ليست السياسة الأداة الوحيدة لبسط سلطة القوة العظمى على العالم. فهناك ما هو أهم من السياسة في اطار الهيمنة، وهو المنافسة بالدولار الضعيف. فعلى رغم تصريحات الرئيس الأميركي جورج بوش بأنه يؤيد سياسة الدولار القوي، تدلّ مؤشرات السياسة الاقتصادية الاميركية الى أن الدولار سيبقى ضعيفاً، وقد وصل الى مستويات قياسية مقابل اليورو والين. فاليورو الذي كان يعادل الدولار بات بقيمة 1.30 دولار والعجز في الموازنة الأميركية الذي بلغ 413 بليون دولار هذه السنة لا يمكن أن يموّل إلا عبر استقطاب استثمارات وودائع أجنبية الى الولاياتالمتحدة. وأصحاب الثروات باليورو والين سيستفيدون من تحويل استثماراتهم ورؤوس أموالهم الى اميركا. والولاياتالمتحدة التي تتخوف من المنافسة الصناعية الأوروبية واليابانية والآسيوية، ستعزز صادراتها بفضل الدولار الضعيف. شركة"بوينغ"الاميركية لصناعة الطيران، تتخوف من منافسة مجموعة"ايرباص"الأوروبية لها كونها تمكنت رغم اليورو القوي من مزاحمتها في سوق الطيران نظراً الى قدرة التقنيات الأوروبية على منافسة نظيراتها الأميركية. والدولار الضعيف تحول الى نوع من عملية"لوي ذراع"ليس فقط مع العملاق الآسيوي، أي الصين، التي ترفض تحريك عملتها المجمدة إزاء الدولار، وانما مع العالم بأسره. وعد بوش بأنه سيعمل على خفض العجز في الموازنة خلال السنوات الخمس المقبلة. وسيبقى الدولار في مستويات ضعيفة ليتمكن من تمويل هذا العجز. والدول النفطية الأعضاء في منظمة"اوبك"هي الآن في وضع مريح بالنسبة الى قضية انخفاض القوة الشرائية للدولار لأن سعر برميل النفط يفوق 40 دولاراً للبرميل. لكن إذا انخفض هذا السعر وعاد الى ما تقول"أوبك"انه السعر الهدف وهو 30 دولاراً للبرميل، فعندها ستواجه الدول الأعضاء في المنظمة مشكلة فعلية. وسعر برميل النفط الذي يبلغ اليوم 48 دولاراً في الأسواق الأميركية يمثل قيمة شرائية مقدارها 37 دولاراً اذا قيس ذلك على سعر صرف يجعل الدولار معادلاً لليورو. وإذا انخفض سعر النفط الى 30 دولاراً فإن الدول النفطية ستكون مجبرة على أن تأخذ في الاعتبار قيمة الدولار الضعيف لأن القوة الشرائية الحالية ل30 دولاراً ستعادل 20 دولاراً. ولذا فإن السعر الهدف ل"أوبك"ينبغي ان يكون فعلياً بمستوى 40 دولاراً للبرميل ليمثل قوة شرائية بقيمة 30 دولاراً. ومن المؤكد انه في حال انخفاض أسعار النفط الى 30 دولاراً، سترتفع أصوات لتطالب بتغيير السعر الهدف للمنظمة ورفعه من 30 الى 40 دولاراً للبرميل في حال استمرار الانخفاض في قيمة الدولار. الدولار الضعيف مشكلة للعالم كله باستثناء الولاياتالمتحدة، لذلك بدأت الأصوات ترتفع في أوروبا واليابان. فالمفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية عبر عن قلقه وقال:"إذا استمر الدولار بمستواه الحالي ستكون هناك مشكلة بالنسبة الى التجارة الخارجية خارج منطقة اليورو". وحاكم البنك المركزي الياباني قال ان انخفاض الدولار مقلق جداً للاقتصاد الياباني، خصوصاً ان بلاده كانت خصصت السنة الماضية حوالي 152 بليون يورو للتدخل ومنع ارتفاع قيمة الين حرصاً على مستوى صادراتها. واليابان اليوم، وحدها اليوم في مواجهة الولاياتالمتحدة التي لا تريد التدخل لمنع انخفاض الدولار فيما الصين مصرّة على تجميد قيمة عملتها مقابل الدولار عند نفس المستوى منذ سنة 1994. ويمثل الدولار 8.3 يوان، وتعتبر الولاياتالمتحدة ان العملة الصينية مقدرة أقل من قيمتها الفعلية وتأخذ على الصين الفائض التجاري لصالحها في تجارتها مع الولاياتالمتحدة الذي يمثل 120 بليون دولار. وهناك عملية"لوي ذراع"بين واشنطن وبكين التي ترفض الرضوخ والليونة في سياستها المالية باسم"الاستقرار الاقتصادي في البلد"حسب حاكم البنك المركزي الصيني.