يمكن ذكر أربعة أسباب رئيسية تساعد على اقبال الجمهور الغربي على الديانات الشرقية. أ - تاريخياً، عرف الغرب المجابهة والصراع مع الإسلام، فقد جرت المواجهات في الحروب الصليبية بين المسلمين والمسيحيين في أرض الإسلام، وليس في أوطان الديانتين البوذية والهندوسية. ب - تعطي وسائل الإعلام الغربية صورة سلبية للإسلام أكثر من نظيراتها للديانات الشرقية. ومن المحتمل أن تزيد أحداث 11 أيلول سبتمبر من قتامة الرؤية الغربية للإسلام عند قطاع واسع من الجمهور الغربي الكبير. ت - ان اخلاقيات الفردية المتفسخة المنتشرة في المجتمعات الغربية المتقدمة لا تتفق بسهولة مع بعض أخلاقيات الإسلام الداعية بقوة الى أن يكون التفاعل الاجتماعي بين الناس لصالح كل من المجتمع وأفراده في الوقت نفسه. ث - ويعتبر نداء الإسلام المتواصل والحاث على احترام الوحدات الاجتماعية بالمجتمع كالأسرة عاملاً آخر مرشحاً، لا يكاد يرد ذكره، لجعل الإسلام أقل جاذبية لمعظم المواطنين الغربيين. أما من وجهة الرؤية الإسلامية فإن النظام الاجتماعي المثالي هو ذاك الذي يتبنى ويمارس توازناً بين حقوق الأفراد وحقوق مجتمعهم. فهذا هو السبيل لتحاشي ما سماه عالم الاجتماع الأميركي روبرت بِلاّه "تفكك وانهيار البنية الاجتماعية الروابط الاجتماعية للمجتمع". وصيام المسلمين لشهر رمضان الكريم يبرز بقوة المنافع المتوازنة التي تجنيها المجتمعات الإسلامية وأفرادها من شهر الصيام. ويكفي هنا ذكر عشرة أمثلة لبيان ذلك. بالعقيدة يستطيع المسلم ان يتحدى في النهار اغراءات الحاجات الرئيسية كامل شهر رمضان. والصوم يسمح للجسم بتنقية نفسه من بقايا الأكل والشرب أثناء راحة المعدة في النهار. ويمكن اعتبار صيام شهر رمضان طريقة لتغيير رتابة النمط اليومي للحياة الذي تعود عليه الناس لمدة أحد عشر شهراً. ومن ثم فصوم رمضان يمثل تغييراً جذرياً في أسلوب حياة الفرد والمجتمع. ويعيش المسلم الصائم يومياً، كامل شهر رمضان، شعوراً بالفرحة والسعادة في الساعة الأخيرة على الخصوص قبل الإفطار. أما المنافع التي يجنيها المجتمع ومجموعاته الصغيرة والكبيرة من صيام شهر رمضان. فالصوم يخلق بين أفراد وجماعات المجتمع الصائم حالة من الوعي والتضامن، خصوصاً مع الفقراء والمعوزين الذين طالما يكونون ضحايا للجوع المزمن. وينشط الشهر الفضيل التواصل الاجتماعي بين الأسر والأصدقاء على الخصوص، ويساعد على تمتين الروابط الاجتماعية بين الصائمين. وبقدوم شهر رمضان يصبح لقاء كل أعضاء الأسرة حول مائدة أكل وشراب واحدة حقيقة يومية. فهذا اللقاء العائلي الكامل المتكرر يومياً طوال شهر الصيام لا بد من أن يقوي وحدة الأسر ويدعم روح التضامن والانسجام بين أفرادها. وتؤكد بحوث علم الاجتماع انه كلما ازداد اشتراك الناس في مجموعة من القيم والتقاليد الثقافية كلما أصبح تضامنهم الاجتماعي أكثر قوة وصلابة. وتشير الاحصاءات السكانية في العالم الى ان عدد المسلمين اليوم يتجاوز بكثير الألف مليون وأن غالبية من بلغ منهم سن الثامنة عشر أو أكثر يصومون جماعياً شهر رمضان في قارات وبلدان مختلفة. فهذه الكتلة الضخمة من الشعوب المسلمة ذات اللغات والأصول العرقية والألوان المتنوعة، تتوحد في شهر رمضان على رغم الفروق، واختلافات الزمان والمكان وفصول السنة عبر الكرة الأرضية. تونس - د. محمود الذوادي أستاذ جامعي [email protected]