بينما يمضي هذا التوافق بوساطة "الإيغاد" وبرافع دولي تقوده الولاياتالمتحدة فإن اللوبيات القديمة التي كونتها سياسات النظام الأولى تبنت مشروع قانون أجازه مجلس الكونغرس باسم قانون سلام السودان في تشرين الثاني 2002 أي في أوج مفاوضات السلام. خلاصة هذا القانون: أ - الحكومة السودانية تقوم بممارسات كريهة عدّدها. ب - علينا دعم السلام والحكم الديموقراطي في السودان. ج - نثمن مجهود المبعوث الأميركي الخاص للسلام في السودان وسنراقب ما يحدث للتأكد من أن الفريقين يتفاوضان بحسن نية وعزيمة صادقة من طريق تقارير تقدم لنا كل ستة أشهر. د - في حال إخلال حكومة السودان بهذا النهج فسنقوم بفرض عقوبات اقتصادية وحرمان النظام من عائدات النفط وحظر السلاح. وعلى وزير الخارجية أن يجمع معلومات عن أحداث يمكن أن تشكل جرائم ضد الإنسانية، الإبادة الجماعية، جرائم الحرب وأي انتهاكات أخرى للقانون الدولي والإنساني ترتكب بواسطة كل أطراف النزاع في السودان. بما في ذلك الاسترقاق والقصف الجوي لأهداف مدنية. إن أثر هذا القانون على طرفي التفاوض في كينيا غير متوازن. وليس في اهتمامات السياسة الأميركية بالسودان حتى الآن، أولوية للتحول الديموقراطي مما يبين فرقاً بين الموقف الأوروبي الأكثر حرصاً على حقوق الإنسان والديموقراطية. فهل يشجع ذلك طرفي النزاع المفاوضين أن يبرما اتفاقية سلام تحرص على تحقيق السلام ولا تهتم بالتحول الديموقراطي؟ وهل يرضى ذلك الاتحاد الأوروبي فيتجاوز عن شروطه الديموقراطية ويقبل بالموقف الأميركي الهش من الديموقراطية؟ ربما قال قائل إن هذه القراءة للموقف الأميركي من الديموقراطية في السودان ليست صحيحة ويستشهد بحماسة أميركا للديموقراطية كما عبر عنها كثيرون لا سيما وزير الخارجية كولن باول في خطابه الشهير في كانون الأول ديسمبر 2002. خطاب كولن باول موجه للشرق الأوسط وأميركا ولا تعتبر السودان جزءاً من الشرق الأوسط. إن اهتمام الولاياتالمتحدة بالديموقراطية في الشرق الأوسط حقيقي ومرتبط بتحليلها لحوادث الحادي عشر من أيلول 2001. لقد استنتجوا أن نظم الحكم والتعليم الشرق أوسطية مسؤولة عن ذهنية العنف الذي فرخ الإرهاب. ولذلك قرروا تبني تقرير الأممالمتحدة عن التنمية الإنسانية في العالم العربي للعام 2002. إن تأييد الولاياتالمتحدة للتحول الديموقراطي في العالم العربي شيء إيجابي، ولكنه يواجه شكاً كبيراً في المنطقة ما جعل استقبال كثيرين في العالم العربي والإسلامي لهذا الاتجاه سلبياً. ينبغي ألا تعتبر هذه المواقف السلبية مواقف ضد الديموقراطية ولكنها ضد التبني الأميركي لها للأسباب الآتية: أ - إن الولاياتالمتحدة ما برحت تدعم حكومات الطغيان ضد شعوبها. ب - انها دبرت الانقلابات ضد النظم الديموقراطية أو رحبت بها. ج - انها منحازة الى إسرائيل وهي تمارس سياسات عدوانية توسعية. د - انها في الحرب ضد الإرهاب اتخذت نهجاً أحادياً. ه - انها مزدوجة المعايير. و - انها أدارت مبادرتها الديموقراطية بصورة معيبة: - لم تسع الى الحوار مع القوى الديموقراطية الشعبية في المنطقة فتبدو كأنها تشجع الطغاة أن يزينوا أنفسهم بمساحيق ديموقراطية. - أنها تحاور نخباً لا وزن لها إلا إعجابها بالولاياتالمتحدة. - ان ذكر مبلغ 29 مليون دولار لبرنامج المبادرة الديموقراطية في المنطقة العربية يدل على عدم الجدية. أما بالنسبة الى السودان فالأسئلة المشروعة في هذا الصدد هي: - هل يؤثر الموقف الأميركي على الموقف الأوروبي فيقف مع أي اتفاقية سلام من دون مراعاة المقاييس الديموقراطية؟ أم يؤثر الموقف الأوروبي على الأميركي فيؤيدون اتفاقية السلام المرتبطة بالتحول الديموقراطي؟ الفصل الثالث: اتفاقية السلام الجديدة الشعب السوداني يرحب باتفاقية السلام المنتظرة لأنها أفضل من حالة الحرب ولأنها قد تتيح أسلوباً سلمياً للتداول السلمي على السلطة عبر صناديق الاقتراع. ومع تأييد الحاجة لحل وسط وتنازل متبادل فإن ما تم الاتفاق عليه حتى الآن يظهر عيوباً أهمها: أ - بروتوكول ميشاكوس يقنن تطبيق أحكام الشريعة في الشمال واستثناء الجنوب هذا النص يكرس عوامل الانفصال. والنص الأفضل هو أن يقال إن القوانين المطبقة قومياً تكون محايدة دينياً وأن للمسلمين الحق في قوانين إسلامية. أي أن يكون في البلاد نظام قانوني للكافة ونظام قانوني للمسلمين. ب - الاتفاقية الأمنية تجرد البلاد من مؤسسة عسكرية قومية. والمؤسسة العسكرية المراد لها أن تصبح قومية مستقبلاً مبنية على ائتلاف ثنائي بين قوات طرفي النزاع دون مراعاة لأي مقاييس تتطلبها قومية المؤسسة العسكرية. هذا النص بالذات يدعم حجة الانفصاليين الشماليين. ج - اتفاقية الثروة إذ تعطي 50 في المئة للجنوب من بترول الجنوب و 50 في المئة من إيرادات ضرائب جنوبية للخزينة المركزية تشجع حجة الانفصاليين الجنوبيين. المسألة ليست في أن نسبة ما أعطي للجنوب عالية ولكن التصور الصحيح أن يعطى الجنوب الحق الآتي: أ - نسبة سكانه من كل الثروات القومية بما فيها البترول. ب - نسبة مقدرة لإزالة أثار الحرب في الجنوب والمناطق الأخرى المتأثرة بالحرب. ج - نسبة مقدرة للتوازن الخدمي والتنموي. بهذه الصورة يمكن للجنوب أن ينال 50 في المئة أو أكثر ولكن بصورة تشجع دعاة الوحدة. إن ما اتفق عليه حتى الآن يشمل كثيراً من الإيجابيات ولكن العيوب التي تؤثر في استدامة الاتفاقية هي: أ - الغموض حول حقوق الإنسان والتحول الديموقراطي والمطلوب أن يشمل الاتفاق بوضوح تام للنقاط الآتية: - التزام بحقوق الإنسان وحرياته وآلية لكفالة ذلك. - التزام بجعل دولة الحزب الحالية دولة الوطن. - التزام بآلية قومية لمراجعة الدستور في وقت محدد. - التزام بإجراء انتخابات عامة حرة لكافة المواقع الدستورية لدى نهاية فترة الرئاسة الحالية. إن وزن القوى السياسية غير المشاركة في هذا التفاوض جسيم للغاية ولاستدامة اتفاقية السلام ينبغي أن يشترك هؤلاء في القرار المصيري. ولا يمكن لاتفاقية سلام أن تترك البؤر الملتهبة الأخرى كما هي كما يحدث الآن في دارفور. ولا بد من صيغة متزامنة لإيجاد حل لها. ولا يمكن أن تحصر المشاركة بالصورة الحالية في بعض جيراننا جنوباً ويعزل آخرون كما يعزل جيراننا في الشمال. إن للسلام المستدام والتحول الديموقراطي المستدام استحقاقات إذا تخلفنا عنها فوتنا فرصة تاريخية. هذه الاستحقاقات تمثل تطلعات وطنية مشروعة مثلما تفتح الطريق لتعاون وثيق بين بلادنا والاتحاد الأوروبي. الفصل الرابع: احتياجات السودان بعد الاتفاقية 1- إن أهم ما يتطلع إليه السودان بعد اتفاقية السلام من الناحية الاقتصادية هو أن يحصل إجماع دولي على إلغاء الدين الخارجي. وهو دين تراكم على السودان في عهد حكومة غير منتخبة وعوملت به حكومة ذلك العهد معاملة خاصة لخدمات استراتيجية قدمتها. مما مكنها من قمع الشعب السوداني ولا يعقل أن يعاقب الشعب مرتين بسياسات القمع وبسداد ذلك الدين. 2- ومن الأولويات الاقتصادية وضع برنامج شامل لإزالة آثار الحرب. 3- وبرنامج لتحقيق التوازن الخدمي والتنموي في البلاد. 4- برنامج لإعادة التأهيل والتعمير والتنمية القومية. لذلك يرجى عقد مؤتمر اقتصادي قومي لتحديد هذه الأولويات والسياسات المطلوبة لتحقيقها. وبعد هذا الإنجاز توجه الدعوة لمؤتمر مائدة مستديرة للمؤسسات الاقتصادية الدولية والدول الغنية وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي لتحديد دور الأسرة الدولية في التنمية السودانية. أما في المجال السياسي فإن المطلوب من الاتحاد الأوروبي تطبيع العلاقات مع السودان والمساهمة في ما يطلب منه لا سيما مراقبة الانتخابات وتأكيد نزاهتها. الفصل الخامس: السلام المستدام والديموقراطية المستدامة يواجه السودان بعد إبرام اتفاقية السلام تحديات رهيبة أهمها: أ - التعامل الحضاري مع تقرير المصير مع بذل أقصى جهد لجعل الوحدة جاذبة لاخوتنا في الجنوب فإذا لم نحسن إدارة هذه المسألة فإن تقرير المصير يمكن أن يكون أداة تقسيم عدائي للسودان... تقسيم لا يقف عند حد الشمال والجنوب الحاليين. ب - ظروف البلاد في الفترة الماضية فرخت ثلاثة عوامل يمكن أن تعمل بصورة وبائية في الجسم السوداني هي: العصبيات الإثنية - ثقافة العنف - اللوبيات الأجنبية. ج - لقد أدى فقدان الثقة بين الأطراف السودانية إلى الحاجة لطرف ثالث. هذا الطرف الثالث يمكن أن يمارس دوره كرافع إقليمي ودولي يساعد السودانيين ويمكن أن تشده مصالحه لاجندات خفية. هذه متاهات حلت بالسودان ويمكن لوعيه الفكري والسياسي أن يحقق وحدة وطنية تمكنه من احتوائها والنجاة من آثارها وتحقيق نجاح للتجربة السودانية يجعلها: قدوة للتحول من الاقتتال للسلام، وقدوة للتحول الديموقراطي، وقدوة للتوفيق بين الالتزام الإسلامي والوحدة الوطنية، ورائد للإخاء العربي الافريقي. إن نجاح هذه التجربة السودانية يتطلب جهداً وطنياً وتأييداً دولياً يرجى أن يساهم فيه الاتحاد الأوروبي بحجمه المعتبر. ينبغي أن نحقق الظروف لتحالف عظيم وطني- دولي يحقق التطلعات الوطنية المشروعة في تجانس مع الاجندة الدولية الفاضلة، أقول الفاضلة لأن المجال الدولي حاشد باجندات دولية ظالمة. الفصل السادس: السودان وأوروبا الإسلام دين حرية وتسامح وتعايش مع الآخر الملي والثقافي. لكن ظروفاً سياسية ربطت بين الإسلام والتعصب، والإسلام والانكفاء، والإسلام والعنف، والإسلام والاستبداد ما أدى إلى فهم جامد للدين أخضع الحاضر والمستقبل للماضي، فهم عدائي للعلاقة مع غير المسلمين. هذه اجتهادات ماضوية بررتها ظروفها تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ- سورة البقرة 134 و141" المطلوب منا التحرر من اجتهادات ماضوية بفهم للأصل قادر على تعامل ناجح مع جدلية الأصل والعصر انظر كتابي بهذا العنوان. هذه الثورة الثقافية لا تجدي إن تمت من جانب واحد فالاستعلاء الغربي يمكن أن يخلق رد فعل مضاد يكرس الانكفاء والعداء. كما أنه ينبغي أن تقابلها ثورة ثقافية من الطرف الغربي تدرك أن الحضارة الحديثة إنجاز عظيم رفدته كافة الحضارات لا سيما الإسلامية وترد اعتبار الإنسان الأسود الذي حكمت عليه بالدونية مع أن حقائق التاريخ تنصفه. ثورة تدرك أن الآخرين سيستصحبون منجزات الحضارة الحديثة بمحض اختيارهم وبصورة لا تمحو ثقافاتهم. ثورة تتخلى عن الاستعلاء الغربي الذي غذاه تاريخ القرون الثلاثة الماضية والتفوق المعرفي والمادي الراهن، وتدفع استحقاقات الإخاء الإنساني. هذه هي شروط العمل المشترك لعالم أعدل وأفضل وقفل الطريق أمام نسور الهيمنة الغربية المتحالفين تحالف أضداد مع غلاة الاحتجاج والانكفاء لدينا لكي يقيموا عهداً ظلامياً جديداً. هذه القضايا فصلناها بإسهاب في طائفة من الدراسات مثلاً الحضارات الإنسانية تصارع أم تحاور - مؤتمر حوار الحضارات، جامعة النيلين 6-8 آذار مارس 2003 وهذه الجوانب مهمة لتأطير العلاقات السودانية - الأوروبية. فالأمر الذي يخص الإنسان لا يقف عند حد المادي والتنموي بل يتجاوزه للإيماني والإنساني، والفني والعاطفي، والأخلاقي، والمعرفي فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان كما قال السيد المسيح عليه السلام. الفصل السابع: النظام الدولي. النظام الدولي الحالي الذي يتربع على قمته مجلس الأمن يعكس الموقف الدولي بعد الحرب الأطلسية الثانية وفيه ما فيه من امتيازات للمنتصرين فيها، ولكن بعد نصف قرن مضى زاد عدد الدول المستقلة، وزادت نسبة الدول الديموقراطية، وتغير توازن القوى الدولية واستجدت مشاكل أمنية ملحة في صنع السلام وحفظ السلام وهذه كلها توجب مراجعة النظام وتجويد ديموقراطيته. إن مجلس الأمن يعنى بالأمن بصورته التقليدية، ولكن للأمن مفهوم أوسع يتطلب التنمية الإنسانية والعدالة وهي عوامل تختص بها بعض المنظمات الدولية المختصة كبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي، وهيئة الأممالمتحدة لحقوق الإنسان، وغيرها من المنظمات والهيئات. هذه الاختصاصات المهمة، والهموم الإنسانية الملحة لا تتبع استراتيجية موحدة ولا توجهها هيئة تجلس على قمتها لذلك ينبغي تكوين مجلس مواز لمجلس الأمن الحالي أوسع عضوية للقيام بهذه المهمات وتشكيل قمة للتعاون في مجال التنمية الإنسانية بمعناها الواسع. إن الأمن الإنساني بمعناه الواسع لا يتحقق إلا في إشباع موزون لضرورات الإنسان العشر في ظل نظام عام يكفل الحرية والعدالة. * إمام الأنصار المنتخب كانون الأول 2002. رئيس حزب الأمة القومي المنتخب نيسان إبريل 2003. رئيس وزراء السودان المنتخب نيسان 1986.