بنغازي - أ ف ب - أكد سياسيون في بنغازي أن تعثر تشكيل الحكومة الليبية الموقتة الذي كان مقرراً الأسبوع الماضي يخفي صراعاً محموماً على السلطة بين خصوم معمر القذافي الذين أطاحوا نظامه. وكان رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبدالجليل صرّح السبت الماضي بأن «الحكومة ستُعلن خلال الأسبوع المقبل»، مقراً بوجود خلافات وصراعات أخّرت إعلان تشكيلها. وشدد على أن الكفاءة هي المعيار لتولي حقائب وزارية وليس «النضال» ضد القذافي أو الانتماء إلى منطقة أو قبيلة معينة. وقال مساعد لأحد الأعضاء البارزين في المجلس إن «تشكيل الحكومة (مكتب تنفيذي موسع) دونه الكثير من الصعوبات»، موضحاً أن «عدد الوزراء مشكلة، والتسمية مشكلة، وأسماء من يتولى الحقائب مشكلة». وأضاف أن «دخول أعضاء من المجلس الانتقالي الحكومة يطرح مشكلة إضافية من طبيعة قانونية، إذ لا يفترض بأعضاء المجلس تولي مناصب تنفيذية وفق الإعلان الدستوري». وطرحت مسألة تشكيل الحكومة الموقتة أو توسيع المكتب التنفيذي الذي يضم 13 عضواً برئاسة محمود جبريل، إثر اغتيال القائد العسكري للثوار اللواء عبدالفتاح يونس في 28 تموز (يوليو) الماضي على أيدي مجموعة مسلحة بعد أن كان استدعي إلى بنغازي للتحقيق معه في مسائل عسكرية. وكان يونس من المقربين للقذافي لكنه انتقل إلى صفوف الثوار. وتشهد شوارع بنغازي في شكل شبه يومي تظاهرات، خصوصاً لعناصر من «كتيبة الصاعقة» ومن أفراد قبيلة العبيدات التي ينتمي يونس إليهما، للمطالبة بكشف قتلته. غير أن الأمر سريعاً ما تطور، فطالبت قبائل ومناطق أخرى بعدم تهميشها وبتمثيلها في المكتب التنفيذي. وشدد ممثلون عن التبو والجفرة وسبها (جنوب) ومصراتة وطرابلس (غرب) خصوصاً على ضرورة تمثيل مختلف المناطق تمثيلاً عادلاً في الحكومة، بيد أنه يبدو أن من الصعب تمثيل الجميع في حكومة ستضم على الأرجح 18 وزيراً فقط، وفق عضو في المجلس الانتقالي. وقال القيادي التبو محمد وردكو إن «التشكيل الوزاري المقترح (من محمود جبريل) والمكون من 34 اسماً خلا من أي تمثيل للتبو، وهذا غير معقول وغير مقبول». وقال عضو المجلس الانتقالي عن الجفرة مصطفى الهوني الأسبوع الماضي في بنغازي: «نحن لا ندعو إلى محاصصة بل إلى تمثيل متوازن، خصوصاً أن مناطق الجنوب همشت بالكامل لأكثر من 40 عاماً ويجب أن تحتل مناطق الجنوب مكانتها في اتخاذ القرار في المجلس الوطني والمكتب التنفيذي». ولفت سياسي بارز في المنطقة طلب عدم كشف هويته تفادياً للإحراج على حد قوله، إلى أن «معمر القذافي علّمنا الصراع على السلطة على أساس قبلي إذ كان يستفيد من هذا التكالب لتثبيت أركان نظامه ثم، بصرف النظر عن الحكم الأخلاقي على الأشخاص، إن جميع من في المجلس ومن حوله هم نتاج نظام القذافي سواء من خلال العمل معه أو الحصول على عقود من سيف الإسلام القذافي أو من خلال استبطان أساليبه في العمل السياسي وإعادة إنتاجها». ولاحظ أن «الصراع على السلطة في ليبيا هو في الآن نفسه صراع على السيطرة على ثروة هائلة، من يمسك الدولة يتحكم فيها»، في إشارة إلى النفط. وتابع أنه مع ذلك، فإن «عبدالجليل عليه إجماع باعتباره شيخ دين ومحمود جبريل كفاءة عالية بالتأكيد وشخصية معروفة في ليبيا تحظى بشعبية وينتمي إلى قبيلة ورفلة (مركزها بني وليد ومن أكبر القبائل الليبية) لكنه بصراحة يثير الخوف والريبة بسبب عمله في الكواليس للسيطرة على جهاز الدولة من خلال إعداد كوادر من داخل ليبيا ومن خارجها وتدريبهم لزرعهم في مفاصل الدولة». ولا يخلو هذا الصراع على السلطة من بعد أيديولوجي. وقالت شخصية نافذة مقربة من التيار الإسلامي الليبي إن «هناك صراعاً على مستقبل ليبيا بين الليبراليين المتطرفين ويمثلهم جبريل والوطنيين»، على حد تعبيره. وتشهد ليبيا في الأسابيع الماضية تجاذباً حاداً بين القوى التي توحدت لإطاحة القذافي عكستها خصوصاً تصريحات القيادي الإسلامي علي الصلابي المقيم في قطر التي انتقد فيها في شدة جبريل متهماً إياه بإرساء أسس دولة «استبدادية». ولا تخلو وسائل الإعلام في بنغازي وشرق ليبيا ونقاشات نخبها من الخوض في «ماضٍ أليم» في ظل حكم معمر القذافي وإشارات إلى «حيف وظلم» وقع عليها وإلى دور طلائعي لهذه المناطق في إطاحة نظامه ومطالبات ظاهرة وخفية ب «ثمن سياسي» لذلك وضمان عدم تكراره.