تناولت الحلقة الثانية مسألة احتدام الصراع بين مختلف "الفرقاء الأفغان" بعد انسحاب السوفيات 1989 ونشوء أول تنظيم اسلامي مسلح في الجزائر. وتتحدث حلقة اليوم عن نشاطات "الجماعة الاسلامية المسلحة" ونجاحها في كسب ثقة مجموعات منظمة تمركزت في مناطق شرق وغرب ووسط وجنوب الجزائر. تمكنت "الجماعة الإسلامية المسلحة" منذ الأيام الأولى لإعلان تأسيسها من كسب مساحة واسعة من العمل المسلح خصوصاً مع المصادقة على تنظيمها الأساسي الذي جعلها مجموعة مسلحة منظمة بدقة وعناية يتولى إدارتها أمير وطني و أمراء مناطق: شرق، غرب، وسط، وجنوب. وعلى رغم حداثته في العمل المسلح وقلة خبرته إلا أن عبدالحق لعيادة، وهو حداد سيارات من منطقة براقي 25 كلم جنوباً، تمكن بفضل معرفته الدقيقة بالأحياء الشعبية للعاصمة وقيامه بالكثير من العمليات التي توصف ب"الشجاعة" ضد مصالح الأمن، من أن يصبح أهلاً للمواجهة منذ أيامه الأولى حيث عيّن أميراً وطنياً للجماعة المسلحة. لكن هذا التعيين لم يرق لتيار القدامى الذين شاركوا في الحرب الأفغانية وبدأوا في التخلص من الزعماء المحليين كما فعل مصطفى عقال لعبدالناصر علمي بحجة أنه لا يمتلك التكتيك العسكري. نظم "أبو ليث المسيلي" في صيف 1992 اجتماعاً في المغرب حضره عدد كبير من مسؤولي "الجماعة" من بينهم عبدالحق لعيادة وقادة بن شيحة وقاري سعيد وشقيقه عبدالرحيم وهواري ولد مومنة ولغمري جمال و درار طاهر بهدف تنحية لعيادة عن إمرة "الجماعة الإسلامية" المسلحة لكن الغالبية رفضت لأنها ادركت أن هذا هو مبتغى "الأفغان الجزائريين". وتقرر في النهاية إبقاء عبدالحق لعيادة على رأس التنظيم وعيّن "أبو ليث المسيلي" واسمه حجاب مسعود وهو من قدامى "الأفغان" وأوائل الذين بادروا إلى تشكيل الجماعات الإسلامية المسلحة في ولاية المسيلة في منصب مسؤول العلاقات الخارجية ل"الجماعة الإسلامية المسلحة" منذ كانون الأول ديسمبر 1992. وتولى في ما بعد عمليات تنظيم تهريب الأسلحة والذخيرة من المغرب حيث كان مكلفاً إنشاء مركز استقبال وإيواء "الأفغان الجزائريين" في وجدة. ومع إكتمال التنظيم العسكري بدأت العمليات "الاستعراضية" ل"الجماعة" في مختلف الولايات، وبدأ معها "الأفغان الجزائريون" يبرزون في الميدان في طليعة التنظيمات المسلحة بالنظر إلى الخبرة القتالية التي يتمتعون بها وكانت ترتكز الى تقنيات عالية تعتمد على أبسط الوسائل للحصول على الأسلحة وتنفيذ التفجيرات التي كانت تستهدف بالأساس قوات الأمن والجيش. تسلم أمير الجماعة يعتقد عدد من خبراء الشؤون الأمنية أن تعيين عبدالحق لعيادة على رأس الجماعة المسلحة ربما لم يساعد من يوصفون عادة ب"المشرفين على الجهاد في الجزائر" إذ جرت منذ الوهلة الأولى محاولات عدة للإطاحة بعبدالحق لعيادة وعندما فشلت هذه المحاولات قام محمد مليك أخو نصر الدين الملقب ب"أيوب"، بحسب عنصر من الجماعة المسلحة، بدور مشبوه في إبلاغ الاستخبارات المغربية بمكان تواجده لإلقاء القبض على أول أمير ل"الجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية". وإذ كان اللواء خالد نزار وزير الدفاع السابق يشير إلى كون مصالح الأمن هي التي اكتشفت مكان تواجد لعيادة إلا أن هناك في أجهزة الأمن من يعترف بأن ما حدث من مساومات بين الجزائر والمغرب من أول أيار مايو الى أول آب أغسطس 1993 أصلها صراعات احتدمت بين عناصر الجماعة المسلحة. يقول ضابط متقاعد في الاستخبارات الجزائرية: "كان يبدو لنا خبر إلقاء القبض على لعيادة هدية تاريخية من الحكومة المغربية وكان الهدف هو الحصول عليه في أقرب وقت ممكن". ويتابع "ولكن تبيّن لنا في ما بعد أن تسليم لعيادة كان حقيقة هدية مسمومة لأن الوشاية به والقبض عليه لم يكونا في النهاية إلا محاولة من مدبري الإرهاب في الجزائر للتخلص منه كونه لا يساعد المخطط الذي كان يرمي إلى تعيين أحد المشاركين في الحرب الأفغانية على رأس التنظيم المسلح". ويقول بعض المتابعين للملف الأمني أنه بعد تعيين شريف قوسمي وهو أحد أبرز القياديين في الجماعة المسلحة فضّل الكثير من القدامى المشاركين في الحرب الأفغانية مثل أمير منطقة الغرب قادة بن شيحة، ومختار بن مختار إرجاء الصراعات الداخلية إلى وقت لاحق على أساس أن "النظام سيسقط قريباً" ولكن بعد تأكدهم من أن النظام لن يسقط "بدأوا يعيدون الاعتبار لاختلافاتهم فبدأ التناحر الداخلي مجدداً أكثر ضراوة". وهناك من يعتقد في أجهزة الأمن الجزائرية أن هذا الوضع لم يكن يشكل عائقاً أمام محاولات الدوائر الخارجية التي توفر التغطية الدينية للإرهاب في الجزائر "التركيز منذ البداية على إنجاح التعاون بين التنظيمات المسلحة في منطقة المغرب العربي: "الجماعة الإسلامية المقاتلة المغربية"، "الجبهة الإسلامية التونسية"، "الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية" و"الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر". ويشير العنصر "التائب" في "الجماعة الإسلامية المسلحة" براشد محمد خلال مثوله أمام محكمة الجنايات سنة 1999 إلى أن الدعم الخارجي ل"لجماعة الإسلامية المسلحة" كان معتبراً "لم تكن الجماعة المسلحة تعاني نقص الدعم المالي والأسلحة والعتاد بما في ذلك وسائل الاتصال إضافة إلى مشاركة أجانب في صفوفها". ومن ذلك كما قال "مشاركة عنصرين ليبيين هما "أبو غليب" و"أبو حفص" في "سرية الفرقان" التي كانت تابعة ل"الجماعة الإسلامية المسلحة" اللذين فضّلا البقاء في ما بعد ضمن جماعة عنتر الزوابري كما وجد في سرية أخرى 15 ليبياً. ومما جاء في إفادة العضو السابق في جلسة المحاكمة الخاصة بأعضاء "سرية الفرقان" التي كان أحد أبرز أعضائها قبل أن يسلّم نفسه لقوات الأمن أن "الجماعة الإسلامية المسلحة" افادت من الدعم الخارجي. ويشير في هذا الجانب إلى أن تنظيم الجماعات المسلحة مستمد من فكرة وجود "تنظيم أوحد على النمط الأفغاني، إذ تتكون السرية من 7 إلى 15 فرداً وتتكون الفصيلة من 4 إلى 5 سرايا وتتكون الكتيبة من حوالي 150 فرداً". وتذكر المصادر الأمنية الجزائرية أن المغرب كان الوجهة المفضلة لعناصر الجماعات الإسلامية المسلحة لتثبيت قواعدها الخلفية التي ستتحول الى جسر عبور للدعم اللوجيستي لعناصرها في مختلف الولايات والمناطق. ومبرر اللجوء إلى المغرب لتأسيس خط الارتكاز الأول ينطلق من أسباب سياسية وتاريخية عدة مقارنة ببقية الدول التي لها حدود مع الجزائر. بالإضافة إلى قناعة عناصر الجماعات الإسلامية المسلحة بأن المغرب قد يستغل هذه الورقة لمساومة الحكم الجزائري الذي يهدد ما يعتقد بأنه وحدته الوطنية في اشارة إلى ملف الصحراء الغربية. وربما ساعد طول الحدود الجزائرية مع المغرب وعدم تحكم البلدين في ما يعبرها في تحفيز عناصر الجماعات على تأسيس قواعد خلفية قريبة من هذه المنطقة لتمكين نقل الشبكات الموجودة في أوروبا وبقية العالم وربطها مع عناصرها في الجبال الجزائرية. يذكر أكثر من عنصر من "الجماعة الإسلامية" أن الهدف الأساسي مطلع التسعينات كان خلق ولاية في المغرب لتنظيم عمل "الجماعة". وقبل أسابيع كشف تقرير إعلامي مغربي أن أسامة بن لادن أقام خلال مطلع التسعينات لمدة ثلاثة أشهر كاملة في المغرب لمشاركة "الأفغان الجزائريين والمغاربة" بدايات "الجهاد" في الجزائر حيث تكثفت لقاءات قيادات "الجماعة الإسلامية المسلحة بالمنطقة". ويذكر تقرير نشرته أسبوعية "أصداء" المغربية أن زعيم تنظيم القاعدة أقام في الرباط ثلاثة أشهر "عندما اضطر لمغادرة أفغانستان عقب إمساك المجاهدين الأفغان بزمام الحكم بعد رحيل القوات السوفياتية وبعد حرب الخليج". وقال أن بن لادن وصل إلى أفغانستان برفقة 40 من "الأفغان العرب" كان استقدمهم الدكتور الخطيب الذي زار أفغانستان في فترة حكم المجاهدين وعقد اتصالات مكثفة مع المقاتلين المغاربة". وأوضح أن السلطات المغربية "لم تكن مرتاحة لهذا الضيف الذي تعرف سجله بالتفصيل إلا أنها لم تسارع لطرده ولم تعمل على إزعاجه البتة". وتابعت أنه "بعد عدم حصوله على إقامة دائمة في المغرب انتقل بن لادن على مضض إلى السودان". وأوضح أن حضور أسامة بن لادن إلى المغرب كان برفقة عدد من المغاربة الذين شاركوا في الحرب الأفغانية وكانوا يخضعون، بحسبها، "إلى الرقابة المستمرة". وقال أن من بين المهام الأساسية التي يقوم بها "الأفغان المغاربة" الذين كانوا يعملون تحت لواء أسامة بن لادن وإشرافه توفير الدعم اللوجيستي للجماعات الإرهابية الجزائرية "على الأراضي المغربية". وذكر عدداً من المعلومات التي كانت تثيرها مصالح الأمن الجزائرية مثل "تهريب السلاح إلى الجزائر من أوروبا عبر المغرب وتهريب الأشخاص وبالأخص الناشطين الإسلاميين نحو أوروبا عبر المغرب". ولم يخف التقرير كون الموقع الجغرافي للمغرب له "مقومات استراتيجية نادرة تثير شهية الاستخبارات وشبكات التهريب ومافيا المخدرات، ولم لا التنظيمات المسلحة المعادية للمغرب" لتعرب عن قناعتها من أن "هذه المميزات هي التي دفعت أسامة بن لادن إلى اختيار المغرب بلد إقامة رسمياً وقاعدة أساسية لتنظيمه "القاعدة" ومنطلقاً لحرب مقدسة ضد المغرب". ومبرر ذلك أن بن لادن لم يكن يملك خيارات كثيرة "أمام انسداد المنافذ الى منطقة الخليج والشرق الأوسط كما لم يكن من الممكن أن يغامر بالابتعاد كثيراً عن محيط المنطقة العربية التي يملك فيها خزاناً ممن يعرفون ب"العرب الأفغان"، الذين تطوعوا للقتال في أفغانستان ضد السوفيات". بن لادن و جيش الإنقاذ على رغم أن الكثير من إطارات "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" الذين غادروا الجزائر نحو الدول الأوروبية كانوا يحرصون على جلب الدعم لقضيتهم "العادلة" إلا أن الكثير منهم سرعان ما فهموا من الأشهر الأولى أن جماعات الدعم والإسناد في الخارج لها منهج سياسي ورؤية تختلف عن الحزب الذي حظرته الحكومة رسمياً ربيع 1992 بقرار إداري. وهم لذلك اضطروا مع مرور الوقت إلى أن يندمجوا ضمن شبكات تهريب السلاح إلى الجزائر عبر المغرب. وإذا كان أنصار "الإنقاذ" أفادوا في البداية من بعض الدعم إلا أن تطور الأوضاع وبروز "الجماعة الإسلامية المسلحة" حسم الوضع، إذ بدأت الأموال والأسلحة والذخيرة ومختلف المساعدات التي ترد من الخارج تتدفق لمصلحة جهة واحدة هي "الجماعة الإسلامية المسلحة" التي برزت مرجعية "سلفية" وأساسية للعمل العسكري ضد نظام الحكم. يشير العضو القيادي في "الجيش الإسلامي للإنقاذ" المنحل مصطفى كبير وهو أيضاً شقيق رابح كبير رئيس اللجنة التنفيذية للإنقاذ في الخارج في إفادته بخصوص علاقة الجناح العسكري ل"الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المحظورة بالتنظيمات الدولية الى انه "لم تكن لدينا علاقة بأي دولة أجنبية ولم يمولنا أحد. هناك مَنْ تعاطف مع قضيتنا مثلما نتعاطف نحن مع آخرين وما يقوله الترابي عن تمويله للإسلاميين مسؤول عنه وحده". ويزعم أعضاء سابقون في الجيش الذي كان يقوده مدني مزراق قبل أن يدخل في هدنة بعد اتفاق شفوي مع مصالح الأمن العسكري أن تأخر الإعلان عن ا"لجيش الإسلامي للإنقاذ" كان بسبب قناعة أساسية راسخة لدى غالبية الإطارات "الحقيقية" ل"الجبهة الإسلامية للإنقاذ" بضرورة تجنب إراقة دماء الجزائريين لتحقيق "حلم تأسيس الدولة الإسلامية" التي تكرر الإعلان عنها مرات عدة من جانب قيادة الحزب في كل موسم كان عباسي مدني رئيس الحزب يخطب في الناس قائلاً أن الدولة الإسلامية ستقام في الربيع المقبل. وأمام تسارع الأحداث اضطر بعض قياديي الحزب إلى الالتحاق ببعض التنظيمات المسلحة مثل "الجماعة الإسلامية" أو "حركة الدولة الإسلامية" التي تولى قيادتها في هذه الفترة سعيد مخلوفي أحد الضباط السابقين في الجيش خلال الثمانينات. ولم يكن ضمن قيادات "الجيش الإسلامي للإنقاذ" من شارك في الحرب الأفغانية لكون غالبتيهم لم يكونوا مقتنعين منذ البداية بجدوى العمل السياسي الذي تقوم به "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" ضمن إطار "اللعبة الديمقراطية". وهم رفضوا أي تقارب مع ما يسمى الجناح العسكري للحزب الذي تأسس لاحقاً، لخوفهم من أن يكون هذا التنظيم المسلح الذي ظهر بين الجماعات المسلحة بعد فشل الوحدة داخل الجماعة الأم التي كان يقودها في تلك الفترة شريف قوسمي مجرد تنظيم مخترق من عناصر الاستخبارات وهو ما يفسر، بحسبهم، خوف انتشار التنظيم سبعة الآلاف عنصر بحسب تقديرات شبه رسمية ومقدرته على مساومة النظام. آلة الأفغان في مواجهة الجيش كانت مهمة "الأفغان الجزائريين" هي الضرب في عمق أجهزة الدولة، فكانت العملية التي أشرف عليها "جعفر" من خلال تفجير مطار هواري بومدين في العاصمة في آب 1992 وكانت حصيلتها 12 قتيل و128 جريحاً، بحسب المصادر الرسمية. وشملت العمليات المسلحة في مرحلة لاحقة الثكنات والمراكز العسكرية للحصول على أكبر كمية من الأسلحة، وتمكنت "الجماعة" بخبرة "الأفغان الجزائريين" من تحقيق هذا الهدف خلال الهجوم على ثكنة بشار مثلما حدث في حزيران يونيو 1992 حيث تم الحصول على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر. وفي آذار مارس 1993 تم الهجوم على ثكنة بوغزول قرب ولاية الجلفة تمكنت الجماعة المسلحة من الحصول على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر. كما قامت "الحركة الإسلامية المسلحة" بالهجوم على ثكنة بتيارت في كانون الاول ديسمبر 1993. وتردد أن العملية انتهت بفرار نحو مئة عسكري التحقوا بعناصر الجماعة المسلحة. وفي كانون الثاني يناير 1994 تم الهجوم على ثكنة تلاغ في سيدي بلعباس حيث تم الحصول على عدد كبير من الأسلحة، وفي المقابل قتل 60 عسكرياً. يقول أحد المختصين في ملف "الجماعات الإسلامية المسلحة" أن "الأفغان الجزائريين الذين كان لهم تاريخ قتالي كانوا مؤهلين طبيعياً لقيادة المرحلة الأولى لأنهم كانوا يملكون شبكة مشتركة بين مختلف المناطق في الوطن مع تقنيات خاصة في تبادل الاتصالات"، فضلاً عن وجود عامل أساسي ومهم هو "الثقة" ولكونهم "رفقاء السلاح" وتعايشوا لفترة مهمة في أفغانستان وهو ما يوفر لهم الحصانة من لعبة "الاختراق" التي قد تقوم بها الأجهزة الأمنية. وعلى سبيل المثال يوضح مصدر أمني، أن كل عمليات ملاحقة عناصر الجماعات الإسلامية المسلحة ممن شاركوا في الحرب الأفغانية كانت تنتهي في الغالب بالفشل بسبب تنقلهم ببطاقات هوية مزورة وقدرتهم الكبيرة على "الوقاية والتمويه" من أي شكل من أشكال الملاحقة وهو الأسلوب الذي اتبعوه منذ عودتهم الى الجزائر. وقد أدخل "الأفغان" تقنيات عالية في إدارة الحرب. ويصف أحد كبار القادة الميدانيين في الجيش الجزائري "الأفغان" بأنهم "آلة حربية" بسبب التقنيات العالية التي وظفوها في المواجهة المستمرة مع قوات الأمن ثم ضد المدنيين. ومن بين التقنيات القتالية التي استعملوها نذكر على سبيل المثال استعمال قارورات غاز الإستيلين لصناعة الألغام المضادة للدبابات والعربات الحربية. كذلك إعادة استغلال مظاريف الرصاص المستعملة مرة أخرى وصناعة راميات القذائف وتدعى "الهباب" وهي تصنع في العادة من أذرع الرافعات. كما وظف الكثير من الأفغان تقنيات عالية لصناعة القنابل والعبوات المتفجرة من مواد بسيطة يمكن الحصول عليها بسهولة من السكر أو الأسمدة الزراعية وزيوت السيارات والمسامير وهي التقنيات التي تم التأكيد على كونها أسلوباً غربياً وظّف بنجاح في أفغانستان لضرب القوة العسكرية للاتحاد السوفياتي. بن لادن و الجماعة المسلحة يذكر عمر شيخي الذي يعد آخر من بقي على قيد الحياة من مؤسسي "الجماعة الإسلامية المسلحة" في روايته أن التنظيم الجزائري المسلح كان على صلة وثيقة بزعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن "كانت هناك علاقات مع أسامة بن لادن، الذي يوجد في صفوف تنظيمه العديد من "الأفغان الجزائريين"، واقترح علينا مدّنا بالمساعدات، ولذا طلب مني أمير "الجماعة" جمال زيتوني أن أسافر للقاء بن لادن والتحادث معه في السودان سنة 1994 وقد فعلت، وفضلاً عن المساعدات المالية أرسل لنا بن لادن العديد من رجال تنظيمه للمشاركة في العمل المسلح في الجزائر وبعضهم تعرضوا للقتل والتصفية من قبل جمال زيتوني لاحقا". ويذكر احد الناشطين السابقين في الكتيبة الخضراء التابعة ل"الجماعة الإسلامية المسلحة" قدوري علي أن اسم أسامة بن لادن كان يتردد في الكثير من الأحيان داخل التنظيم المسلح على أساس أنه ممول الجماعة المسلحة وداعمها في الخارج. ويشير هذا العنصر "التائب" الذي تخلى عن العمل المسلح يوم 15 تشرين الثاني 1997 في ولاية عين الدفلى الى ان زعيم تنظيم القاعدة كان يوفر للجماعة الأموال والأسلحة، فضلاً عن معدّات الاتصال. وتشير مصادر أمنية إلى أن الدعم الذي وفّره أسامة بن لادن ل"الجماعة الإسلامية المسلحة" كان متنوعاً وتمثل بالأساس في تمكين عناصر "الأفغان الجزائريين" من الالتحاق بالجزائر مجدداً لدعم الجماعات المسلحة التي كانت تواجه قوات الأمن. كما شملت المساعدة تدريباً عالي المستوى لمن لم يكن له تأهيل عسكري في كل من السودان وأفغانستان. كما وضع أسامة بن لادن، إضافة إلى توفير المال والسلاح والذخيرة، تحت تصرف "الجماعة" عدداً من مكاتبه في كل من السودان واليمن ومناطق أخرى لضمان الاتصال والحصول على الوثائق المزورة وحتى الشبكات التي تتولى نقل عناصر هذه التنظيمات من بلد إلى آخر بشكل مضمون. كما زود الجماعات الجزائرية عبر "الأفغان" الذين كانت تربطه معهم علاقة "ثقة" بعدد من التجهيزات التكنولوجية الحديثة مثل أجهزة الاتصال اللاسلكي المزودة بماسح إلكتروني "سكانر" يحدد نظام الذبذبات المستعمل في المنطقة، ولا تزال هذه الأجهزة تعقد الاتصالات بين مختلف الأجهزة الأمنية. وشمل الدعم أجهزة اتصال هاتفية عبر الأقمار الاصطناعية تمكّن عناصر التنظيمات المسلحة من إقامة اتصالاتهم خارج الشبكة المحلية ومن دون التأثر بالتضاريس الجغرافية الصعبة التي تعرفها المناطق الغابية التي كانوا يختبئون فيها. فضلاً عن عشرات الكتب والمناشير المكتوبة باللغة العربية توضح كيفية صناعة القنابل التقليدية مثل "الجعبور" وكذا تقنيات تحويل بندقية "سيمينوف" من بندقية نصف آلية ذات عشر طلقات إلى بندقية آلية بثلاثين طلقة، إضافة إلى تقنيات تفخيخ السيارات والسدود والجسور وكل المنشآت الحيوية الأخرى التي من شأنها المساس بتنقل قوات "العدو" وتحركاتها. وخلال سنة 1998 ذكرت صحيفة "الباييس" الإسبانية أن مدير الشرطة القضائية الجزائرية محمد صاولي قدم للاجتماع السنوي لمنظمة "أنتربول" الشرطة الدولية وثيقة صادرة عن الشرطة الجزائرية تؤكد أن أسامة بن لادن يموّل "الجماعة الإسلامية المسلحة" التي تقوم بأعمال عنف في الجزائر. وذكرت الوثيقة التي قدمت للمشاركين في اللقاء الذي عقد في جزيرة بالما دي مايوركا الإسبانية أن بن لادن يساعد الشبكات الداعمة ل"الجماعة الإسلامية المسلحة" المتمركزة في الخارج وتهرّب إلى الجزائر "كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والمؤن". وذكرت الوثيقة أن مراكز تجمع "الإرهابيين الإسلاميين" وتدريبهم كانت موجودة في البداية في ألبانيا ثم في إيران سنة 1993 وحالياً في أفغانستان. وأضافت أن ناشطين في "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المحظورة منفيين في الخارج، أقاموا، بمساعدة بن لادن، "شبكات في الخارج مكلفة الدعاية وجمع الأموال وإنشاء بنية لوجيستية لحساب الجماعات المسلحة". * غداً: زيتوني اغتال الأفغان العرب، وبن لادن يسحب الثقة منه. عمليات استهدفت الأوساط الدينية المسيحية - أيار مايو 1994: قتلت مجموعة مسلحة في حي القصبة علي ماريست وإحدى "الأخوات". - تشرين الأول أكتوبر 1994: قتلت امرأتان اسبانيتان في حي باب الوادي. - كانون الأول ديسمبر 1994: قتل أربعة من رجال الدين المسيحيين وهم ثلاثة فرنسيين وبلجيكي في منطقة قريبة من تيزي أوزو. - أيلول سبتمبر 1995: قتلت "اختان" الأولى فرنسية والأخرى من مالطا في حي بلكور الشعبي وسط العاصمة الجزائر. - تشرين الثاني نوفمبر 1995: قتلت "أخت" فرنسية وأصيبت أخرى في حي القبة في العاصمة. - بين آذار مارس وأيار مايو 1996: قتل سبعة من رجال الدين المسيحي الفرنسيين الذين اختطفوا بتاريخ 27 آذار في منطقة تبرحين في ولاية المدية. وتبنت "الجماعة الإسلامية المسلحة" هذه العملية في 26 نيسان ابريل وأوضحت في بيان لاحق صدر في 21 أيار بأنهم ذُبحوا. قبل أن يُعثر على جثثهم بتاريخ 29 أيار. - آب أغسطس 1996: مقتل القس بيار كلافييه أسقف وهران وسائقه في إنفجار قنبلة قرب مكان إقامته في وهران عندما كان عائداً من لقاء عقده وزير الخارجية الفرنسي الذي زار الجزائر. شخصيات إسلامية اغتالتها "الجماعة المسلحة" - تشرين الثاني 1993 اختطاف الشيخ محمد بوسليماني الرجل الثاني في "حركة المجتمع الإسلامي" التي يتزعمها محفوظ نحناح، وعثر على جثته في ولاية البليدة التي اختطف منها بعد 45 يوماً. - حزيران يونيو 1995: لقي أحد مؤسسي "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المحظورة وإمام مصلى ميرا في الدائرة 18 في باريس الشيخ عبدالباقي صحراوي حتفه برصاصة في الرأس أطلقها مجهولون ولم يُقبض عليهم حتى اليوم. - حزيران 1996: إصابة الشيخ أحمد سحنون 89 سنة أحد أبرز المرجعيات الإسلامية في الجزائر برصاصة في الرأس. وتقدر السلطات الرسمية عدد المرجعيات الإسلامية التي اغتيلت من جانب "الجماعة الإسلامية المسلحة" منذ بدء أعمال العنف حتى سنة 1996 بأكثر من 90 عالم دين. قيادات "الجماعة الإسلامية المسلحة" - لعيادة عبدالحق الملقب ب"أبو عدلان" من تشرين الأول 1992 إلى حزيران 1993 - سيد أحمد مراد الملقب ب"جعفر الأفغاني" من حزيران 1993 إلى شباط 1994 - قوسمي الشريف الملقب ب"أبو عبدالله أحمد" من شباط 1994 إلى أيلول 1994 - جمال زيتوني الملقب ب"أبو عبدالرحمان أمين" من تشرين الثاني 1994 إلى تموز 1996 - عنتر الزوابري الملقب ب"أبو طلحة" من تموز 1996 حتى اليوم.