على رغم عشرات المقالات التي نشرتها الصحف العربية طوال الشهر الماضي مؤكدة فشل المشاركة العربية في الدورة الاخيرة لمعرض فرانكفورت للكتاب، الا ان ابراهيم المعلم رئيس اتحادي الناشرين العرب والمصريين يؤكد عكس ذلك تماماً. فهو لا يزال محتفظاً بتفاؤله الذي باشر به حملات الترويج للمشاركة العربية في المعرض الذي يعتبره "التجسيد الحقيقي لمفهوم عولمة المنتج الثقافي". وينظر الى المشاركة التي رعتها الجامعة العربية بالاشتراك مع الاتحاد على أنها "حدث استثنائي في كل المقاييس حقق مجمل اهدافه السياسية والمهنية أيضاً". ويقول المعلم في لقاء اجرته معه "الحياة" ان وسائل الاعلام العربية لم تكن في مستوى الحدث ربما بسبب ضعف اداء اللجنة الاعلامية التي شكلت منذ البداية. وأضاف: "لا بد من النظر الى ما حصل في فرانكفورت كنقطة بداية في مسيرة طويلة وليس محطة وصول". وأشار الى أن معظم الاعلاميين العرب الذين رافقوا الوفود تابعوا المعرض في المقاهي ومن ثم ركزوا على السلبيات وأهملوا نجاحات اساسية ومنها الندوات التي دشنت خطوات البدء بما يلزم لتحسين صورة العرب في الغرب. وضرب المعلم مثلاً في الندوة التي شارك فيها عالم الإلهيات السويسري هانز كينج والأمسيات الشعرية التي شارك فيها ادونيس ومحمود درويش. وانتقد المعلم تجاهل الصحافة العربية اجتماعات الاتحاد الدولي للناشرين والتي شهدت موائد مستديرة حول قضايا إشكالية منها الترجمة من العربية واليها وتنمية عادات القراءة لدى الاطفال. وأوضح ان الانزعاج الذي ابدته منظمات صهيونية من المشاركة العربية والتظاهرات التي قاموا بها للتنديد بالثقافة العربية هو دليل اضافي على الاثر الايجابي الذي تخشاه الدوائر الصهيونية من هذه الخطوة العربية المهمة، على حد قوله. ونفى المعلم ما ذكرته بعض الصحف عن حرص الناشرين العرب على عدم عرض الكتب التي تتناول الصراع العربي - الاسرائيلي، وقال: "انا شخصياً عرضت في جناح دار الشروق مؤلفات محمد حسنين هيكل وعبدالوهاب المسيري المكرسة في معظمها لتناول هذا الموضوع، ولم يكن غياب هذا الموضوع من بين المعايير التي وضعها اتحاد الناشرين العرب لاختيار الكتب التي عرضت في الجناح العربي. فقد حرصنا على اظهار تنوع موضوعات النشر واتجاهاته عربياً من دون اهمال المعايير الجمالية المرتبطة بصناعة الكتاب العربي واخراجه الفني، ولم تستبعد الا الكتب التي ترجمت من دون الحصول على حقوق وكتب الدعاية السياسية والكتب المدرسية". واعتبر إبراهيم المعلم مشاركة المستشار الالماني غيرهارد شرودر بكلمة مهمة في حفل الافتتاح للمرة الاولى دليلاً على نجاح الهدف السياسي من المعرض، فضلاً عن الاهتمام الكبير الذي ابدته وسائل الاعلام العالمية والالمانية بالحدث. وقال ان تقديرات الصحافة العالمية للمشاركة العربية في المعرض اكثر إنصافاً من تقديرات الصحافة العربية التي تصرف كتابها بمنطق "عواجيز الفرح" متجاهلين مجموعة من الحقائق منها زيادة المساحة المخصصة للناشرين العرب في المعرض من 175 متراً الى 1200 متر، الى جانب الجهد المبذول في تصنيف الكتب العربية المشاركة في المعرض وطبع هذا التصنيف على اسطوانة مدمجة، وذلك للمرة الاولى في صورة دليل تم توزيعه على المشاركين في المعرض. وتجاهلت الصحافة العربية أيضاً الاحصاءات التي تشير الى زيادة ملحوظة في معدلات ترجمة الأدب العربي الى الألمانية بسبب المشاركة في المعرض. فعلى سبيل المثل شهدت الخمسة عشر عاماً الاخيرة ترجمة 65 عملاً أدبياً مصرياً مترجماً في 103 طبعات، منها 13 عملاً في العام 2004 وحده، أي نحو 20 في المئة من العدد الإجمالي. وهذا دليل نجاح الى جانب ادلة اخرى منها نجاح الليالي الفنية التي قدمتها دار الاوبر المصرية وفرقة "كركلا" اللبنانية ونصير شمة الى جانب معرض الخط العربي وكتب الاطفال. وفي حواره مع "الحياة" اكد المعلم ان المعرض اظهر إدراك الناشرين العرب لمسؤولياتهم القومية والوطنية إذ تحملوا ما يقرب من مليون يورو لتغطية كلفة المشاركة في المعرض من دون دعم أي جهة رسمية. واستغرب الآراء التي أطلقها مسؤول ثقافي يحتل منصباً رسمياً في مصر وانتقد فيها تقاعس الاتحاد عن إعداد ونشر قوائم بيبليوغرافية عن الترجمات العربية الى الألمانية، وقال المعلم "إن هذا المسؤول يتجاهل حقيقة مهمة وهي ان الاتحاد ليس جهة نشر وانما هو تجمع للناشرين ومؤسسة معنية بقضايا المهنة". اتهام شخصي ويقول المعلم: "المسؤول المصري نفسه اتهمني شخصياً بعدم الحماسة للدعوة التي اطلقت لتأسيس صندوق لدعم ترجمة الادب العربي الى اللغات العالمية. وهذا الاتهام غير صحيح لأن الدعوة الى تأسيس هذا الصندوق مصدرها الناشرون الذين اعلنوا عن ذلك في كل الاجتماعات التمهيدية التي رعتها الجامعة العربية للإعداد لمعرض فرانكفورت، بل حصلنا على وعد بدراسة الاقتراح وتمويله من دون ان نجد دعماً حقيقياً من الهيئات الرسمية التي يسعى قادتها الآن الى تبني الاقتراح لتضمن سلطات جديدة تضاف الى السلطات التي يتمتع بها هذا المسؤول وهو يتحمل مسؤولية الكثير من السلبيات التي شهدتها الندوات العربية في المعرض". وأشار المعلم الى ان الكتاب العرب الذين تابعوا التظاهرة لم يدركوا تماماً طبيعة معرض فرانكفورت وتقاليده التي تختلف عن معارض الكتاب التي تقام في العواصم العربية وبالتحديد "معرض القاهرة"، ويحلو للمسؤولين عنه مقارنته بمعرض فرانكفورت. وربما بسبب هذه المقارنة ذهب المثقفون العرب الى هناك بحثاً عن جمهور شبيه بهذا الجمهور الذي يقصد معرض الكتاب لرؤية ممثل او الاستمتاع بفنون السيرك وفرق الفنون الشعبية، وعندما لم يجدوا هذا الجمهور تفرغوا للهجوم على الاشخاص الذين تولوا مسؤولية الإعداد والتنظيم للمشاركة العربية في المعرض. ويعرف المعنيون بقضايا النشر وهمومه انه معرض يجمع الناشرين المحترفين ولا يتوجه الى الجمهور العادي بهدف عرض مشاريع النشر الجديدة والاتفاق على بيع حقوق الترجمة والملكية الفكرية وتقاسم تكلفة الابداع والمعرفة العالمية كما يجسدها الكتاب. ويعقد داخل المعرض اجتماع الاتحاد الدولي للناشرين، وفي بعض الاحيان يستغل المعرض للترويج لأعمال بعض المؤلفين العالميين والتعريف بأعمالهم عبر موائد مستديرة، ولا وجود اطلاقاً للندوات في شكلها المعروف في المعارض العربية. ويعترف رئيس اتحاد الناشرين العرب بوجود عدد من السلبيات التنظيمية التي استند اليها مجمل المقالات الصحافية التي انتقدت المشاركة العربية في المعرض، لكنه اكد انها كانت سلبيات "بينية" عربية سببها تردي الأداء التنظيمي داخل الأجنحة العربية. وهذا التردي جاء بسبب عدم فهم طبيعة المعرض وانعدام الخبرة بأساليب تنظيم المشاركات الدولية، اضافة الى سفر عدد كبير من الكتاب العرب الذين وصل عددهم الى ما يقارب 220 كاتباً كان من المستحيل ادارج اسمائهم جميعاً في برنامج تم اعداده وفق التوازنات، وبالتالي لم يعبر بدقة عن الساحة الثقافية العربية وتياراتها المختلفة. ولذلك كان من الطبيعي ان يكون هذا البرنامج هدفاً للحملات الصحافية التي هاجمت المشاركة العربية. وقال المعلم إن هناك مشكلات اخرى سببها تأخر تلقي التمويل، بعد ان تراجعت دول عربية عدّة عن تسديد حصتها، فضلاً عن الحساسيات المعروفة سواء بين المبدعين العرب نفسهم او بين الدول العربية ذاتها. وانتهى المعلم في هذه النقطة الى القول إن عدداً كبيراً من الذين تولوا الامور التنظيمية لم يكونوا على المستوى المطلوب بل كانوا اسرى خبراتهم في العمل في معرض القاهرة وبحسن نية حاولوا نقل امراضه ذاتها الى فرانكفورت. وسخر المعلم مما سماه "شهوة السفر" التي اشتعلت داخل بعض المبدعين العرب لتمثيل الثقافة العربية في فرانكفورت والتي خلقت بدورها آثاراً سلبية، إذ رأى البعض في الهجوم المبكر على المنظمين وسائل ناجعة للضغط والابتزاز وللنفاق ايضاً، داخل ساحة مثالية للسجال انعكست عليها كل معارك الثقافة العربية في السنوات الاخيرة، خصوصاً ما يرتبط منها بعلاقة الانظمة العربية بمثقفيها الذين تبنوا في معظمهم موقفاً سلبياً مبكراً من الفكرة، بعد ان تركت مهمة ادارتها لمسؤولين بيروقراطيين لهم سجل حافل بالازمات. وللأسف حاول هؤلاء المسؤولون حصار مساهمة المؤسسات الاهلية وبخاصة اتحاد الناشرين العرب في التنظيم حماية لمصالحهم لأنهم لم يجربوا مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في أمور يعتبرونها "مناطق محرمة".