تسارعت وتيرة الحملات الانتخابية في دائرة بعبدا - عاليه التي تشهد غداً انتخابات نيابية فرعية وتخللها استخدام ادوات حرب الاعصاب والاشاعات لحث الناخبين على الاقبال على صناديق الاقتراع وسط منافسة شديدة بين المرشحين هنري حلو ابن النائب الراحل بيار حلو وحكمت ديب التيار الوطني الحر برئاسة العماد ميشال عون خلافاً للمرشحين الآخرين، منير بجاني الذي لا يزال نشاطه محدوداً وكأنه يطمح الى الحصول على اكبر عدد من الاصوات في بلدة الكحالة مسقطه لخوض الانتخابات البلدية المقبلة، وعماد الحاج الذي كان جرب حظه في الانتخابات النيابية السابقة ويحاول الآن، اذا لم يستخدم "سلاح الخدمات" في المعركة، الاعتماد على مناصريه القدامى لحجب ما تيسر له من اصوات عن حلو. وكان لافتاً في اليومين الاخيرين دخول الحزب السوري القومي الاجتماعي المعركة مؤيداً حلو، بينما يطمح الحزب الشيوعي الى رص صفوفه لمصلحة الاخير في مقابل انقسام التيارات المعارضة او الاصلاحية في الحزب على نفسها، وقد تحذو في النهاية حذو تيار "القوات اللبنانية" سمير جعجع بترك الخيار للناخبين. وحده حزب الوطنيين الاحرار بقي صامداً على موقفه غير المعني بالمعركة "التي اتخذت منذ الساعات الاولى طابعاً طائفياً بغيضاً"، مذكراً المحازبين والمناصرين بضرورة الالتزام بقرار الحزب ومستعجلاً اصدار قانون انتخاب يلبي مقتضيات العيش المشترك، لكن يبدو ان هذا الموقف الذي سبق لرئىسه دوري شمعون ان عبّر عنه، سيتعرض الى خروق لغياب المراقبة من جهة وللترهل الذي اصاب القاعدة الشمعونية بعد وفاة الرئىس كميل شمعون ما بدأ يدفعها في اتجاه البحث عن مصالحها بصرف النظر عن الالتزام بالانضباط الحزبي. وعلمت "الحياة" من مصادر حزبية موزعة الولاء بين حلو وديب ان معظم الاحزاب والتيارات السياسية في الجبل بدأت تعاني مشكلة تتعلق بعدم قدرتها على ضبط محازبيها، ولجأ بعضها الى اصدار قرارات تأديبية بفصل المحازبين الذين لا يلتزمون توجيهات القيادة، وان البعض الآخر ينتظر انتهاء الانتخابات لينصرف الى تطويق ذيول الانقسامات التي عانى منها. حتى ان التيارات الشبابية المنتشرة في الجبل والتي تتحرك بارادتها الذاتية بمعزل عن هذا الحزب او ذاك تسأل عن مدى صدقية الاحزاب بما فيها التيار الحر في صوغ خطاب انتخابي ينسجم مع خطابها السياسي. ومع ان المراقبين يعتبرون ان الهجوم الذي شنه رئىس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على الرئىس الراحل بشير الجميل ومن خلاله نجله نديم، والعماد ميشال عون افقد حلو، الذي يدعمه، اصواتاً في المعركة، لكنهم يعتقدون ان كلام جنبلاط في المقابل، أمّن له بين الدروز اكثر مما سيخسره في الشارع المسيحي وان التيارات الشبابية لن تتأثر كثيراً بحملات التحريض ضد رئىس التقدمي. وعزا هؤلاء السبب الى ان خطاب عون ومن خلاله ديب يفتقد نكهته السياسية التقليدية، وغابت عنه حملات التحريض ضد سورية ودورها ووجودها العسكري في لبنان، والنبرات القاسية ضد السلطة اللبنانية. ولم يعرف المراقبون ما اذا كان هدف عون من "تنعيم" خطابه لمناسبة الانتخابات الفرعية، يكمن في كسب ود الشيعة ومراعاة الشارع الاسلامي على أمل في ان يتمكن من تسجيل اختراقات تسمح لمرشحه ديب بالحصول على نسبة من اصوات المقترعين تفوق النسبة المتوقعة في المناطق الدرزية. وجاء النداء الذي وجهه عون امس ضبابياً على رغم انه وصف يوم 14 ايلول سبتمبر بأنه "فرصة للتغيير يجب عدم اهدارها"، ودعا الناخبين الى "ألا يكونوا رهائن الماضي وضحايا الحاضر بل ابناء الحرية والحياة". وطلب من مناصريه التوجه "الى صناديق الحرية كي تخرجوا من صناديق العبودية ومستوعبات التبعية التي حبسوكم فيها سنوات". واعتبر المراقبون ان عون في ضوء النداء الذي وجهه قرر ان يشتغل في السياسة من البوابة التقليدية وان ما يهمه حصد الاصوات لا تسجيل موقف سياسي يغلب عليه الاعتراض والغلو في التهجم على سورية، لكنهم يدعون الى التريث لمراقبة ما سيصدر عن "الجنرال" بعد اعلان النتيجة، خصوصاً انه وضع نفسه امام اختبار يتجلى في مدى قدرته على حث الناخبين، وخصوصاً المسيحيين على الاقبال على صناديق الاقتراع. وأكدوا ان عدم ارتفاع نسبة الاقتراع بين المسيحيين سيؤدي الى اضعافه لمصلحة خصومه وتحديداً الرئىس الاسبق أمين الجميل ودوري شمعون وتيار "القوات" الذي لا يرى مصلحة له على رغم ترك الخيار لناخبيه، في ان يحرجهم عون اذا سجل مرشحه نسبة عالية من اصوات المقترعين المسيحيين. وبكلام آخر، ان معركة بعبدا - عاليه لن تكون متنية بامتياز لجهة دب الحماسة في صفوف الناخبين على غرار ما حصل في الانتخابات الفرعية في المتن الشمالي، لتغدو اشد قساوة من معارك الانتخابات العامة. ففي المتن الشمالي، سجلت الانتخابات الفرعية اقبالاً فاق كل التقديرات وتميزت بنسبة عالية من الاقتراع تجاوزت نسبة الانتخابات العامة الاخيرة، بينما يتوقع في بعبدا - عاليه الا يكون عالياً، إضافة الى ان "عشاق الأمس" في المتن الشمالي الذين خاضوا المعركة متكاتفين سرعان ما تفرقوا على عتبة بعبدا - عاليه التي تخضع لحسابات من نوع آخر يأتي في مقدمها التنازع على لمن ستكون الامرة في الشارع المسيحي. وعلى كل حال فإن المعركة، وان كانت مسيحية باعتبار المنافسة هي على المقعد الماروني الشاغر، لا يجوز التقليل من الدور الفاعل للناخب المسلم فيها دروز، شيعة، سنّة اذ ان جميع القوى الممثلة له قررت الوقوف في صف واحد يدعم حلو من دون اسقاط قدرة منافسه ديب على تحقيق خروق يصعب التكهن بحجمها، لكنها حتماً ستحصل ولن تكون هذه المناطق مقفلة عليه. وقد اقام اخيراً مكاتب فيها ويتحرك مناصروه بحرية تامة.