عندما استلم موريتز دي هادلن إدارة مهرجان فينيسيا البندقية السينمائي الدولي في العام الماضي، كان لديه أربعة أشهر وأسبوع واحد لكي ينجز دورة جيدة خليقة بإسم المهرجان العريق وتاريخه. دي هادلن الذي أدار مهرجان برلين بنجاح 22 عاماً، قبل المهمة وانطلق يعمل بكد، وحقق، على حد قوله في العام الماضي 70 في المئة مما كان ينويه. هذا العام كانت لديه سنة كاملة ليحضّر دورة تاريخية. والرجل سعى ودأب وأعلن قبل أيام: "انه من المحبط جداً أن تحاول تغيير الأشياء في هذه الجزيرة. وجدت نفسي أحارب عقليات وقوانين قديمة. هذه بلاد تدفع فيها، وهذا الكلام يعكس حقيقة عانى منها الرؤساء السابقون او معظمهم على الأقل. لكن الرئيس السويسري الذي اعتاد التنظيم وجعل من مهرجان "برلين" نموذجاً لذلك، حقق بالفعل خطوات عدة نحو التنظيم والتحسين: هذا العام مثلاً طوّر آلات العرض وجهز الصالة الرسمية للمهرجان بشاشة أكبر وأحدث. ولا يزال يقاتل من أجل تطويرات اخرى، بينها إعادة تشغيل مطار صغير في جزيرة سان ليدو من الممكن استغلاله لتقصير المسافة بين المدينة ومطار البندقية. لكن انجازات دي هادلن الأساسية هي الأفلام التي أتى بها إلى المهرجان هذا العام، هناك أولاً أفلام من معظم الدول الأوروبية. هذا مهرجان أوروبي شامل. ليس فقط من حيث موقعه او تاريخه، بل أيضاً من حيث أن اهتماماته هذا العام تواكب جغرافيته وتاريخه. فالأفلام المعروضة من بولندا الى البرتغال، مروراً بفرنسا، بريطانيا، ايطاليا وسواها تهدم حدود اللغة وتؤكد وحدة الثقافة الأوروبية". ومن جهة أخرى تعكس البرمجة "رغبة في إظهار التآخي المنشود في الزمن الحاضر. هناك أفلام عدة عن الإسلام وتعايشه مع المسيحية واليهودية". والمهرجان حافل بتجارب شابة وأخرى محترفة، وبأفلام تبحث عن موزعين وأخرى يجيء بها الموزعون أنفسهم لعرضها وترويجها. والأميركيون ماهرون في ذلك. وودي ألن في الافتتاح أفتتح مهرجان البندقيّة يوم أمس بفيلم وودي ألن الجديد "أي شيء آخر"، وفيه ظهر وودي في دور مساند هذه المرة مانحاً المساحة الأكبر لجاسون بيغز، وهو كوميدي شاب سجل نجاحاً في سلسلة "اميركان باي" التي صدرت منها ثلاثة أجزاء. بيغز يؤدي دور عاشق يلجأ الى استاذه ألن طلباً للنصيحة بخصوص الكيفية التي يطرح فيها نفسه وحبه على الفتاة التي يحبها. وتشارك في بطولة الفيلم ايضاً كريستينا ريكي ودايان كرول والمخضرمة ستوكارد شانينغ في البطولة، وكذلك الممثل الكوميدي الآخر داني ديفيتو. والجدير بالإشارة هنا أن منتج الفيلم هو الإيراني الأصل درويش خندجي، وهو أساساً مدير تصوير لمع في أفلام اميركية وفرنسية مثل "سبعة" و"غرفة الفزع"، وكلاهما لديفيد فينشر... و"البوابة التاسعة" لرومان بولانسكي. كما صوّر فيلم برناردو برتولوتشي المعروف "السماء الساترة" 1996. وخوندجي يشق طريقه في الإتجاه الجديد كمنتج، لكنه يستمر في العمل كمدير تصوير وكأنجح فني سينمائي وفد من منطقة الشرق الأوسط برمتها. يأتي فيلم وودي ألن تحية أخرى للقلوب العاشقة، يطلقه من المدينة التي يحبّها وقد شهدت قصص حبّه. ألن لا يزال يؤمن بأن الحب ممكن في أصعب الظروف، ولا يعرف لون البشرة او يعترف بفارق السن. وفي المنحى ذاته، فإن فيلم الإختتام وعنوانه "فصل الصيف" لا يغفل الحديث أيضاً عن الحب وقوّته، لكن على بساط مختلف من الأحداث. الفيلم من انتاج 1955 للمخرج الراحل ديفيد لين وتم تصويره في البندقية، وهو من بطولة الراحلة ايضاً كاثرين هيبورن. قصة امرأة اميركية عاملة وعزباء تقرر المجيء الى المدينة لشيء من الراحة. بعد قليل من وصولها تتعرف الى شاب ايطالي يصغرها سناً قام بدوره روزانو براتزي الذي أخرج ومثل الأفلام من مطلع الأربعينات، وكان من أكثر معارضي الفاشية نشاطاً بين السينمائيين وشهد شهرة عالمية عززتها هوليوود بشيء من أفلامها المنتجة، كهذا الفيلم، في اوروبا. "فصل صيف" ليس "لورانس العرب" لكن مخرجه اعتبره، بحسب المؤرخ كيفن براونلو، واحداً من أحب أعماله اليه. بل أن ديفيد لين صرّح عنه: "وضعت من نفسي في هذا الفيلم أكثر مما وضعت في اي فيلم آخر لي". وما بين البداية والنهاية سنتابع ألواناً مختلفة من الإهتمامات والإتجاهات. وستتطرق أفلام عدة إلى الظروف التي تشهدها المنطقة العربية والعالم. في حين سيقتصر حضور السينما العربية على فيلم رندة شهال صبّاغ "طائرة الورق" المشارك في المسابقة الرسمية.