اختار المئات من سكان الفلوجة طوال الاسبوع الماضي الفرار من مدينتهم باحثين عن ملاذ لهم في بغداد للسكن مع بعض عائلاتها او البقاء في منازل غير مأهولة او حتى في مخيمات اقيمت خارج الفلوجة وسط مخاوف من هجوم كاسح مرتقب. ويشكل مسجد فخري شنشل المحطة الاولى في بغداد بالنسبة الى الهاربين من أهالي الفلوجة، حيث يلعب امام المسجد الشيخ عبد الصمد الاعرجي دور حلقة الوصل بينهم وبين البغداديين الميسورين ممن يرغبون في تقديم العون لابناء طائفتهم السنية. ويقول الإمام الذي يعرف باسم ابو خباب:"باتت الفلوجة خالية من الناس ما عدا اخوتنا المجاهدين الذين اتوا الى العراق من سورية وغيرها طالبين الشهادة". ويجمع ابو خباب، الذي حوّل مسجده ملاذاً لكل من يختار الفرار من الفلوجة، التبرعات المالية ومختلف المساعدات من مأكل وملبس وغيرها من المواد التي تقدمها عائلات بغدادية، كما انه لا يكف عن البحث عن مساكن موقتة تأوي الهاربين. ويقول أحد المصلين في المسجد عزيز رحيم ان عائلته تجمعت في الطابق الارضي لمنزل من طابقين كي يفسح المجال لعائلة اخرى من تسعة افراد شغلت الطابق الآخر. ويضيف"انا مستعد لاخلاء المنزل بالكامل في سبيل افساح المجال امام عائلات اخرى نازحة من الفلوجة". من جهته، يقول ابو خباب انه قصد الفلوجة قبل بضعة ايام محاولا اقناع قريب له بمغادرتها لكنه رفض مختاراً البقاء فيها على رغم انها امست شبيهة بمدينة اشباح وسط تشديد الطوق عليها من جانب آلاف الجنود الاميركيين والعراقيين منذ منتصف الشهر الماضي. وتجمع اكثر من ثلاثين شخصاً في منزل من طابقين لم يكن مأهولاً اصلا في حي الجهاد في الجزء الغربي من بغداد، حيث تمكن رؤية الملابس معلقة على شرفة المنزل والواح الكرتون بديلاً من الستائر في بعض الغرف التي فرشت بسجاد بسيط وبطانيات تعلوها بعض الفرش الملقاة على الارض. وتقول أم محمد وهي تخفي وجهها بطرف عباءتها:"بلغ القصف في الفلوجة من القوة درجة لا تحتمل بحيث اصبح البكاء ملازماً لأولادي". ونزحت ام محمد مع والدتها وزوجها وابنيها وعائلة كبيرة قوامها 14 فرداً من الاشقاء ومجموعة من الاطفال، لتقيم في بغداد بدلا من حي النزال القريب من حي الشهداء والمنطقة الصناعية في الفلوجة حيث الطائرات الاميركية تشن هجمات شبه يومية على ما تعتقده مخابئ لشبكة ابي مصعب الزرقاوي. ومن جهته، يقول ابو عيسى 29 عاماً من سكان الفلوجة ان عددا من افراد عائلته الكبيرة 15 شخصاً قد اصيبوا بجروح بالغة في غارة جوية في 21 تشرين الاول اكتوبر الماضي فيما يعتقد بأنه مخبأ اسلحة في حي الشهداء، غرب الفلوجة. ويضيف ابو عيسى، الذي هرب مع زوجته وابنائه السبعة"تمكنا من انتشال بعض الأمتعة من تحت الانقاض وهربنا من المدينة بعد بضعة أيام". ووفقاً لعدد من الهاربين، باتت كل الطرق الرئيسية المؤدية الى الفلوجة مغلقة في وقت تحتشد فيه الدبابات الاميركية حولها. ويقول حاتم خليفة، الذي قصد الفلوجة الاربعاء الماضي، ان المنفذ الوحيد هو طريق ريفي يمر عبر بلدتي خان ضاري وعامرية الفلوجة الى الغرب. وتجمع كل الاطراف على ان اكثر من نصف سكان الفلوجة، البالغ عددهم حوالي 300 ألف نسمة، نزحوا اما الى مخيمات اقيمت في عامرية الفلوجة او اختاروا منتجع الحبانية السياحي شمال غربي المدينة. وفيما يخشى سكان الفلوجة الأسوأ وسط توقعات ان يتكرر ما حدث في نيسان ابريل وخلف مئات القتلى، تعبر الحكومتان الاميركية والعراقية، المتفقتان على اعتبار الفلوجة قاعدة انطلاق للكثير من السيارات المفخخة وعمليات الخطف والاغتيالات في البلاد، عن عزمهما استعادة السيطرة على المدينة قبل حلول الانتخابات العراقية المقررة في كانون الثاني يناير المقبل. لكن الشيخ ابو خباب اعرب عن اعتقاده بأنهم"لن يتمكنوا من تحقيق ذلك لأن المجاهدين يطلبون الشهادة، الأمر الذي يخشاه الاميركيون".