تجرى الانتخابات النيابية الفرعية في دائرة عاليه - بعبدا الاحد المقبل والمنافسة فيها محصورة، كما يبدو، بين هنري بيار حلو وحكمت ديب التيار الوطني الحر بزعامة العماد ميشال عون، فيما يُنظر الى المرشحَين الآخرَين عماد الحاج ومنير بجاني على انهما سيكونان "ضيفي شرف" على المعركة في محاولة اثبات وجود ليس أكثر. وإذا كانت التوقعات، الرسمية والسياسية، ترجح فوز حلو، فإنها ترى وجوب عدم الاستهانة بالرقم الذي سيحققه منافسه ديب، لما سيكون له من دلالات سياسية ترتبط مباشرة بالحديث عن اعادة رسم "خريطة الطريق" للتحالفات السياسية، وللتأثير الذي قد يتركه على عملية إعداد قانون الانتخاب الجديد. وبكلام آخر، فإن المعركة بحد ذاتها تتجاوز احتساب العدد الاجمالي للأصوات المقترعة، الى التركيز على من يسجل الرقم الاكبر من اصوات المقترعين المسيحيين بصرف النظر عن النتيجة النهائية، على رغم ان درجة الحماسة للمعركة ما زالت متفاوتة ولم تبلغ المطلوب، مع ان الاقبال على انجاز البطاقة الانتخابية سجل نسبة عالية. وفي هذا السياق لا يمكن تصنيف المعركة بين حلو وديب على انها تدور بين موالاة ومعارضة، نظراً لأن فرقاء في المعارضة يقفون الى جانب حلو ويحاولون تقليص نفوذ قوى اخرى من الصف الواحد، عبر تجنب جمع اكبر نسبة من اصوات المسيحيين لمصلحة مرشح العماد عون. فالمعركة عجلت الانقسام بين اهل البيت الواحد آل الجميّل والتيار السياسي الموحد "القوات اللبنانية" المحظورة بقيادة سمير جعجع وبين "لقاء قرنة شهوان" المعارض الذي انقسم على نفسه وتوزع اركانه بين داعم لحلو ومساند بكل ثقله لديب. ومن يراقب طبيعة تحرك المعارضة على الارض، يستنتج بسهولة ان رئيس الجمهورية الاسبق أمين الجميّل سيكون اول المستهدفين، وعلى يد العائلة تحديداً، بالنظر الى دعم ابن شقيقه نديم بشير الجميل للمرشح العوني... والى تحرك مجموعة في "القرنة" ضده، اضافة الى انه فقد السيطرة على قسم من المعارضة الكتائبية التي يقودها حليفه الدائم الدكتور ايلي كرامة الذي نزل بكل قواه ضد حلو. ولا يبدو حال السيدة ستريدا سمير جعجع مع "القوات اللبنانية" افضل من حال الرئىس الجميل بعد ان انساق اثنان من تيار "القوات" هما جان عزيز وسلمان سماحة كلياً وراء دعم ديب، ولم ينتظرا كلمة السر القواتية او الموقف الذي سيصدر اليوم عن ستريدا في القداس الذي يقام بذكرى شهداء "القوات" وكأنهما ارادا الاحتفاظ لنفسيهما بمسافة عن زوجة قائد القوات السجين في وزارة الدفاع، في حين عاد الحديث مجدداً عن التحضير لمخرج سياسي قضائي يعيد الى جعجع حريته ويرعاه مباشرة البطريرك الماروني نصرالله صفير. وعلمت "الحياة" ان ستريدا قررت ان تأخذ لنفسها قسطاً من الراحة يتيح لها تقويم ما يدور داخل "القوات" من تجاذبات، وقد تلجأ اليوم الى البوح بكلمة السر، بينما بكركي تلوذ بالصمت رافضة التدخل بعدما كان سيدها يميل الى تحبيذ التوافق ويتعاطف مع حلو، لكنه آثر التريث لئلا يقال لاحقاً انه يؤيد طرفاً ضد الآخر. كما ان حزبي "الكتائب" كريم بقرادوني و"القوات" فؤاد مالك لا يملكان من القوة الانتخابية سوى ما يمكنهما من الحضور الرمزي، في مقابل رفض "حزب الوطنيين الاحرار" الدخول كطرف في المعركة، وهو قرار يمكن ان يلزم محازبيه به. ويمكن القول ان دعوة "حركة التجدد الديموقراطي" نسيب لحود الى الحياد الايجابي ومبادرة اعضاء في "لقاء القرنة" الى الانخراط في الماكينة الانتخابية والسياسية لديب، لن يشكلا ما هو ابعد من الدعم المعنوي. ويبقى العماد عون المستفيد الاول وبامتياز من المعركة بعدما خرق في الانتخابات الفرعية في المتن الشمالي قرار المقاطعة، ويعتقد ان خوض انتخابات بعبدا - عاليه سيتيح له اظهار نفسه على انه الاقوى في الشارع المسيحي، وخصوصاً ان موقفه الايجابي بالتخلي عن المقاطعة جاء ترجمة لموقف قاعدته السياسية التي تدعو الى الانخراط في اللعبة من موقع المعارض والمعترض على التركيبة السياسية الحالية. ويشار في هذا السياق الى ان ديب نجح في صوغ خطاب انتخابي توجه به الى الناخبين الشيعة والدروز والسنّة، مختلف في مضمونه عن "الطحشة" التي اعتاد عليها الرأي العام في خطب عون. ويعود الامر في الدرجة الاولى الى انه يخوض معركة سياسية وليست عقائدية وانه بالتالي اضطر الى "تنعيم" خطابه متجنباً اي هجوم على سورية، مبرراً ذلك "شخصياً" بوجوب عدم إلحاق الضرر بالمصالحة في الجبل وتجنب تهديد مسيرة السلم الاهلي، مع الاشارة الى انه نجح في تسجيل اختراق للجبهة الاسلامية من خلال تحرك ناشطيه من غير المسلمين في أحياء الضاحية. ويراهن العماد عون على ديب لتسجيل انتصار، لا علاقة له بالنتائج النهائية، على الرئيس الجميّل "بموجب" صفقة سياسية اعدها مع نديم بشير الجميّل الذي يطوف مع ديب على كل الاحياء في بلدات الساحل "المسيحي" في بعبدا، على أمل ان يتمكن هذا الشاب من اعادة انتاج تيار سياسي يجمع معارضي "القوات" والكتائب تحت سقف يمكن ان يؤسس لقوة جديدة في الشارع المسيحي يدفع بها لخوض معركة خلط الاوراق في "قرنة شهوان". في هذا الوقت، باشرت القوى الداعمة لحلو في اليومين الاخيرين، اخراج ماكيناتها الانتخابية من "المستودع" وتحاول الآن صيانتها ليكون في مقدور "الحزب التقدمي الاشتراكي" الناخب الرئىس في عاليه وبعبدا و"حزب الله" وحركة "أمل" وأحزاب "السوري القومي الاجتماعي" و"الديموقراطي اللبناني" و"الشيوعي" ونواب "اللقاء الديموقراطي" حث الناخبين على الاقتراع بنسبة كبيرة من خلال استنهاض هممهم. ورفع درجة الحماسة التي لا تزال متواضعة، بفعل عدم قدرتها على التوجه الى الناخبين بخطاب تعبوي يحمل في طياته قضية اسوة بالخطاب الذي استحضره وليد جنبلاط في انتخابات عام 2000 عندما أحسن تقديم نفسه على انه مستهدف ليس كشخص وانما كوجود سياسي للدروز.