أصحاب التوقعات ممن يظهرون على الشاشات في نهاية كل عام ميلادي يقولون بحدوث أشياء احتمالية حدوثها واردة، ولكنها محدودة ونادرة، كسقوط الطائرات وحوادث القطارات والمجازر المروعة ووقوع الزلازل والفيضانات، ولا أستبعد توظيفهم لتحليلات سياسية واقتصادية واجتماعية ومناخية في أعمالهم، وهذا الدجل لن يستمر، وستخرج تقنية ذكاء اصطناعي علمية ومنطقية في توقعاتها تتفوق عليه في المستقبل القريب.. الناس في المملكة وفي غيرها يقرؤون الأبراج أو الطالع، ويبررون هذه التصرفات بأنها تأتي بدافع التسلية وتمضية الوقت، ولكنهم في الواقع قد يصدقونها ويعتمدون عليها نسبياً، ويوجد أشخاص يربطون قراراتهم الحياتية بها، وبالأخص في الزواج والتجارة والعلاقات الاجتماعية، والبابليون هم سادة الأبراج والتنجيم، وقد بدؤوه قبل أكثر من خمسة آلاف عام، وتسميتها وتقسيمها ل12 برجا مأخوذة عنهم، وكانوا يستخدمونها لمعرفة مواعيد حدوث الأعاصير ونزول الأمطار، ودورة الحظ السيئ والجيد، والأبراج عبارة عن مجموعات نجمية موجودة في السماء، تقضي فيها الشمس قرابة الشهر، وموقع الأخيرة في يوم ولادة الشخص يحدد برجه، ولعل ما يؤكد أنها بلا قيمة تغير مواعيدها، بفعل وجود حركة ثالثة للأرض، تضاف لدورانها حول نفسها والشمس، ونتيجة لما سبق، ثبت بالدليل العلمي، أن 87 % من الأشخاص برجهم الفعلي يأتي قبل برجهم الذي ولدوا فيه، لأن تاريخه وضع منذ ألفي عام، و5 % تراجعوا لبرجين، و8 % لم تتغير أبراجهم. المساحة الخاصة بالأبراج لم تظهر في الصحافة المقروءة إلا عام 1930، وتعتبر صحيفة الصاندي إكسبريس البريطانية، صاحبة الريادة في هذا المجال، وحضورها كان بعد انهيار البورصة في 1929، وبداية ما عرف بالكساد الكبير، لمساعدة الناس على الإحساس بأن المستقبل سيكون أفضل، وأستاذة علم النفس الفنلندية ماريانا ليندمان، لديها تفسير معقول، وترى أن التنجيم والأبراج يؤديان وظيفتين في حياة الأشخاص، الأولى وظيفة التحقق الذاتي، بمعنى أنها تمكنهم من بناء فكرة متماسكة عن أنفسهم، ورسم هوياتهم الشخصية واختلافاتهم عن الآخرين، وبما يفيد في تنظيم الفوضى المحيطة بهم، ووضعها في أنماط وقوالب تمكنهم من التعرف عليها.. والثانية وظيفة التعامل مع حالات الضغط النفسي والتوتر، وكلاهما يسهم في إعطاء الإنسان قدرة أكبر على السيطرة، وتحديداً فيما يتعلق بإدارة أموره الحياتية، ومن ثم تحسينها في مرحلة لاحقة. بعض التوقعات تبدو منطقية وطبيعية، ومن الأمثلة، رواية (لوكينغ باكورد) الصادرة في أواخر القرن التاسع عشر، للكاتب والروائي إدوارد بيلامي، وكلامها عن بطاقات السحب الآلي الحديثة، التي أصبحت حقيقة في أواخر القرن العشرين، وتنبأ جون واتكينز جونيور في 1900، بزمن مستقبلي يكون التقاط الصور فيه ونشرها حول العالم بصورة فورية، وما قاله موجود في تقنيات التصوير الرقمي الحالية، وفي الجوالات الذكية والإنترنت، وفي ستينات القرن السادس عشر، تنبأ الكيميائي روبرت بويل أن الأمراض سيتم علاجها بزراعة الأعضاء، وذلك قبل ثلاث مئة عام من نجاح أولى عملياتها في 1954. الديانة الطاوية في الصين، قديمة في تاريخها، وتقدم نموذجاً للتنبؤات المستمدة من الخيالات، لأنها تعتقد بوجود جنود في السماء سينتصرون لاتباعها، وسيصبح كل أهل الأرض على دينها، أو يموتون بأمراض خطيرة، وما سبق حدث عكسه تماما، فقد تعرضت هذه الديانة لهزائم مدوية، وتمت محاصرتها وتقييد اعتقادها من قبل أنصار الشيوعية، ولم ينتصر لها أحد، والأعجب في هذه الأيام أن بعض أصحاب الديانات الإبراهيمية وغيرهم، يذهبون إلى العرافين الهندوس لمعرفة مستقبلهم، وسياحة التنجيم مزدهرة في شبه القارة الهندية، حتى أن حكومة الهند تعطي المنح الجامعية للباحثين فيه، وفي بريطانيا 70 % من طلبة الجامعات يقرؤون استطلاعات أبراجهم بانتظام، والقيمة السوقية لصناعة التنجيم العالمية تجاوزت الملياري دولار في 2020، مع أنها كلام بلا أساس، والدليل ما ذكره لاعب الخفة الأميركي جيمس راندي في كتابه: فليم فلام، الصادر عام 1982، من أنه كلف في شبابه بكتابة عامود الأبراج في صحيفة مونتريال، وكان يقوم بقص توقعات مجلات التنجيم القديمة، ويخلطها داخل قبعته، وبعد ذلك يوزعها بعشوائية على الأبراج، والأصعب أن الناس صدقوها وتماهوا معها. الطبيب النفسي الإنجليزي حون باركر، أقام في 1967 مشروع مكتب الهواجس البريطاني، وهو لم يعمر طويلاً، وقد كان يركز على استقبال التنبؤات والأحلام، وبما يفيد في توقع الحوادث المستقبلية قبل وقوعها، وخلال الفترة ما بين يناير وأبريل 1968، صدقت معه 18 تنبؤاً من أصل 723، وبمعدل لم يتجاوز 3 %، وكلها تنظر إلى الشكل العام للحدث لا التفاصيل، ولعل فكرة التنجيم وقراءة المستقبل بأكملها لا تبتعد كثيرا عن ذلك. أصحاب التوقعات ممن يظهرون على الشاشات في نهاية كل عام ميلادي، يقولون بحدوث أشياء احتمالية حدوثها واردة، ولكنها محدودة ونادرة، كسقوط الطائرات وحوادث القطارات، وانفجارات الأماكن العامة، والتظاهرات في الدول المتأزمة، والمجازر المروعة في دول بينها حروب أو نزاعات وتوترات، أو وقوع الزلازل المدمرة والفيضانات والسيول الكبيرة في أماكنها المعتادة، ولا أستبعد توظيفهم لتحليلات سياسية واقتصادية واجتماعية ومناخية في أعمالهم، والدجل السابق لن يستمر، وستخرج تقنية ذكاء اصطناعي علمية ومنطقية في توقعاتها، تتفوق عليه في المستقبل القريب، ومن الشواهد عليها وجود تطبيق رقمي يقرأ طالع الأشخاص اسمه سانكشواري.