هل تكون سنة 2004، سنة انهيار الدولار الى مستويات خطيرة؟ وكيف تتعامل دول العالم مع هذه الظاهرة الخطيرة التي بدأت تبرز منذ مطلع السنة وتفاقمت في الاسبوع الأخير منها؟ العملة الأوروبية سجلت مستوى قياسياً تجاه العملة الاميركية، اذ بلغ سعر صرف اليورو 25.1 دولار، مما جعل مسؤولاً اقتصادياً رفيع المستوى في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية جان فيليب كوتيس يصرح الى احدى الصحف الاقتصادية الألمانية بأن اليورو قد يبلغ "منطقة خطرة" اذا استمر سعر صرفه بالصعود إزاء الدولار. ورأى كوتيس انه في حال هبطت الصادرات الأوروبية نتيجة ارتفاع قيمة اليورو فإن "المشكل سيكون على الأبواب". أصبح هبوط الدولار شبه يومي، أحياناً في نيويورك، وأحياناً أخرى في طوكيو وفي أوروبا، فيما شهدت سنة 2003 تعزيز قيمة العملة الأوروبية بنحو 20 في المئة إزاء الدولار. ويقول مسؤول نفطي من دولة عربية، تجارتها الأساسية مع أوروبا وآسيا، ان القوة الشرائية لبرميل النفط المصدر انخفضت بنسبة 30 في المئة منذ نحو سنتين. وتعتبر منظمة "أوبك" ان الارتفاع الحالي في مستوى سعر النفط، الذي وصل الى 29 أو 30 دولاراً للبرميل، يمثل عملياً من حيث قيمته الشرائية ما يعادل 24 أو 25 دولاراً للبرميل. من الصعب تعميم تأثير انخفاض سعر الدولار بدقة في كل دول العالم، لأن بعض الدول في العالم الثالث الذي يستورد النفط يستفيد من انخفاض الدولار، في حين ان الدول النامية المصدرة للنفط مثل الجزائر وايران ودول مثل ليبيا، تخسر الكثير من هبوط قيمة الدولار، لأن معظم تجارتها مع أوروبا. والواقع ان هبوط الدولار مرده الى هشاشة تمويل الاقتصاد الأميركي. فالعجز التجاري بلغ 500 بليون دولار في السنة الجارية، وعجز الموازنة الفيديرالية يمثل أكثر من 5 في المئة من الناتج الداخلي الخام، في حين أن هذه الموازنة كانت فائضة في سنة 2000 قبل وصول الرئيس جورج بوش الى الحكم. وقد لاحظ أحد الاقتصاديين في مصرف "ماتكسيس" ان النتيجة الأساسية لهشاشة الدولار هي ارتفاع سعر اليورو، التي كلفت منطقة اليورو انخفاضاً في النمو بمعدل نقطة سنة 2003. ولدى عدد من الاقتصاديين الأوروبيين اقتناع بأن إدارة بوش تدعم ضمنياً ارتفاع اليورو، لأن الاقتصاد الأميركي يستفيد من انخفاض سعر الدولار، وهو ما تشير اليه معدلات النمو في الولاياتالمتحدة التي بلغت نسبة 2.8 في المئة في الربع الثالث من السنة. ويتوقع بعض خبراء الاقتصاد في أوروبا وصول قيمة الدولار الى 50.1 مقابل اليورو، وان استمراره في الصعود سيؤثر سلباً في منطقة اليورو، لكنه ينعش نشاط الشركات الأميركية والمنتجات الأميركية. فالهدف من توحيد العملة الأوروبية كان تعزيز وحدة واستقلالية أوروبا، لكن ما يظهر الآن هو تعذّر فك ارتباط الاقتصاد الأوروبي بالاقتصاد الأميركي. انتعاش الاقتصاد الأميركي له تأثير حتمي في انتعاش الاقتصاد الأوروبي، لكن سياسة خفض الدولار لتحقيق مثل هذا الانتعاش يؤدي الى مخاوف كبيرة في الأوساط الاقتصادية التي تتعامل باليورو. واتجاه الدولار نحو المزيد من الانخفاض في سنة 2004 قد يثير المزيد من الصعوبات الاقتصادية في دول أوروبية كبرى مثل المانيا وفرنسا التي قد تكون ضحية تصديها للدولة العظمى في حربها على العراق، من ضمن تصديها عموماً لسياسات الهيمنة الأميركية.