لم تعد بيروت تتسع لحجم الصخب الذي تفترضه ليلة رأس السنة، فدخلت دبي شريكاً مضارباً وربما مكملاً تستقطب اليها ما فاض عن حاجة بيروت وعن سعتها من الساهرين. ولكننا في لبنان كما في دبي على ما يبدو، نشهد كل عام ذروة جديدة في عالم السهر. فالمراقب المحايد وغير الطامح الى أكثر من سهرة عائلية عادية في هذه الليلة، سيواجَه بذلك الدفق الهائل من السهرات المُعلن عنها في وسائل الإعلام وكذلك على اللوحات الإعلانية المنتشرة في انحاء بيروت. غير المحترفين من امثالنا سيعتقدون ان اخطاءَ غريبة تشهدها لوحات الإعلان هذه. في واحدة منها مثلاً يقف راغب علامة بين هيفاء وهبي وشيرين، والجملة التي تذيل الصورة هذه تدعوك لقضاء ليلة رأس السنة مع"الفنانين"الثلاثة. ولكن وبعد امتار قليلة سيطالعك اعلان جداري يدعوك الى قضاء ليلة رأس السنة ايضاً مع هيفاء وملحم زين. الحيرة هنا مسلية، والتفكير في معضلة انتقال هيفا من سهرة الى اخرى ليست مرهقة، ولكن ايضاً وبعد امتار اخرى ستكتشف ان راغب علامة ايضاً سيغادر السهرة التي غادرتها هيفاء الى سهرة اخرى، وربما فعل ملحم زين الأمر نفسه وكذلك شيرين. وقد تؤدي بك تلك الحيرة اللذيذة الى الاجتهاد اكثر مستعيناً بما تبقى في ذاكرتك من دروس الProbability: فماذا لو ان ملحم زين انتقل من حفلته مع هيفاء الى الحفلة التي غادرها راغب لتوه، فيما توجه الأخير مجدداً الى هيفا في حفلتها الثانية التي تركها فيها ملحم زين وحيدة؟ والجواب هو ان الساهرين في كلتا الحفلتين استمعوا الى المغنيين ذاتهما، وهو امر لا يطيقه اللبنانيون! فالانفراد بالسهر أو الاستماع الى نجوم بعينهم هو مادة احاديث العام 2005. وهذا كله قبل ان نقترب من الأحاديث التي تدور في بيروت عن اكلاف السهر في هذه الليلة وأسعار البطاقات. فالأرقام الخيالية ترتفع كل عام. وكل عام ايضاً علينا ان نسأل عن ذلك السر الذي يدفع بالكثيرين وهم ليسوا بالضرورة من الميسورين الى الاقتناع بأن قضاء هذه الليلة يتطلب تضحية بمداخيل شهرية لعائلات بأكملها. في العام الماضي سمعنا ان سهرة احياها راغب علامة وآخرون وصل سعر بطاقات الدخول اليها الى نحو 500 دولار للزوجين. لم يكن هذا منطقياً بالنسبة الينا. هذا العام اختلفت الأرقام، وبما انها وصلت الى مستويات تحتاج الى التفسير، فقد جهد منظمو هذه الحفلات الى اضافة معان جديدة لسهراتهم لتبرير اكلافها. هذا إضافة الى تطلع الراغبين بسهرة"مختلفة"للسفر الى دبي حيث الفنادق هناك more creative او اكثر ابداعاً كما تقول احدى الساهرات. في احد الفنادق المعلقة بين بيروتودبي بلغت قيمة تذكرة السهر للشخص الواحد الف دولار اميركي، ولكن الشابة الساهرة عينها والتي تبلغ هذه القيمة نصف راتبها، قالت ان السهرة تستحق هذه الكلفة. فالفندق يرسل سيارة ليموزين لاصطحابها من المنزل الى مبناه في الساعة الثامنة مساء، حيث تبدأ السهرة في قاعة هادئة مع موسيقى كلاسيكية، وبعض المقبلات. وفي العاشرة ينتقل الساهرون الى طابق آخر حيث ينتظرهم العشاء المؤلف من خمسة اصناف رئيسية، وفي الساعة الثانية عشرة تفتتح السنة الجديدة بما يناسبها من صخب وفنانين معروفين، ويستمر الوضع على هذه الحال حتى الساعة الثانية فجراً حيث ينتقل الساهرون الى قاعة تتيح الالتقاء والانفراد في آن واحد وذلك حتى ساعات الصباح الأولى. ولكن ما اعده الفندق لساهريه لم ينته بعد، اذ تنتظرهم غرف الفندق التي خصصت لأن يقضوا فيها نهارهم والليلة التي تعقبه. وكل هذا بألف دولار للشخص الواحد. اما الأهم من هذا كله فهو ان البطاقات نفدت من الفندق، ومن يرغب بها عليه ان يبحث في السوق السوداء حيث الأسعار اعلى قليلاً.