سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تحدث عن إعتداءات فندق "أطلس أسني" وظروف تسليم "أمير الجماعة" و"قبر مخلوفي" وتفجيرات الدار البيضاء . البصري ل"الحياة": أصوليون فرنسيون من أصول مغاربية نصبوا معسكرات تدريب في جبال الألب 3 من 3
يتحدث وزير الداخلية المغربي السابق إدريس البصري، في هذه الحلقة الأخيرة من الحوارات معه، عن قصة تسليم "أمير الجماعة الإسلامية المسلحة" عبدالحق العيادة إلى الجزائر عام 1993. كما يعرض موقف المغرب من الجماعات الإسلامية المسلحة الجزائرية التي كانت تعبر أراضي بلاده لنقل السلاح الى عناصرها داخل الجزائر. ويكشف البصري ايضاً ظروف فرض بلاده التأشيرة على الرعايا الجزائريين في منتصف التسعينات والإتهامات التي صدرت ضد جهاز المخابرات العسكرية الجزائري بالوقوف وراء الإعتداء الذي استهدف فندق "أطلس أسني" في مراكش وأودى بحياة عدد من السياح الإسبان عام 1994. ويقدم معلومات مثيرة عن الشباب الفرنسيين من أصول جزائرية ومغربية الذين كانوا يتلقون تدريباً عسكرياً في غابات جبال الألب في فرنسا تحضيراً للإلتحاق بالجماعات المسلحة في جبال الجزائر. وفي ما يأتي نص اللقاء: لعبت دوراً بارزاً سنة 1993 في تسليم "أمير الجماعة المسلحة" عبد الحق العيادة إلى السلطات الجزائرية. لكن بعض المصادر تحدث عن مساومات مغربية رهنت تسليمه بمحاولة دفع الجزائر إلى تغيير موقفها من قضية الصحراء الغربية. هل في الإمكان شرح قضية تسليم العيادة؟ - العيادة رُصد خلال وجوده في المغرب في شكل سريع من مصالح الأمن في البلدين، أقصد المصالح الأمنية المغربية والأمن الجزائري. وكان من الطبيعي أن يتصل بنا المسؤولون الجزائريون في شأن موضوع تحرك عبدالحق العيادة في الأراضي المغربية. وبالفعل طلبت منه منحي مهلة ساعة للتعرف أكثر على القضية. وبعد ساعة أو ساعتين إتصلوا بي مرة ثانية وقالوا انهم يرغبون في تسلم عبدالحق العيادة. فقلت لهم إنني سأبلغ جلالة الملك الحسن الثاني لننظر في الموضوع وسأخبركم بالجواب. وقد أحطت جلالة الملك علماً بالموضوع، وهو كما تعلمون رجل قانون وأنا أيضاً رجل قانون، وعقد لقاء مع عدد من المقربين منه مثل محمد رضا قديرة رحمه الله وإدريس سلاوي رحمه الله وزير العدل آنذاك ووزير الداخلية أنا وجلالة الملك في حضور ثلاثة من الضباط الساميين في الجيش الملكي، وطلب منا بلورة القرار المناسب. وفعلاً قال جلالة الملك ان هذا الطلب حكومي رسمي جزائري، لكن المغرب وجلالة الملك لا يمكنه أن يلبّي الطلب إلا بحكم قضائي وبطلب رسمي جزائري لطرده وتسليمه. وقد طلبت من الجنرال خالد نزار ذلك وقال لي إنه يرغب في زيارة المغرب للقاء جلالة الملك. وكانت تلك الزيارة، بالمناسبة، أول وآخر زيارة يقوم بها إلى المغرب للأسف الشديد. وقد جاء نزار، ونحن والله نحبه لأنه رجل صريح لا يقبل اللف ولا الدوران، وكنت في استقباله وأخذته معي إلى القصر الملكي. فأقام له جلالة الملك غداء في بيته الخاص، وتذاكر معه حول قضية عبدالحق العيادة في حضور الجماعة. وأبلغه أن القضية هي من اختصاص العدالة المغربية وستُصدر قراراً في شأنه. وفعلاً أصدرت المحكمة حكماً ضده وتم بعدها استصدار قرار الطرد من طرف الجهات المختصة بتزكية وزارة الخارجية والسفراء. هكذا جرت القضية. لكن نُسب إلى نزار قوله أنه تعرض لمساومات في المغرب لقاء تسليم العيادة؟ - أبداً لم يحدث هذا الشيء، ونزار لم أسمعه يقول مثل هذا الكلام أبداً لأنه في مستوى جلالة الملك ولا يمكنه قول ذلك، فهو رجل عالي المستوى وله أخلاق ومعطيات وطقوس وتجربة، وهذا الشيء في دمه ولا يمكنه أن يساوم في حرية أي أحد ولا في سجن أي أحد أبداً. وأتذكر جيداً أنه عندما زارنا بعض الإخوان من الضباط الساميين الجزائريين قالوا لنا "أنتم تحاربون الجزائر بكيفية من الكيفيات". لكن لم يكن ذلك في مستوى جلالة الملك الحسن الثاني ولم يكن هناك لا ضغط ولا مساومات حول قضية الصحراء الغربية التي هي أمر سياسي ولا يحتاج إلى قرار يصدر في الطائرة. ونزار جاء إلى المغرب وهو نشيط وحيوي وعاد إلى الجزائر وهو نشيط وحيوي. كنت أنا سائقه في السيارة من المطار إلى القصر الملكي والغداء كان غداء ملكياً في بيت الملك، ونزار كان كعادته يشعل السيجارة وراء السيجارة، وخرجنا بعد اللقاء أصدقاء. من حين الى آخر كانت تصدر إتهامات من الجزائر بأن المغرب يتساهل مع الجماعات الإسلامية المسلحة الجزائرية عندما تدخل إلى أراضيه ثم تعود إلى الجزائر لتنفيذ اعتداءاتها. كنتم تتابعون هذا الملف عن قرب. هل كنتم تجدون صعوبة في رصد هؤلاء خصوصاً على أطراف الحدود بين الجزائر والمغرب حيث تستقر مجموعة كبيرة من القبائل موزعة بين البلدين؟ هل كنتم تشعرون بخطر انتقال عدوى الجماعات إلى المغرب؟ - هذا الكلام الذي قلته فيه شيء من الحقيقة. أولاً أعترف بأن المسلحين في الجزائر كانوا يتلقون الأسلحة من عدد من الدول والنواحي وعلى الخصوص من دول أوروبا الشرقية سابقاً مثل البوسنة والهرسك ويوغوسلافيا ورومانيا، والطريق كان معروفاً عبر ألمانيا وبلجيكا وفرنسا ثم برشلونةفالجزائر إما مباشرة أو عبر المغرب. ولكن أنفي نفيا كليا أن السلاح كان يعطى من طرف المغرب. وهناك من ناحية أخرى خط ثان لتهريب السلاح من السودان على الحدود الشرقية، والجميع كان يتحدث عن هذه الشبكة التي تعرفها وتعرف أيضا مهندسها الأساسي. وكان الأمر قاطعاً بالنسبة الينا وهو أن المغرب لا يمس بسوء الإخوان الجزائريين ولا يسمح لأحد بالمرور عبر أراضيه. لكن المسلحين وأخص بالذكر ناشطي "الجماعة الإسلامية المسلحة" و"الجيش الإسلامي للإنقاذ" كانوا يعملون في الخفاء. وكنا نشعر بأن هناك أموراً تتهيأ في فرنسا لكنها عندما تأتي ستأتي من جهات أخرى. وسبق لي أن تكلمت في تلك الفترة مع المسؤولين الفرنسيين مثل بيار جوكس الذي كان وزير الداخلية وبعده شارل باسكوا الذي شغل المنصب نفسه، وقلت لهم ان المغاربة لا يتدخلون في أي شأن من هذه الشؤون. وإذا بنا نتفاجأ بعد فترة بالعثور في إحدى المرات في منطقة أكنون في الريف على مخزن كبير للأسلحة. بحثنا في الموضوع واكتشفنا أن هذه الأسلحة تأتي من تلك الشبكة التي حدثتك عنها ولم يكن ذلك سرياً فقد دعونا الصحافة وأعلمنا المسؤولين الجزائريين بذلك وأجرينا بعدها محاكمة علنية لأفراد هذه الشبكة وكان فيها بعض الإخوة المغاربة وبعض الجزائريين، وإن لم تخني الذاكرة فإن بعضهم لا يزال في السجون المغربية. لماذا كان موقفنا هكذا؟ لأنه أولاً وقبل كل شيء الحسن الثاني ملك وعمل المملكة يعتمد على الإستمرارية الطويلة ولا يمكنه أن يفتح الباب أمام هذا التعامل: يوم لنا ويوم علينا. وجلالة الملك الحسن الثاني رجل صالح يتقي الله وعملت إلى جانبه وقد كانت هذه كلمته. ثانياً، جلالة الملك كافح مع والده، والحسن الثاني لا يعرف شخصيته الكثير من الناس ولا يعلمون أنه حكم عليه بالسجن المؤبد على كفاحه لأنه كان حاملاً مسدسه الشخصي ليقتل به الجنرال جوان الذي كان المقيم العام لفرنسا لولا أن أبيه محمد الخامس محمد بن يوسف السلطان رآه ونزع منه السلاح وكان الحسن الثاني يتحين الفرصة لقتل الجنرال الفرنسي وتمت محاكمته سنة 1953 في وجدة. فالحسن الثاني رجل كفاح مثل قادة الكفاح الجزائري الأخ العقيد لطفي أو ديدوش مراد أو عبدالحفيظ بوالصوف، إلا أن الفرق أنه أصبح في ما بعد ملكاً. أما من حيث الوطنية والكفاح فأنا لم أكن أفرّق بين بن طوبال وبوالصوف وجلالة الملك الحسن الثاني لأنه رجل وطني وكان يقول لي عن خطورة أن يستغل عناصر الجماعات الإسلامية المسلحة الجزائرية أراضي المغرب طيلة السنوات الماضية: "يا إدريس لا يجب أن يمر عبر أراضينا هذا السلاح إلى الجزائر لأن الذي يتوقف عنده سيأخذ منه حقه ويستعمله ضدنا". هذه كانت قناعة جلالة الملك. وأشكر هنا بالمناسبة لواءين في الجيش الجزائري هما الأخ خالد نزار ومحمد العماري اللذان كانت لديهما الشجاعة وسيّرنا الأمور سوياً بالتي هي أحسن، على رغم انني كنت حينها متهماً من طرف بعض الصحافيين في الجزائر بالوقوف وراء ذلك غض الطرف عن الجماعات المسلحة التي تتولى تهريب السلاح عبر المغرب الى الجزائر. ومنذ زيارة خالد نزار ثم التصريحات الصريحة للفريق العماري، تأكد الجميع أن لا لإدريس البصري ولا للمغرب ولا لجلالة الملك الحسن الثاني أي ضلع في القضية. يُقال ان الأمير السابق ل"الحركة الإسلامية المسلحة" السعيد مخلوفي دُفن في أراضي المغرب، وظل هذا الموضع طوال السنوات الماضية يشكل أحد "الأدلة" التي تُستغل لإثارة الشكوك في مسؤولية السلطات المغربية عن الجماعات المسلحة. هل تتبعتم ملف السعيد مخلوفي؟ - نعم تتبعت ملف السعيد مخلوفي من قبل ثم عندما أخطرنا به رسمياً من السلطات الجزائرية التي قدمت لنا المكان المفترض لدفنه في جبل الريش على بعد ستة كيلومترات في عمق الأراضي المغربية غرب ولاية بشار الجزائرية 1800 كلم جنوب غربي الجزائر. وقد تأكدنا لاحقاً أن هذه المعطيات لم تكن صحيحة وأن هذا الشخص لا وجود له في أراضي المغرب. قضية القبر الذي دفن فيه السعيد مخلوفي أمير الحركة الإسلامية المسلحة الجزائرية أصبحت رسمية وكانت محل بحث في أول لقاء لي مع الرئيس بوتفليقة في حزيران يونيو 1999. وقد وافق الملك الحسن الثاني، قبل وفاته، على طلب الجزائر تعيين فريق مشترك للبحث عن قبر السعيد مخلوفي، ولم يتم العثور عليه في المكان الذي حدده الأمن الجزائري. وأعتقد أن إثارة مثل هذه القضايا أمر طبيعي لأنه في مرحلة من المراحل الصعبة التي مرت بها الجزائر كان من الضروري إثارة هذه القضايا بهدف تخفيف الضغط الذي كانت تواجهه وتتهم تونس والمغرب ومالي. ونحن نتفهم ذلك لأننا أصحاب حرفة. نحن في المغرب لدينا قبر يسمى قبر سيدي مخلوف وهو فعلاً مدفون في الرباط ومعروف جداً لدى السكان. أما السعيد مخلوفي الجزائري أن يدفن عندنا بسلاحه فهذا غير صحيح وأنت تعلم ذلك جيداً. لكن هناك إصراراً من بعض المسؤولين الجزائريين على هذه القضية؟ - هذا يذكرني بقصة مدير الأمن عندنا محمد غزاوي في حكم الملك محمد الخامس. كان يقول لسيدنا "أنت بحاجة إلى مئة كب وكم لشد مئة فم" أي مئة ساعد مرفق لوقف مئة فم عن الحديث. فيجب أن يكون هناك مئة ذراع لوقف فم شخص واحد! مرت قبل أسابيع الذكرى العاشرة لأحداث فندق أطلس أسني في مراكش وكان ذلك أول إعتداء مسلح يستهدف أمن المغرب وسلامته وأصيب فيه عدد من السياح الأجانب. بعد عشر سنوات هل في الإمكان معرفة من نفذ الاعتداء، وهل صحيح أن لجهاز المخابرات العسكرية الجزائري علاقة بما حصل، مثلما تردد في تلك الفترة؟ - قلت لك قبل قليل، وكنت أعرف أنك ستصل إلى هذا السؤال، أن هناك أشياء كانت تُدبّر في فرنسا. وقد تحدثت مع بيار جوكس وشارل باسكوا عن قيام ناشطين إسلاميين بالتدريب على الأسلحة في غابات في منطقة توران وروشيون في جبال الألب في فرنسا أيام الجمعة والسبت والأحد. كانوا فرنسيين من أصول جزائرية ومغربية، وكان الهدف - مثلما صرحوا - الذهاب لمساعدة "الاخوة في الجماعة الإسلامية المسلحة والجيش الإسلامي للإنقاذ في الجزائر". ونحن بحكم احترافيتنا كنا نعرف أنهم يريدون إسقاط المغرب بعد الجزائر. وأقول لك شيئاً أساسياً بحكم أنني مراقب وهو أن وزراء الحكومة الفرنسية، وعلى الأقل المسؤولين الذي تحادثت معهم، حاولوا بجهد كبير مساعدة الجزائر وتقديم العون لها في مجال مكافحة تهريب السلاح. وعندما تسير الأمور على هذا النحو نحن في المغرب لدينا مصالح أمنية جيدة، وقد كان لي شخصياً مصدر حذرني من أن هؤلاء الفرنسيين من ذوي الأصول الجزائرية والمغربية يشكلون خطراً حقيقياً. وهناك عنصر ثان ومهم في هذه القضية وهو الدور الجزائري. فقد كانت مصالح الأمن الجزائرية توصلت في تلك المرحلة إلى اختراق الجماعة الإسلامية المسلحة. والاختراق يعني انه إذا كنا ثلاثة وكان أحدنا مرتبط بجهة أخرى فإن الاثنين الآخرين سيتبعانه من دون علم ان رفيقهما مرتبط بجهة مختلفة. وهو ما يفسر صرامتنا وانزعاجنا في تلك الفترة من أسلوب تعامل الفرنسيين، لأن هذه اللعبة لم تكن واضحة. أما مع الإخوان الجزائريين فإننا لم نكن منزعجين منهم كثيراً، وقد كان رد فعل المغرب للأسف الشديد - وأقول ذلك بصراحة لأنني اعتبر ما حصل مؤامرة على العلاقات بين الجزائر والمغرب - أننا تعاملنا بقسوة مع السياح الجزائريين، وهي قضية لم يكن من الممكن الحكم عليها. وأتذكر أنني، وقتها اتصلت شخصياً بوزير الداخلية الجزائري لأوضح له ان قرار فرض التأشيرة على الجزائريين في اعقاب حادثة أطلس اسني سيدوم بضعة أيام ولن يتجاوز أكثر من أسبوع، واننا بسبب ما أثير عن دور الجزائر في اعتداءات فندق أطلس أسني سنضطر إلى فرض التأشيرة لبضعة أيام على ان نفتح بعد ذلك الحدود مجدداً. لكن كان رد فعل الجزائر غاضباً وأخذ الإخوان الجزائريون الأمر بشيء من التشدد، وأنا أتفهم ذلك جيداً. ولكن الحمد لله ساهم قرارنا وقرار الجزائريين اغلاق الحدود في وقف الاختراقات المستمرة للحدود والاتهامات المجانية ضدنا. ونحن المغاربة نعرف جيداً أصدقاءنا الجزائريين ورد فعلهم وحساسيتهم حتى لمجرد هبة ريح. نتفهم هذا فيهم وهم إخواننا. منذ رحيلكم من وزارة الداخلية في المغرب عادت تهديدات التيارات الإسلامية المتشددة لتطفو على السطح. وأثار ذلك تساؤلات عن خلفيات عدم إتباع السلطات السياسة نفسها التي كان يجري العمل بها مع الإسلاميين خلال حكم الملك الحسن الثاني؟ - من الأشياء التي يطرحها الخصوم ضدي أن ما يحدث هو نتاج السياسة التي كان يتبعها الملك الحسن ووزير داخليته إدريس البصري. وأحب أن أوضح هنا أن الملك الحسن الثاني كانت له رؤية وسياسة واضحة مع الإسلاميين وهي سياسة مرسومة ومحددة سأشرحها لكم ومن خلالها سأفسر لكم اقتراح الملك الحسن الثاني الخاص بحزب "جبهة الإنقاذ" في الجزائر مطلع التسعينات. تطوّر فكر جلالة الملك في شكل كبير إزاء الإسلاميين بعدما كانت سياسته ترفض في شكل كامل التيارات الإسلامية خصوصاً بعد سقوط نظام شاه إيران. لكن سياسته بدأت تتطور شيئاً فشيئاً ما دفعه إلى تعديل موقفه. وبين سنوات 1982 و1985 قال ان الحكم لا يأتي من ولاية الفقيه لأنها تؤدي إلى الإنهيار. ولأنه براغماتي في تفكيره وبعد أن رأى التطور الحاصل في العالم العربي والإسلامي لم يكن يرغب في تجاهل هذه المعطيات خصوصاً الإسلام السياسي وليس الإسلام الإرهابي. ولذلك أرسى استراتيجية تهدف إلى دمج الإسلاميين في البناء والحكم المؤسساتي. كان جلالة الملك عالماً ووزير الحبوس أيضاً. أما أنا فقد كنت وزيراً للداخلية خاضعاً لسلطة الملك وأخدم توجهاته بالأساس، ولم يكن مطلوباً مني أن أكون قساً ولا كاهناً، وكان مطلوباً مني ان أتابع وألاحظ وأعرض الأوضاع على جلالة الملك الذي قرر انتهاج سياسة تهدف إلى إدماج وإعطاء دور سياسي حديث لهذا التيار الإسلامي المنتشر. وقد نجحنا في دمج حزب العدالة وكنا على وشك دمج تيار عبد السلام ياسين العدل والإحسان الذي كان لا يقول شيئاً آخر غير إدانته لأعمال العنف. وبالنسبة لنا كان هذا شيئاً مهماً لأنه بإدانة العنف كل الأمور تعالج بحكمة. كنا نتحدث مع الإخوان في حزب العدالة وجماعة عبدالسلام ياسين عن إمارة أمير المؤمنين وكان في فكر عبدالسلام ياسين أن إمارة المؤمنين يجب أن تنفصل عن السلطة، ونحن قلنا له - لأنه يجب أن يكون الواحد أيضاً تكتيكي وإستراتيجي - خذ ما يساعدكم من النظام ونحن نأخذ ما يناسبنا أيضاً من أفكاركم. وفي مسائل إمارة المؤمنين كنت أقول له بصفتي وزير الداخلية أن لا أحد له الحق في التشكيك بذلك، فمكانة أمير المؤمنين مقدسة وحمايته مضمونة ومشرعة في القانون بموجب أحكام عقابية وأي خروج عليها سيضعكم تحت طائلة المحاكمة طبقاً للقانون وفي وضح النهار. بهذه الكيفية كنا نتفاوض مع الإسلاميين. وأنا متأكد أنه لو تم الإستمرار في العمل بسياسة جلالة الملك الحسن الثاني لكانت الانتخابات التشريعية لسنة 2002 ستمكننا من دمج إسلاميي حركة العدل والإحسان في البناء المؤسساتي وفي البرلمان في شكل تمثيلي ومنفتح وعصري. حزب العدالة دخل ب12 نائباً ثم ارتفع عدد نواب الحزب إلى 43، والمغرب لم يسقط والشمس لا تزال تشرق من المشرق، وهذا هو فكر جلالة الملك وحكمته. وبعد خروجي من وزارة الداخلية وقعت حوادث الدار البيضاء وقد تابعتموها واليوم نقول أي شيء. كتبت في اذار مارس 2003 مقالاً في صحيفة "الأيام" المغربية قلت فيه ان الحالة الاقتصادية والاجتماعية في الدار البيضاء تدعو إلى القلق. وقد عوتبت على هذا الكلام .وبعد ذلك وقعت تفجيرات 16 ايار مايو. وأنا أقول لهم من قبل ومن بعد أن هذا الفعل ليس من فعل الإسلاميين لأن اللجوء في أول فعل إلى عملية انتحارية ليس أمراً عادياً وبسيطاً، وهو بالأساس مرتبط بحال يأس وبظاهرة أخرى. وما يدعم هذا الطرح هو أنه لم تتكرر مثل هذه الأحداث بعد ذلك. ليس لأن الشرطة كانت قمعية وقمعية إلى حد بعيد لأنها تبنت سياسة استئصالية. عندكم في الجزائر الوضعية تختلف. كان الجيش في مواجهة أناس مسلحين يواجهونه الند بالند. ولكن عندنا الناس كانت لديهم فقط بعض الأفكار حول تطبيق الإسلام لدى بعض المجموعات الإسلامية المحدودة العدد ليس أكثر. الآن المشكل يُطرح من جانب آخر وبكيفية أخرى: كيف ان بلداً مثل المغرب وبعد أحداث 16 ايار قرر ان يتبنى قانوناً أميركياً لمكافحة الإرهاب وقرر وقف ما يزيد على سبعة آلاف شخص وأصدر أحكاماً ضد 2500 شخص منهم 30 بالإعدام. الملك الراحل الحسن الثاني وطيلة فترة حكمه منذ 1961 إلى غاية وفاته سنة 1999 لم يحاكم إلا 1200 شخص فقط بما في ذلك كل الاعتداءات والمؤامرات والاختراقات التي جاءت من الجزائر، مؤامرة أوفقير، مؤامرة المذبوح، مؤامرة المهدي بن بركة، مؤامرة الإتحاد الوطني للقوى الشعبية. هذا هو إجمالي عدد الذين تمت محاكمتهم خلال 40 عاماً. وأرى أنه من غير المعقول أن يتم في حادث واحد فقط اعتقال سبعة آلاف شخص ومحاكمة عدد كبير يتجاوز 2500 شخص في إطار قانون قاس للغاية. قلت أن الملك الحسن الثاني عرض اقتراحاً على الرئيس السابق الشاذلي بن جديد لمعالجة الأزمة مع "جبهة الإنقاذ" هل من توضيح؟ - نعم لقد قالها للرئيس الشاذلي بن جديد ان بما أن هؤلاء الناس الانقاذ حصلوا على الغالبية فليس هناك داع لوقف العملية الانتخابية، وإذا كنتم تريدون الديموقراطية فينبغي القيام بها إلى نهاياتها. ولا أخفي عليكم أنني اتصلت بصديقي السيد العربي بلخير، وقد كان وزير الداخلية، وقال لي أن التوجه هو أن يكون البرلمان الجديد ممثلاً بثلث عن التيار الوطني وثلث عن التيار الإسلامي وثلث للتيار الليبرالي الديموقراطي، وقد قلت له أن هذا شيء ممتاز. طبعاً برزت مفاجآت وكانت نتائج أخرى في الصناديق الانتخابية، وعليه كان يجب التحضير لهذا الوضع قبل إعلان النتائج. قلنا لهم أن العهدة البرلمانية عندكم ليست 35 عاماً بل أربعة أو خمسة اعوام، فاتركوهم يجربون الحكم ويتعرف الشعب ماذا يمكن أن يقدموه عملياً من معالجات للمشاكل اليومية للجزائريين، ومع الوقت سيفقد الشعب ثقته فيهم. وبالفعل كانت التجربة في المغرب على هذا النحو، والناس تعرف محدوديتهم. ولكن موقفنا هذا كان سببا لانتقادات شديدة واتهمنا بمحاولة جع ل الجزائر مخبراً للتجريب.