تمكنت القوات العراقية تتقدمها قوات مكافحة الإرهاب الأكثر تدريبا وخبرة من دخول الفلوجة، أمس الاثنين، بعد أسبوع من الاستعدادات لمعركة استعادة المدينة الواقعة على بعد 50 كلم غرب بغداد من أيدي تنظيم داعش. ويشكل الاقتحام بداية مرحلة جديدة لاستعادة المدينة الأولى التي سقطت بأيدي التنظيم في يناير 2014م، وسط مخاوف على مصير آلاف المدنيين الذين حاولوا النزوح إلى غربي الفرات، إلا أن محاولتهم باءت بالفشل، مما اضطرهم للبقاء في منازلهم وتركزوا في الشمال الغربي للمدينة، في وقت حذرت فيه الأممالمتحدة من نزوح أكثر من 50 ألفا من المدنيين بينهم نساء وأطفال يعانون من الإجهاد والجوع والمرض، ومطالبات بتوفير مخارج آمنة لهم، بينما اتهم برلمانيون عراقيون الحكومة العراقية بالتقصير وطالبوا بالحفاظ على أرواح المدنيين، وارتفعت مناشدات لتقديم الدعم العربي والدولي لأهالي الفلوجة التي تشكل معقلا ل «داعش» في العراق، وبرزت مخاوف أيضا من استخدام التنظيم الإرهابي سكان المدينة كدروع بشرية. مسار عملية التحرير ودخلت القوات العراقية والقوات المساندة مدينة الفلوجة من ثلاث نقاط، بإسناد وغطاء جوي من قبل طيران التحالف الدولي والقوة الجوية ومروحيات الجيش. وقال صباح النعمان المتحدث باسم جهاز مكافحة الإرهاب أمس: «لقد بدأنا عملياتنا لدخول الفلوجة في وقت مبكر من هذا الصباح»، وأضاف: «بدأ جهاز مكافحة الإرهاب وشرطة الأنبار والجيش العراقي الدخول إلى الفلوجة من ثلاث نقاط قرابة الساعة الرابعة، هناك مقاومة من داعش». وأعلنت الشرطة الاتحادية عن تحرير منطقة الشيحة وقريتين شمال الصقلاوية. وتشكل مشاركة جهاز مكافحة الإرهاب بداية مرحلة جديدة من حرب الشوارع بالمدينة التي خاضت فيها الولاياتالمتحدة عام 2004م إحدى أشرس معاركها منذ حرب فيتنام. وصرح مصدر عسكري لوكالة «رويترز» للأنباء بأن وحدة عسكرية تحاول التقدم داخل المدينة، كما تسمع أصوات انفجارات وإطلاق نار في حي النعيمية في الجزء الجنوبي من المدينة. وأعلن قائد الشرطة الاتحادية الفريق رائد شاكر جودت عن إجلاء قواته 800 مدني من المناطق المحيطة بالخط السريع شمال الفلوجة، والمحور الثالث عبر جسر السجر شمالها. وأشار إلى أن «داعش يعمل على صد عملية الاقتحام عبر السيارات المفخخة التي تستهدف القوات الأمنية وكذلك الانتحاريون وقذائف الهاون والقناصون والعبوات الناسفة والألغام». يجازفون بحياتهم بالفرار وفي عامرية الفلوجة تمتد ثماني أياد إلى الطبق المعدني، فهو وجبة الأرز الأولى التي تتناولها هذه الأسرة العراقية منذ عامين بعد هربها من سيطرة تنظيم داعش على مدينة الفلوجة في غرب العراق. نصبت الخيمة للتو وعلى الأرض فرش بساط من ورق الفقاعات المستخدم للف، ورغم الحر الشديد إلا ان الابتسامة تعلو وجوه ناصرة نجم وابنتها وأحفادها. وتقول ناصرة المسنة بوجهها الموشوم: «كنا نحلم بمثل هذه اللحظة. لم أعد واثقة أن الأرز لا يزال موجودا لهذا لما رأينا الطبق لم نصدق انفسنا». وكانت ناصرة بلغت المخيم في عامرية الفلوجة قبل 12 ساعة، بعد أن سارت مع عائلتها طوال الليل تقريبا حتى لا يرصدهم حراس التنظيم الإرهابي. ويؤمن المجلس النرويجي للاجئين الذي يدير العديد من المخيمات في عامرية الفلوجة، وفقا لما نقلته وكالة الأنباء الألمانية، المأوى والمساعدات لنحو ثلاثة آلاف شخص هربوا في الأسبوع الماضي. وتكشف شهاداتهم الظروف الصعبة التي يعاني منها نحو 50 ألف شخص لا يزالون عالقين في المدينة شبه المعزولة عن سائر العراق منذ اشهر. في خيمة ناصرة، يختصر ماهر صبيح وهو رجل طويل القامة في متوسط العمر الوضع قائلا: «كان وزني 103 كيلوغرامات أما اليوم فأنا أزن 71 كلغ». ويقول جميع الوافدين مؤخرا من مدنيي الفلوجة: إنهم عانوا من انقطاع الخبز والأرز. وتروي مديحة خضير وهي تجلس في خيمتها الفارغة مع ابنتيها «كانت معاناة، اضطررنا إلى طحن نوى التمر لصنع الطحين». وتابعت مديحة التي كانت تسكن في قرية خاضعة لسيطرة الإرهابيين بالقرب من الفلوجة «طعمه حامض جدا ولا احد يريد أكله». وعندما بدأت تستذكر رحلة الهروب اغرورقت عيناها الغائرتان بالدموع. وقالت مديحة التي غطت رأسها بوشاح احمر: «اوكلنا امرنا الى الله وحملنا متاعنا ومضينا. عندما لمحنا احدى شاحناتهم انحنينا ارضا لكننا نجحنا في النهاية». انقطاع الخبز والأرز تقول رسمية عباس وهي مسنة تلتف بعباءة سوداء بينما تحمل حفيدها البالغ من العمر خمسة أيام بين ذراعيها: ان مقاتلي داعش كانوا يوزعون حصصا قليلة على الأهالي ويحتفظون بالطعام الجيد لأنفسهم. وتضيف: بلغ ثمن كيس من السكر (يحتوي على بضعة كيلوغرامات) 50 الف دينار (40 دولارا) أما الأرز فكانوا يوزعون ربع كيلو أحيانا وهو بالكاد يكفي لإعداد وجبة للاطفال. وتروي: لم يكن لدينا سوى خبز الشعير الأسمر لو رأيتمونه لرفضتم أن تأكلوه. داعش احتفظ بالارز والخبز الجيد. وصلت كل العائلات البالغ عددها 252 اسرة الى مخيم الفلوجة الجديد مع تدشينه السبت الماضي. وفي الخيم المصفوفة بترتيب نام بعض الاطفال في الظل ليستريحوا من عناء الرحلة وللوقاية من قيظ الظهيرة. اما الاطفال الباقون فملأوا قناني بلاستيكية بالماء أو وقفوا في طوابير مع أمهاتهن امام سيارة اسعاف توزع ادوية. وفي مكان قريب، يجتهد عمال لبناء مراحيض لتلبية احتياجات العدد المتزايد لسكان المخيم. وسجل الأحد أول أمس اكبر عدد من النازحين من مدينة الفلوجة، لكن ومع تزايد حدة المعارك واقتحام المدينة صباح أمس الاثنين فإن من المتوقع قدوم اعداد اكبر. وقالت بيكي بكر عبدالله منسقة الاعلام للمجلس النروجي للاجئين: نعد مساعدات اكبر بشكل مسبق لنقدمها الى الاسر التي نأمل أن تتمكن من الفرار. ولفت احمد صبيح إلى أن الوصول إلى المخيم محفوف بالمخاطر. وقال هذا الأب البالغ أربعين عاما والذي وصل الى المخيم عند الرابعة فجرا: لا بد من اختيار طريق سالكة والذين لم يعرفوا طريقهم جيدا تعرضوا للقتل. وختم بالقول: قررت المخاطرة بكل شيء، الحل الوحيد كان إما أن أنقذ أطفالي أو ان أموت معهم. الحشد الشعبي يختطف الرجال والشبان إلى ذلك، قال نازحون من مدينة الفلوجة العراقية: إن ميليشيات الحشد الشعبي تختطف الرجال والشبان من بين النازحين إلى جهات مجهولة. وأكد فارون من المدينة أن الاتهامات لعائلات الفلوجة بدعم داعش عارية عن الصحة. وأبدت العديد من الجهات الدولية قلقها من دخول الميليشيات الطائفية إلى المدينة، واحتمال ارتكاب انتهاكات كتلك التي وقعت العام الماضي في تكريت وديالى. وكان قادة في الحشد الشعبي قد وصفوا الفلوجة بمعقل الإرهاب وتعهدوا بتطهيرها. على صعيد آخر، ضربت سلسلة تفجيرات العاصمة العراقيةبغداد أدت لسقوط العشرات بين قتيل وجريح، وقالت الشرطة ومصادر طبية: إنه في الوقت الذي أطلقت فيه القوات الحكومية حملتها أسفر انفجار سيارة ملغومة ومفجران انتحاريان يقودان سيارة ودراجة نارية عن مقتل أكثر من 20 شخصا وإصابة أكثر من 50 في ثلاثة أحياء ببغداد. وقتلت سيارة ملغومة في حي الشعب 12 شخصا وأصابت أكثر من 20، في حين قتل سبعة في الطارمية وأصيب نحو 20 شخصا في هجوم نفذه انتحاري كان يقود سيارة أمام مبنى حكومي تحرسه الشرطة. وفي مدينة الصدر قتل انتحاري على دراجة نارية شخصين وأصاب سبعة. البيشمركة تستعيد خمس قرى في الخازر على صعيد آخر، أعلنت قوات بيشمركة الزيرفاني الكردية، أمس الاثنين، عن استعادة السيطرة على خمس قرى في منطقة الخازر شمال شرق الموصل، منوهة بأن تلك القرى تعود للمكون الشبكي والكاكائي. وقال المتحدث باسم قوات الزيرفاني دلشاد مولود: إن قوات البيشمركة تمكنت من تحرير خمس قرى من قبضة داعش خلال العملية العسكرية بمساندة طائرات التحالف الدولي في منطقة الخازر شمال شرق الموصل. وأضاف: إن القرى المحررة هي، المفتية وزهرة خاتون الصغيرة وزهرة خاتون الكبيرة وتل أسود وتل بند. وأعلن مجلس أمن إقليم كردستان، أن العملية التي شنتها قوات البيشمركة في منطقة خازر هي استعداد لتحرير مدينة الموصل، مؤكدة أن أكثر من 5 آلاف مقاتل من البيشمركة شاركوا في العملية. مئات الاسر العراقية تنجو بحياتها قبل اقتحام الفلوجة