حدث في شهر رمضان المبارك وفاة أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصِّدِّيق - 1 - وفاة الصديقة توفيت أم المؤمنين الصِّدِّيقة عائشة بنت أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنهما في 17 رمضان سنة 58 ه/ 678م، وجاءت وفاتها بعد حياة حافلة بالعطاء المفيد للإسلام والمسلمين باعتبارها قدوة النساء المسلمات، وقد كانت المرأة الأهم في حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها. ونظراً لمكانة عائشة من أهمية عند المسلمين فقد هاجمها أعداء الإسلام، وشأنهم معها في ذلك كشأنهم مع الصِّدِّيقة مريم العذراء عليها السلام، وقد لاكَتْ ألْسِنَةُ أهلِ الإِفكِ سُمعةَ المرأتين الصِّدِّيقتين، ولكن إِفْكَ الْكَذَبَةِ ذهَب جُفاءً، وَبَرَّأَ اللهُ تعالى المرأتين الصِّدِّيقتين - مريم وعائشة - في الإنجيل والقرآن، وتضمن القرآن سورة مريم، ووردت براءتها وقصتها من الآية 16 وما بعدها ابتداء بقوله تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيّاً وما بعدها حتى الآية 40، وتكررت براءتها في سور أخرى من القرآن الكريم. ونزلت براءة عائشة في سورة النور الرابعة والعشرين من القرآن الكريم التي جاء في الآية 11 منها: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ. وفي السورة تنظيم للعلاقات الاجتماعية الشرعية، وقد تصدى الصِّدِّيقون لأهل الإِفكِ فدَمَغُوا إِفكَهم، وقَيَّض الله مِنَ العُلماء فريقاً يدافع عن الحقِّ في كلِّ زمانٍ ومكان. - 2 - زواج الرسول صلى الله عليه وسلم. اقتصر زواج النبي محمد صلى الله عليه وسلم في البداية على زوجة واحدة هي خديجة رضي الله عنها، ولم يعدد الزوجات طيلة حياتها، وبعدما ماتت خديجة - في مكةالمكرمة قبل الهجرة - تزوج رسول الله محمد بعدها في مكة أم المؤمنين سودة بنت زمعة رضي الله عنها، وعقد نكاح أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ثم تزوجها بعد الهجرة حينما بلغت سنَّ التاسعة، ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعائشة ابنة ثماني عشرة سنة. - 3 - قبر الرسول في بيت عائشة وقد توفي رسول الله في يوم عائشة وفي بيتها، فدفن في بيتها، وهو مكان الروضة النبوية تحت القبة الخضراء في المسجد النبوي في المدينةالمنورة، وهذا شرفٌ لم تنله أي امرأة من نساء النبي محمد صلى الله عليه وسلم. - 4 - خبر زواج النبي بعائشة وسودة قال الإمام أحمد في مسند عائشة أم المؤمنين: حدثنا محمد بن بشر حدثنا بشر حدثنا محمد بن عمرو حدثنا أبو سلمة ويحيى قالا: "لما هلكت خديجة جاءت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون فقالت: يا رسول الله ألا تزوج؟ قال: مَن؟ قالت: إن شئت بكراً وإن شئت ثيّباً. قال: فمن البكر؟ قالت: ابنة أحبّ خلق الله إليك، عائشة ابنة أبي بكر. قال: ومَن الثيّب؟ قالت: سودة بنت زمعة، قد آمنت بك واتبعتك على ما تقول. أي: أسلمت قال: فاذهبي فاذكريهما عليَّ. - 5 - خطوبة عائشة قالت خولة بنت حكيم: فدخلت بيت أبي بكر، فقالت: يا أم رومان، ماذا أدخل الله عليك من الخير والبركة! قالت: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة. قالت: انتظري أبا بكر حتى يأتي، فجاء أبو بكر. فقالت: يا أبا بكر، ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة. قال: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة. قال: وهل تصلح له؟ إنما هي ابنة أخيه. فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له. قال: ارجعي إليه، فقولي له: أنا أخوك، وأنت أخي في الإسلام، وابنتك تصلح لي. فرجعت فذكرت ذلك له. قال: انتظري. وخرج. قالت أم رومان: إن مطعم بن عدي قد كان ذكرها على ابنه، ووالله ما وعد وعداً قطّ فأخلفه لأبي بكر - فدخل أبو بكر على مطعم بن عدي، وعنده امرأته أم الفتى. فقالت: يا ابن أبي قحافة، لعلك مُصب صاحبَنا مُدخله في دِيْنِكَ الذي أنت عليه، إن تزوَّجَ إليك؟ فقال أبو بكر، للمطعم بن عدي: أَقَوْلَ هذه تقول؟ قال: إنها تقول ذلك. فخرج من عنده، وقد أذهب الله ما كان في نفسه من عِدَتِهِ التي وَعَدَهُ، فرجع فقال لخولة: ادعي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعته، فزوَّجها إياه أي: عَقَدَ له عليها عَقْدَ الزواج دون دخول، وعائشة يومئذ بنت ست سنين. - 6 - خطوبة سودة بنت زمعة ثم خرجت خولة بنت حكيم، فدخلت على سودة بنت زمعة، فقالت: ماذا أدخل الله عليك من الخير والبركة؟ قالت: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطبك إليه. قالت: وددّتُ. ادخلي إلى أبي، فاذكري ذلك له. وكان شيخاً كبيراً، قد أدركه السِّنُّ قد تخلف عن الحج، فدخلت عليه، فحيَّتهُ بتحيِّةِ الجاهلية. فقال: من هذه؟ قالت: خولة بنت حكيم. قال فما شأنكِ؟ قالت: أرسلني محمد بن عبد الله أخطب عليه سودة. فقال: كُفؤٌ كريمٌ، ماذا تقول صاحبتك؟ قالت: تحبُّ ذاك. قال: ادعيها لي. فدَعَتها، قال: أي بُنَيَّة إنَّ هذه تزعم أنَّ محمداً بن عبد الله بن عبد المطلب قد أرسل يخطبك، وهو كفؤ كريم، أتحبين أن أزوجك به؟ قالت: نعم. قال: ادعيه لي. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزوجها إياه، فجاء أخوها عبد بن زمعة من الحجِّ، فجعل يحثي في رأسه التراب، فقال بعد أن أسلم: لعمرك إني لَسَفيه يوم أحثي في رأسي التراب، أن تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة. - 7 - زفاف عائشة قالت عائشة: فقدِمْنا المدينة، فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج. قالت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل بيتنا، واجتمع إليه رجال من الأنصار، ونساء فجاءتني أمي، وإني لفي أرجوحة بين عذقين ترجح بي، فأنزلتني من الأرجوحة، ولي جميمة شَعر ففرقتها، ومسحت وجهي بشيء من ماء، ثم أقبلت تقودني، حتى وقفت بي عند الباب، وإني لأنهج حتى سكن من نَفَسِي، ثم دخلتْ بي، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على سرير في بيتنا، وعنده رجال ونساء من الأنصار، فأجلستني في حجرة ثم قالت: هؤلاء أهلُك فبارك الله لكِ فيهم، وبارك لهم فيك. فوثب الرجال والنساء فخرجوا، وبنى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا، ما نُحِرَتْ عليَّ جُزور، ولا ذُبِحَت عليَّ شاة حتى أرسل إلينا سعد بن عبادة بجفنة، كان يرسل بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دار إلى نسائه، وأنا يومئذ ابنة تسع سنين". - 8 - الحياة الزوجية عاشت عائشة رضي الله عنها في بيت النبوة، وتأدّبت بأدب رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، ونبغت في الفقه الإسلامي، وكانت من المجتهدات، وقد استشارها كبار الصحابة، وهذا موثق في كتب الأصول والحديث والآثار، وقد شهد لها بذلك كبار علماء المسلمين، والمؤرخين وكُتّاب السيرة النبوية، والمنصفين من الباحثين. قال الإمام الذهبي: "عائشة أفقه نساء الأمة على الإطلاق، بنت الإمام الصِّديق الأكبر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر عبد الله بن أبي قحافه عثمان بن عامر"، القرشية التميمية المكية أم المؤمنين رضي الله عنها، ولدت على الإسلام، فقالت: "لم أعقل أبوي إلاّ وهما يدينان الدين". وذكر أن مسند عائشة من الأحاديث يبلغ ألفين ومئتين وعشرة أحاديث اتفق البخاري ومسلم منها على مئة وأربعة وسبعين حديثاً، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين، وانفرد مسلم بتسعة وستين حديثاً، ولا يوجد في النساء من هي أكثر رواية لحديث رسول الله من عائشة. ولذلك قال الذهبي: "لا أعلم في أمة محمد صلى الله عليه وسلم بل ولا في النساء مطلقاً إمرأة أعلم منها".