لا أعتقد أننا كنا وقت صراع القوى العظمى نعيش تناقضاً في المفاهيم مثل الآن.. وإذا وجد التناقض فله من بين ثنايا الصراع إن لم يكن ما يبرره فعلى الأقل ما يُختلف عليه.. مثلاً لم تكن أي قوة عظمى لا طهراً ولا سمواً ولكن خوفاً من القوة الأخرى.. وكانت قوة أوروبا أشبه بالقوة الرديفة أو الاحتياط.. القوة العظمى لم تكن تجرؤ على ممارسة الغزو العسكري إلا من خلال ذرائع ملموسة ذات علاقة بالسلام العالمي أو ردع الانتهاك العنصري أو العرقي أو الطائفي لفئة أخرى.. الآن الديمقراطية - التي أفريقيا وأمريكا الجنوبية أحوج ما يكونان إليها - أصبحت مبرراً لإرهاب القوة مع دول الشرق الأوسط.. صحيح أن الديمقراطية مطلب، وصحيح أن نزع أسلحة الدمار الشامل مطلب.. لكن لابد من رؤية واحدة لأوضاع العالم.. في الماضي لم يكن من السهل القول بضرورة نزع سلاح إسرائيل النووي بحجة أنها قاعدة وجود لواشنطن في أهم منطقة جغرافية ضد الاتحاد السوفييتي.. وكان مبرر تدمير المفاعل العراقي الخوف أن يتحول إلى قاعدة لموسكو.. مجرد كلام تهريف في تهريف.. لكن كانت هناك ظروف دولية تسمح باختلاف وجهات النظر.. الأوضاع الآن ترفض ذلك الخلط ولا تقبله.. ما مبرر عدم تدمير سلاح إسرائيل النووي إذا كان يحرم على إيران أن تفعل ذلك.. كيف تفهم أن تعترف الرئاسة الأمريكية بأنه لا وجود لأسلحة دمار شامل في العراق لكن يستمر البقاء في العراق لترسيخ الديمقراطية؟.. الرئيس بوش لا يحكم منفرداً.. ليس هو ملك بتسوانا الأفريقية لكنه بجانبه مجلس شيوخ وكونغرس لولا وجود استراتيجية الغزو للثروات وتلبيسها بحجة نشر الديمقراطية لما صمتا عن قتل الكثير من الأمريكيين في العراق ومع الأرواح مليارات الدولارات.. كيف تفهم أن يطلب من لبنان نزع سلاح حزب الله أو أن يتوقع من حزب الله أن يبادر بتسليم أسلحته للحكومة في الوقت الذي لم يلغَ فيه مبرر وجود حزب الله في الساحة اللبنانية؟.. هو لم يكن حزباً سياسياً ولم يكتسب شعبيته بوجاهة سياسية وإنما بوجاهة وطنية وبشعار مواجهة إسرائيل في الجنوب وتحقيق هزيمتها فعلاً هناك.. إذاً لكي يتم تطبيق القرار 1559 ويتم نزع سلاح حزب الله ومعه مخيمات الفلسطينيين أليس الثمن البديل والمنطقي هو انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية والفلسطينية التي تحتلها؟.. وفيما يخص سوريا لماذا تعاب بتحالفاتها مع حزب الله والمقاومة الفلسطينية وحتى أيضاً إيران؟.. هل فعلت ذلك تهديداً لمصر أو المملكة أو تركيا أم لكي توفر قوى مساندة لها في صراعها مع إسرائيل؟.. ألا تعني إعادة حقوقها إبطال مبرر هذه التحالفات؟.. هذا المطلب إلزامي إذا أرادت أي قوة دولية أن تنزع سلاح طرف معين فيما يحتفظ الطرف الآخر بالسلاح وبما استولى عليه من أرض.. أجزم أن دفع حالات الصدام في المنطقة إلى هذه المستويات من الخطورة هو بفعل حماقات التورط الأمريكي.. الغزو بوجاهات براقة.. دون دراسة أوضاع المنطقة وطبيعة قوى فئاتها ومبررات تلك القوى..