تركت أجواء الحزن والقلق على رحيل الرئيس ياسر عرفات أبو عمار أمس ملامح واضحة في الأردن الذي يتحدر أكثر من نصف سكانه من أصول فلسطينية، وعمّت مخيمات اللاجئين حالة من الوجوم الشديد على غياب الرئيس الذي ظل يعتبر حق العودة"مقدساً وغير قابل للتسويات السياسية"، فيما نعت عمان"الفقيد"الكبير، وعبّر الملك عبدالله الثاني عن"حزن الأسرة الأردنية الواحدة بهذا المصاب الجسيم". ونعى القصر الملكي"ببالغ الحزن وعميق الأسى المغفور له بإذن الله الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الذي وافاه الأجل المحتوم بعد أن كرّس حياته ونذر نفسه في الدفاع الثابت عن القضية الفلسطينية العادلة وحقوق الشعب الفلسطيني لتحقيق تطلعاته في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني". وأعلن القصر الملكي الحداد لمدة 40 يوماً، وأعرب عن"تأثر وحزن الملك عبدالله لهذا المصاب الجلل"، كما أكد"وقوفه إلى جانب السلطة الفلسطينية في محنتها لتجاوز الظروف الصعبة والأليمة". كما نعت الحكومة الأردنيةعرفات، وذكرت في بيان ان"الأردن الذي كان على مرّ السنين السند والداعم للأشقاء الفلسطينيين للوصول إلى إقامة دولتهم المستقلة، على ثقة كبيرة من أن الشعب الفلسطيني وعلى رغم آلامه وأحزانه قادر على تجاوز محنته والسير بثبات نحو تحقيق آماله وتطلعاته لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي". ودعت السلطة الفلسطينية إلى"التعاضد والاتحاد والقدرة على تذليل الصعاب لما فيه عزة فلسطين ونصرتها وتحقيق التطلعات الوطنية". وقرر مجلس الوزراء إعلان الحداد العام في المملكة لمدة ثلاثة أيام تُنكّس خلالها الأعلام، وأوعز إلى الوزارات والمؤسسات الرسمية والعامة بتعطيل الدوام أمس. وفي مخيمات اللاجئين، رفع السكان الرايات السود، وارتفعت تلاوة من القرآن الكريم، وأغلقت المحلات التجارية جزئيا، وخرجت مسيرات حزينة، عبّر المشاركون فيها عن فجيعتهم على رحيل عرفات"بعيداً عن وطنه". وقال لاجئون ل"الحياة"إن"الختيار لم يكن رئيسا لهم بل زعيماً سياسياً وروحياً"وامتدحوا"إصراره وصموده الكبيرين في الدفاع عن حقهم في العودة الذي كان يعتبره حقاً مقدساً غير قابل للتفريط أو التسويات السياسية". وتوقع محمد الشريقي احد الناشطين السياسيين في مخيم البقعة القريب من عمان ان"يترك رحيل عرفات نتائج سلبية على مصير اللاجئين الفلسطينيين"، موضحاً انه"رفض في السنوات الخمس الماضية عقد صفقات مع الولاياتالمتحدة وإسرائيل لحلّ قضية اللاجئين على حساب الثوابت الدولية والوطنية، لكن تمسكه الشديد بحق العودة أحبط مشاريع كثيرة لتجاهل"هذا الحق. وحمّل كثير من اللاجئين الفلسطينيين إسرائيل مسؤولية"قتل عرفات، سواء ثبتت فرضية دس السم له أم لا"، وقال لاجئون في مخيم الوحدات شرق عمان ان"إسرائيل كانت السبب المباشر في وفاة عرفات من خلال حصاره ومحاولة إيذائه والنيل منه كرمز للشعب الفلسطيني". وحرص كثير من الفلسطينيين في الأردن على وصف عرفات بأنه"شهيد قضى دفاعا عن الأرض والمقدسات". وأكد مسؤولون في الفصائل الفلسطينية التابعة لعرفات في المخيمات الأردنية أنهم"اصدروا تعليمات إلى كوادرهم بالهدوء والتماسك وضرورة ألا ينعكس حزنهم في احتجاجات عنيفة". وعلى رغم أن أحزاب المعارضة الرئيسية في الأردن، خصوصا الإسلامية، على خلاف حاد مع الزعيم الراحل، إلا أنها نوهت"بقيادته التاريخية"، ونعى الأمين العام لحزب"جبهة العمل الإسلامي"، المظلة السياسية لجماعة"الإخوان المسلمين"الأردنية، الرئيس الراحل ودعا"الشعب الفلسطيني إلى تجاوز حزنه، وألا يتوقف طويلا عند المأساة، من أجل تفويت الفرصة على العدو الصهيوني".