رغم التركة الثقيلة التي يخلفها العام 2004 من دم ودمار وقتل ورعب وانتكاسات وهزائم واحزان فان هناك بارقة امل تستقبلنا مع بدايات العام الجديد الذي يطل علينا بعد ايام قليلة حاملة الينا تباشير بدايات قد تحول مسار المنطقة نحو الافضل وتمهد لوقف دوامة العنف وشلالات الدم اذا توافرت النيات الطيبة وعمّت القناعات بعدم جدوى التشبث بالاساليب البالية. عام 2005 يقبل علينا وسط اجواء ملبدة بالغيوم واوضاع ملغومة بالغموض وملغومة بصواعق التفجير الجاهزة في معظم ارجاء المنطقة، مما يدفع الناس العقلاء الى رمي المتفائلين بأي تحسن او تحول نحو الافضل، بتهم تبدأ بالجنون وتتواصل مع الجهل بحقيقة ما يجري وخطورة ما يدبّر وما يُحاك وعدم قراءة تاريخ المنطقة وعاداتها وتقلباتها وعدم ادراك حجم المتشعبات والعقد ودور المفاجآت في كتابة التاريخ وتحديد مسار التحولات الدراماتيكية. ولكن في المقابل هناك نوافذ امل مفتوحة تتيح فرصاً يجب عدم التقليل من اهميتها في حال سارت الامور بشكل طبيعي وسليم تشكّل في مجملها عنوان انتخابات مصيرية في مفاصل مهمة حددت مواعيدها من دون تخطيط مسبق وعن غير قصد لتجتمع في عام واحد وفي اوقات متقاربة من النصف الاول منه لتسهم في رسم"خريطة طريق المنطقة"وليس"خريطة الطريق"المزعمة التي وضعت على عجل وخجل لتمهد لايجاد حلول للصراع الفلسطيني الاسرائيلي او بالاحرى لانهاء القضية الفلسطينية لان كل بند فيها يحتاج الى خرائط تفصيلية تشرح آلية التنفيذ وخرائط اخرى لحقول الالغام التي زرعها الاسرائيليون في عهدهم الشاروني الليكودي الظالم والمظلم. فعام 2005 يستحق عن جدارة لقب عام الانتخابات المصيرية في دول عربية رئيسية ومهمة وربما في اسرائيل اذا ازداد تأزم الامور واضطر رئيس الوزراء ارييل شارون للدعوة لانتخابات مبكرة على امل ان يخرج من المأزق الذي زج نفسه فيه في بحثه عن حكومة ائتلافية مع حزب العمل علماً ان انتخابات اخرى مبكرة قد تجري في بريطانيا ليحاول رئيس الوزراء توني بلير اقتناص الفرصة وتكرار تجربة حليفه الرئيس الاميركي جورج بوش بالفوز في مرحلة يغيب فيها المنافس الحقيقي القوي القادر على ازاحته. اما الانتخابات المصيرية التي ينتظر ان يكون لها انعكاسات وآثار مهمة على الصعيد الداخلي والاقليمي فهي: 1- انتخابات العراق المقررة في نهاية كانون الثاني يناير وهي ستحدد مستقبل العراق ومصير وحدته الوطنية والجغرافية سلباً وايجاباً وبالتالي مصير قيام حكومة وطنية شرعية منتخبة قادرة على ممارسة سلطتها وبسط نفوذها على كل ارجاء العراق والعمل على اشاعة اجواء الاستقرار والالتفات للبناء وللملمة الجروح وازالة آثار سنوات الحروب والدمار والعنف والقتل والارهاب والرعب والعذاب والاحصار والاحتلال تمهيداً للمطالبة بسحب القوات الاجنبية وتكريس استقلال العراق وحريته ووحدة اراضيه. ويجب الاعتراف بأن كفّة التشاؤم هي الراجحة لاعتبارات كثيرة منها الطائفي ومنها العرقي ومنها الاقليمي ومنها الدولي اضافة الى خطورة حال التفتيت الواقعي والتحلل الوطني والاخلاقي التي سادت العراق قبل الحرب وبعدها. واذا كانت كفة التفاؤل هي المتوارية او المعلنة بخجل فان السؤال الذي لا بد من طرحه على كل عراقي اولاً: ما هو البديل لهذه الانتخابات، وهي نافذة الامل الوحيدة المتاحة امامك فلماذا لا يعمل الجميع على اعطاء هذه النافذة فرصة للتحقق من جدواها قبل معاداتها ومقاطعتها وعرقلتها والعمل على افشالها... الاكيد ان البديل الوحيد هو المزيد من العنف والارهاب والقتل والدمار والتقسيم الحتمي بعد الحرب الاهلية التي ستأكل كل ما تبقى من اخضر ويابس لو سمح بإشعال فتيلها لا قدّر الله. هناك من يقول ان المقاومة هي البديل ولكن الارهاب شوّه صورة هذه المقاومة بعد عمليات الذبح الوحشية وقتل رجال الجيش والشرطة وتشويه الجثث وخطف الابرياء ودخول العصابات الاجرامية على الخط لتقوم بعمليات نهب وسلب وقطع طرق وطلب فدية وفرض خوات. كما ان تجربة الفلوجة اثبتت ان المقاومة العشوائية والتحالف مع الارهاب قد قوض الهدف السامي وجرا المدينة الباسلة بمواطنيها الابرياء وبنيانها التاريخي الى الدمار والقتل والتشريد. وكادت مدينة النجف الاشرف تدفع ثمناً باهظاً مماثلاً لولا انتصار العقل والحكمة ودرء الاخطار من قبل قيادات ومرجعيات براغماتية لا يجوز التشكيك بإيمانها ووطنيتها. اما السؤال الاخير فيوجه لدول الجوار والدول العربية بشكل عام وللعالم كله عن البديل للانتخابات ورسم المسار الديموقراطي في العراق. والكل يدرك جيداً ان هذا البديل سيكون وبالاً لن تنحصر اخطاره ضمن حدود العراق بل ستمتد وتنتشر وتعمم حالات الارهاب والعنف والفوضى. واذا كان مؤتمر شرم الشيخ قد حقق المرتجى منه في تأمين مظلة شرعية للانتخابات وللحكومة الموقتة فإن الامير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي قد وضع يده على عين الواقع عندما قال ان"من حق العراق علينا جميعاً ان نساعده على تثبيت الامن والاستقرار والسير قدماً بالعملية السياسية بضمان مشاركة كل الفئات في الانتخابات العامة وصولاً الى اقامة حكومة شرعية دائمة ذات تمثيل شعبي واسع ودستور يكرس الوفاق الوطني والمصالحة الشاملة". وبالطبع فإن الكرة قد اصبحت الآن في ملعب الحكومة العراقية، وبالتحديد في الملعب الاميركي للحوار مع مختلف الفئات والاطياف السياسية، لا سيما العرب السنة الذين يشتكون من الإجحاف كي يسمح لهم بالمشاركة في الانتخابات ونيل حقوقهم كاملة غير منقوصة لحساب اي طرف آخر. 2- انتخابات فلسطين لاختيار رئيس يخلف الزعيم الرمز ياسر عرفات ليقود الشعب الفلسطيني في اخطر مرحلة من مراحل تاريخه المليء بالاخطار والاحداث الجسام. فاذا سار كل شيء على ما يرام وتم انتخاب السيد محمود عباس ابو مازن حسب ما هو ظاهر فان القطوع الاول يكون قد تم تجاوزه ويبقى بعد ذلك الكثير من الجهد والعمل والحكمة والعقلانية وتنفيذ التعهدات باجراء انتخابات تشريعية ومحلية داخل حركة"فتح"حتى يكتمل العنقود خلال عام الحسم علماً ان الانتخاب وسيلة وليس غاية واتمامه بطريقة حضارية وشفافية تامة يعطي شهادة اضافية للشعب الفلسطيني تؤكد اهليته للحصول على حقوقه كاملة، وبينها حقه في اقامة دولة مستقلة وحرة واثبات هويته الوطنية. والخطوات الاخرى المطلوبة بعد ذلك تقضي بالتفافه حول رئيسه المنتخب المشهود له بالوطنية والدهاء وبعلاقاته العربية والدولية الواسعة وحول قيادته الوطنية في هذه المرحلة الانتقالية بعد الفراغ الذي احدثته وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وسنوات الحصار والقتل والدمار وتفتيت المناطق الفلسطينية وقضم المزيد من اراضيها وانتهاك المقدسات وتهديد المسجد الاقصى المبارك. الاكيد ان المرحلة المقبلة بعد الانتخابات تتطلّب الكثير من اليقظة والحذر وتعزيز الوحدة الوطنية لتحقيق الغاية المنشودة وقطع الطريق على محاولات اثارة الفتن والايقاع بين المنظمات الفلسطينية وهذا لن يتم الا بالحوار والاتفاق على وحدة القرار وتوحيد البندقية الفلسطينية في هذه المرحلة ولو في هدنة يتم فيها التقاط الانفاس واعادة بناء ما تهدم وترميم المؤسسات وتوحيد قوى الامن وتأمين الاموال اللازمة لتلبية الحاجات الملحة. ولا ينكر احد حق الفلسطينيين في المقاومة والتصدي للاحتلال كما لا يحق لاحد ان يتجاهل حجم اخطار المخطط الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني وارضه ووطنه وهويته الوطنية، لا سيما في العهد الشاروني و"جهنمه"الشيطاني ولكن الحكمة تقتضي ان تعطى القيادة الجديدة فرصة للتحرك واختبار نيات الآخرين ولا سيما الولاياتالمتحدة في عهد رئيسها المجدد له، وفي حال فشل هذه الجهود او ظهور النيات على حقيقتها فعندها يكون لكل حادث حديث. 3- الانتخابات النيابية اللبنانية: ويمكن القول انها الانتخابات الاولى في تاريخ لبنان التي تكتسي بمثل هذه الاهمية عربياً واقليمياً ودولياً مع انها كانت في السابق تجري كل 4 سنوات بشكل طبيعي ومن دون اي ضجة تذكر. وتكمن اهمية هذه الانتخابات في انها ستكون الاولى بعد التمديد للرئيس اميل لحود لثلاث سنوات اخرى وما تبعه من صدور قرار مجلس الامن الدولي الرقم 1559 المعروف بتفاصيله وابعاده واخطاره على لبنان وسورية معاً ودعوته لانسحاب القوات السورية من لبنان وسحب سلاح"حزب الله"والميليشيات اللبنانية والمخيمات الفلسطينية. فعين العالم ستكون بالمرصاد لمراقبة كل شاردة وواردة بدءاً من قانون الانتخاب الجديد الذي يتوقع ان يبصر النور في شباط فبراير على ابعد تقدير لتجري الانتخابات في ايار مايو، ويصدر تقرير الامين العام للامم المتحدة حول التجاوب او عدمه لتنفيذ القرار الدولي وتقويم العملية الانتخابية. وبيد الحكومة اللبنانية ان تخرج لبنان من المأزق الراهن او ادخاله في متاهات قد يكون ثمنها باهظاً حسب ممارساتها واسلوب تعاطيها مع قانون الانتخاب، ثم مع الانتخابات نفسها، فاذا كان شفافاً نزيهاً محايداً فان الضغوط ستتوارى، اما اذا حدثت تجاوزات فان من قام بها يكون قد عرّض لبنان وسورية لمخاطرة غير محسوبة النتائج وفتح الباب امام التدخلات والمحاسبة والمساءلة. هناك سبب آخر لا علاقة له بالقرار 1559 للدعوة الى اجراء الانتخابات في اجواء صحية وسليمة ونزيهة ولا غبار عليها وهو الوضع الاقتصادي والاجتماعي والحياتي الصعب الذي يستدعي الحكمة والتعقل في معالجة ملف الانتخابات وتمرير القطوع بيسر وسلام، فلا المظاهرات تفيد ولا العنتريات تنقذ لبنان ولا الخطب الرنانة تسمن وتغني من جوع. فالانتخابات المقبلة ستشكل امتحاناً عسيراً للبنان، فإما ان يسقط فيه ويسقط معه نظامه الديموقراطي وحريته التي يتغنى بها الجميع، او ان يحصل على خشبة الخلاص لتعود اليه بارقة الامل، ليعود كما كان ويمارس دوره الفاعل على مختلف الاصعدة. 4- الانتخابات البلدية في السعودية: وهذا ايضاً موعد تاريخي ومفصلي للمملكة وشعبها في العام 2005، حيث ستشهد اول انتخابات عامة منذ قيامها على يد المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود في بداية مسيرة عقلانية هادئة نأمل بأن تنجح في المواءمة بين الشورى ووسائل تحقيق المشاركة الشعبية فيها. ويجب ان لا نقلل من اهمية كون هذه الانتخابات بلدية محلية لان مثل هذه العملية في الدول الديموقراطية العريقة تكتسي اهمية كبرى وتعلّق عليها الآمال وتعتبر اكثر تماساً مع الجماهير وقرباً من همومهم ومتطلباتهم وتطلعاتهم من خلال طبيعة عمل المجالس البلدية ودورها ومسؤولياتها علماً ان الموقف الرسمي المتحمس لها لم ينف اعتبارها بداية عملية لمسيرة طويلة تكتمل بانتخابات مجلس الشورى ومشاركة المرأة في مراحل مقبلة. ومن يتابع عن كثب الاوضاع العامة في السعودية يدرك ان هذه الانتخابات المقررة في شباط فبراير المقبل لا علاقة لها بضغوط او تطورات في المنطقة بل جاءت كخطوة اضافية من خطوات مسيرة الاصلاح التي توجت بداياتها عام 1992 عندما اعلن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز عن انظمة مجلس الشورى والمجالس المحلية والنظام الاساسي للدولة. كما شهدت خلال الفترة الماضية انتخابات حرة في مجالس الغرف التجارية والصناعية وهيئة الصحافيين التي جرت انتخاباتها بحرية عام 2004. كل هذه الاحداث المهمة التي يتوقع ان يشهدها العام 2005 وبينها انتخابات اخرى مقررة مثل التجديد للرئيس حسني مبارك في مصر تشرين الاول / اكتوبر تدفعنا للنظر بتفاؤل للغد، على رغم الغيوم والضباب وحالات اليأس والاحباط في العالم العربي ومعه الامل بانبثاق فجر جديد يكرس عملية المشاركة الواسعة في صنع القرار واجتياز هذه المرحلة الدقيقة من حياة الامة بيسر وسلام. اما في العراقوفلسطين فان السباق سيكون محتدماً في العام 2005 بين العنف والديموقراطية والفوضى والنظام والحرب والسلام والامل واليأس. وكل عام وانتم بأمل وأمن وأمان ومشاركة وانتخابات. كاتب وصحافي عربي.