طالما ان المناظرة الثانية بين جورج بوش وجون كيري انتهت بالتعادل فإن قدرة هوليوود والمغنين على التأثير في سير الحملة الانتخابية الأميركية تكتسب اهتماماً إضافياً، مع وجود غالبية "فنية" واضحة الى جانب المرشح الديموقراطي، فدنيا الفن الأميركي كانت دائماً الى يسار الوسط، وبالتالي أقرب الى الديموقراطيين من الجمهوريين. الزميلة سوزانا طربوش هي التي لفتت انتباهي الى أهمية العنصر الفني في الحملة الانتخابية، وقد وفّرت لي معلومات كثيرة عن الموضوع، والشكر لها في محاولتي طرق باب آخر في متابعة حملة انتخابات الرئاسة الأميركية. جون كيري نفسه كان عضواً في فرقة موسيقى بوب يوماً، وهناك أغنية تعود الى سنة 1961 تحمل اسمه مع فرقة "الكتراز"، طبع منها في حينه 500 نسخة، الا انها اكتسبت شعبية جديدة مع ترشيح كيري للرئاسة عن الحزب الديموقراطي، وتباع النسخة الواحدة الآن بنحو 2500 دولار. وصناعة الموسيقى كانت تقليدياً تعبر عن المعارضة، فموسيقى الجاز نفسها عبّرت عن ظلامات السود خلال أيام التفرقة العنصرية، وبوب ديلان ارتبط اسمه بمعارضة حرب فيتنام، وله أغانٍ عدة في هذا المجال، ربما كان أشهرها ما قد أترجمه الى "في مهبّ الريح"، وأشهر منها أغنية جون لينون "اعطوا السلام فرصة". وأطلقت الحرب على العراق موجة موسيقية معارضة بدأها جورج مايكل قبل سنتين بأغنية "اقتلوا الكلب" قبل سنتين التي أنتج الفيديو الخاص بها على شكل رسوم متحرّكة يلعب فيها توني بلير دور كلب "بودل" لجورج بوش، في حين يحاول جورج مايكل نفسه اغراء شيري، زوجة بلير. وظهر رئيس وزراء بريطانيا كربّان سفينة تقترب من أميركا مع انها لا تزال ملتصقة بأوروبا. وكان المغني تلقى تحذيرات من ان مهاجمة بوش وبلير انتحار فني الا انه أصر على موقفه وتبعه آخرون. المغني المخضرم نيل يونغ، الذي حافظ على شعبيته على امتداد أربعة عقود، يقود حملة شخصية ضدّ جورج بوش، وقد صرّح في مقابلة مع راديو هيئة الاذاعة البريطانية بأن "أصوليين متدينين" يقودون الولاياتالمتحدة، وهو قارن بينهم وبين أسامة بن لادن. نيل يونغ ولد في كندا الا انه يقيم في كاليفورنيا منذ سنوات ويعتبر نفسه أميركياً. وهو قلق من سيطرة متطرفين دينيين على ادارة بوش ويحذّر من عواقب ذلك، ولا يستبعد "ثورة". وفي حين ان المغني "احترف" معارضة الحزب الجمهوري على امتداد سنوات، فإن موقفه ازاء جورج بوش يستحق نظرة سريعة، لأنه يعكس خيبة أمل أهل الفن بالرئيس وسياسته. وكان يونغ بعد ارهاب 11/9/2001 غنى في شكل مؤثر أغنية جون لينون "تخيل"، أو "تخيلوا"، ثم صدر له ألبوم بعنوان "دعونا نهجم"، وهي عبارة اشتهرت بعد ذلك الارهاب الفظيع، ونسبت الى راكب في الطائرة التي هاجم ركابها الخاطفين، فسقطت في حقل في ولاية بنسلفانيا قبل الوصول الى هدفها في واشنطن على الأرجح. ثبت في وقت لاحق ان العبارة لم تقل في حينه، وإنما كانت من خرافات مقاومة الارهاب، وكما سقطت العبارة تراجع تأييد يونغ في السنوات الثلاث التالية للادارة، بسبب "الحرب على الارهاب" التي تهدد الحقوق المدنية داخل البلاد. وانعكست خيبة أمل المغني في ألبوم له السنة الماضية بعنوان "غرينديل" عن ثلاثة أجيال من أسرة أميركية تعيش في بلدة صغيرة، وتحاول ان تفهم تدهور أحوال العالم بسبب مشكلات سياسيين فاسدين، وحروب، والبيئة، وزيادة الحرارة، والمخدرات. وقد أُنتج أخيراً فيلم على أساس الفيديو، ويتحدث في جانب منه عن "حروب دينية" يصرّ يونغ على ان الولاياتالمتحدة أصبحت جزءاً منها. وهو يتهم الحكومة بالتحالف مع الشركات الصناعية الكبرى لمقاومة أغاني الاحتجاج ومنع انتشارها. كلام نيل يونغ لا يخلو من صحة، وقد نشرت منظمة "فريميوز" في كوبنهاغن دراسات كثيرة عن الرقابة على الموسيقى في الولاياتالمتحدة وغيرها بعنوان "اقتلوا المغني". وفي فصل بعنوان "اصدميني يا حبيبتي، الرقابة الخفية على الموسيقى في الولاياتالمتحدة منذ الارهاب" يتحدث كاتب الفصل اريك نوزوم عن الحملة على فرقة "ديكسي تشيك" بعد ان قالت عضو الفرقة ناتالي مينز انها تخجل من ان تكون من الولاية نفسها تكساس مثل جورج بوش. وقال نوزوم انه بعد ارهاب 11/9/2001 منع راديو "كلير تشانل" أغاني معينة مثل "كريات هائلة من النار" و"الطيبون فقط يموتون صغاراً" و"هذه نهاية العالم كما نعرفه"، وكل هذه الأغاني وغيرها مشهورة جداً في الولاياتالمتحدة، وقال نائب رئيس الراديو ان نحو 150 أغنية من هذا النوع تضمّ كلمات غير مقبولة أو مشتبه بها. وخلال حفلة موسيقية في أول نيسان ابريل من السنة الماضية وضع المغني ايدي فيدير، من فرقة بيرل جام، قناعاً على شكل جورج بوش فوق ميكروفون ثم لكمه فسقط أرضاً، وأخذ يقفز فوقه ويدوسه بقدميه. ورحّب بعض المستمعين بعمله، وعارضه آخرون انسحبوا وطلب ردّ ثمن البطاقات لهم. وكانت مادونا أكثر حذراً، فهي سحبت قبل التوزيع شريط فيديو بعنوان "حياة أميركية" يعارض الحرب، وتظهر فيه وهي تلقي قنبلة يدوية على شخص يشبه جورج بوش. وقالت مبررة عملها انها اختارت سحب الفيديو "بسبب الغليان الذي يجتاح العالم، واحتراماً لقواتنا المسلحة التي أؤيدها وأصلّي لها. وأنا لا أريد إهانة الى أي طرف قد يسيء تفسير الفيديو". تظل حوادث الرقابة الموسيقية في الولاياتالمتحدة محدودة، وأهم ما في المواجهة الحالية ان أنصار جورج بوش لا يتحمّلون معارضة أو مخالفة في الرأي، وقد يسعى القادرون منهم الى معاقبة المغنين اقتصادياً، وفي شكل غير ظاهر للرأي العام. غير ان المغنين في المقابل يزدادون معارضة لجورج بوش وسياسة الحرب، لذلك فكل محاولات قمعهم فشلت حتى الآن، وهناك حملات موسيقية ضد الحملات الحربية أشرحها غداً.