تتحدث هيلين هانت عن كيف وجدت العمل مع وودي آلن: "لا أستطيع القول انها كانت تجربة سهلة، لكنها بالتأكيد كانت متعة فنية رائعة. وودي آلن لا يُتعب الممثل ولا يطلب منه الكثير مع انه يستطيع ذلك. والممثل من ناحيته يسعى الى تقديم ما هو أهل بفيلم من إخراج هذا السينمائي الموهوب". هذا السينمائي الموهوب لم يحضر الى البندقية مثل هيلين هانت التي تحدثت عن الفيلم ومخرجه وأضافت: "الفكرة بحد ذاتها جذابة، وأنا لا أقصد فقط الحكاية، بل الفكرة بأسرها مكاناً وزماناً...". وفكرة "لعنة العقرب اليشب" جذابة فعلاً لأسباب عدة منها انها: قصة امرأة ورجل يكرهان بعضهما كثيراً، لكن هذا الكره قد يكون غطاء سميكاً لحب قوي. بطل الفيلم متهم بريء في سرقة مجوهرات، ثم ان الأحداث تقع في الأربعينات، وهي فترة مفضلة لدى وودي آلن، وتقع في مدينة نيويورك، المفضلة لديه ولدى هيلين هانت. لكنك تعيشين في لوس انجليس! - "لا أدري. عشت هنا فترة طويلة حتى انتقلت من لوس أنجليس للبحث عن عمل في التمثيل. أحب نيويورك وأحب ما تنضح به من فن وثقافة. تمثيل "لعنة العقرب..." جعلني أحن للعيش في نيويورك من جديد". هل وجدت العمل مع وودي مختلفاً عنه مع مخرجين آخرين لنقل روبرت ألتمان في "د تي والنساء"؟ - "مختلف جداً بالنسبة الى فترات التحضير. ألتمان يحضّر طويلاً وسريعاً. يؤسس للمشهد قبل تصويره. آلن يدرس المشهد لكنه يترك خيارات أكثر لدى الممثل. قليلاً ما يتدخل واذا ما فعل فذلك يكون بمثابة وجود خطأ كبير في الأداء، أو فكرة يريد آلن استبدالها بما تم تصويره. لكنهما مخرجان مقتصدان، خصوصاً آلن الذي لا يصوّر الكثير من اللقطات. لا أدري لماذا". حين تحدثت اليه قال ان السبب يكمن في انه لا يريد ترك خيارات كثيرة لمرحلة المونتاج. - "هذا معقول ومفهوم". ما هو المشهد الذي صورته ولم ترتاحي اليه وطلبت تغييره في اليوم التالي؟ - "لست أنا من فعل ذلك، بل آلن. صوّرنا طوال بعد ظهر يوم مشهد المشاجرة وكنت مرتاحة. سألت وودي قبل انصراف كل منا الى بيته اذا كان الشغل أعجبه. أكد انه أعجبه كثيراً. بعد ساعات اتصل بي هاتفياً وقال انه كان يفكر في ما تم تصويره ويعتقد اننا نستطيع أن نصوّره بطريقة أفضل. كنت سعيدة لأنه يغار كثيراً على ما يقوم به ومن الطبيعي انه يريد الأفضل". تعود علاقة وودي آلن بمهرجان البندقية الى سنوات بعيدة. في العام 1982 اشترك للمرة الأولى بفيلم "كوميديا جنسية في منتصف ليلة صيف" ثم عاد سنة 1983 بفيلمه "زيليغ" الذي شهد عرضه العالمي الأول هنا. ثم غاب عشر سنوات ليعود العام 1993 بفيلم "لغز جريمة مانهاتن" تبعه سنة 1994 فيلم "رصاص فوق برودواي". بعد ذلك بعام واحد عاد آلن الى البندقية ليتسلم جائزة "الأسد الذهب" عن مجمل انجازاته، جنباً الى جنب الفرنسي ألان رينيه والأميركي مارتن سكورسيزي. وللمناسبة يتم عرض "أفرودايت القوية". في العام 1997 عاد بفيلمين: "أحزان رجل مجنون"، وهو فيلم تسجيلي عن حب آلن الفني الثاني عزف الجاز و"تفكيك هاري"، أحد أفضل أفلامه في التسعينات. في العام التالي يصل وودي بفيلمه "المحتفى بمه" ثم سنة 1999 يعرض Sweet and Lowdown وفي العام الماضي أرسل بفيلم "محتالون صغار". من العام 1997 والى اليوم خف احتفاء النقاد الايطاليين بالكوميدي الأميركي الأول. وحالياً كثيرون لا يعتبرون أفلام السنوات الأربع الأخيرة أو نحوها، في جودة أفلام منتصف الثمانينات عندما حقق "مانهاتن" و"آنّا وأخواتها". وحين عرض "المحتفى بهم" ووجه بفتور واضح، كذلك الحال عندما عرض في العام الماضي "محتالون صغار". لكن قيمة أفلام آلن الفنية شيء، وحقيقة أنه يحقق فيلماً كل عام شيء آخر. على رغم ذلك فإن كثرة أفلامه تجعله اليوم، في أميركا أو في أوروبا، مخرجاً غير حدثي. وهو حذر من الكيفية التي يستقبل بها الفيلم في أوروبا ولذلك قرر هذا العام ان يرسل بالفيلم من دون حضوره الشخصي. وهناك تغيير مماثل حدث مع ستيفن سبيلبرغ ولو بطريقة أخرى. في الأساس كان فيلم "ذكاء اصطناعي" للمخرج سبيلبرغ هو المقرر لافتتاح الدورة الثامنة والخمسين الحالية. إثر فتور استقباله بين النقاد الاميركيين طلب سبيلبرغ من المهرجان عدم افتتاح الدورة به خوفاً من رد فعل مماثل فيساء الى الفيلم قبل عروضه التجارية. وافق المهرجان واختار فيلم "غبار" الماسادوني لحفلة الافتتاح عوضاً عن الفيلم الذي كان اختاره. وعلى رغم كل ذلك، فإن الحضور الأميركي هنا أكبر حجماً من حضوره في "كان" أو في برلين. ليس فقط هذا العام، بل خلال الأعوام الماضية أيضاً، ولذلك سبب مهم: الأول: ان البندقية يأتي في مستهل موسم الخريف، الموسم الذي يعود فيه الزخم الأوروبي الى المدن بعد قضاء العطلات في الأرياف أو المنتجعات. فإذا كان استقبال أي فيلم، ايجابياً أو حتى نصف ايجابي، فذلك خطوة ترويجية جيدة تمهد لعرضه تجارياً، أما برلين فيأتي في منتصف موسم الشتاء، وتلك نقطة ضعف على خريطة العروض الأوروبية. خارج المسابقة أيضاً قدّم المخرج الاسباني اليهاندو امينابار فيلمه الأميركي الأول والثاني له بعد "إفتح عينيك". و"الآخرون" وهو من بطولة نيكول كيدمان التي حضرت لثلاثة أيام وغادرت صباح الأحد الى لندن لثلاثة أيام تحضر الافتتاح الرسمي لفيلمها السابق "مولان روج" ثم تنتقل الى مدريد لحضور افتتاح فيلمها "الآخرون" قبل أن تعود الى هوليوود. هذه الخطة بسطتها أمامنا في جلسة غير صحافية خارج فندقها على واحدة من تلك الجزر الهادئة. وعلى رغم ذلك تخللت الجلسة اسئلة من باب تبادل الحديث ليس إلا: "ليس لديّ فيلم جديد حتى العام المقبل، ولن استطيع البوح به". بعد مقابلتنا الأولى قبيل مهرجان "كان" علمت أنك تنوين العودة الى المسرح في لندن، هل هذا صحيح؟ - "نعم، لكنني أيضاً لن أستطيع الخوض في هذا الموضوع. المنتج لا يريدني أن أتحدث فيه قبل أوانه". من المفاجئ كيف أن "الآخرون"، وهو فيلم رعب حول بيت مسكون، حقق نجاحاً في اميركا التي رفضت قبله فيلمين متشابهين... بيت كبير... أرواح هائمة... "أليس ذلك رائعاً؟ أنا سعيدة بما يحدث لهذا الفيلم وسعيدة لمصادفة أن لدي فيلمين يخرجان معاً في أوروبا وحول العالم. لكنني أريد أن أرتاح من العمل وسآخذ فرصة لكي أنتج فيلماً". هل تريدين الحديث عنه أم ان الوقت لا يزال مبكراً أيضاً؟ - تضحك "لا يزال مبكراً أيضاً". - ماذا عن مهرجانات هذا العام؟ حضرت "كان" بمناسبة "مولان روج" ثم البندقية بمناسبة "الآخرون"، هل هناك مهرجانات أخرى؟ - "لا... والحمد لله لأنني أريد أن أنصرف الى أولادي وأغيب عن الظهور لفترة". لكنها لا تستطيع أن تنسى سعادتها بالمهرجانين، وتسرد بعض الأفلام التي شاهدتها في المهرجان الفرنسي وأعجبت بها وتتوقف عند "مولهولاند درايف" لديفيد لينش: "أليس مخرجاً رائعاً؟ كيف صنع فيلماً جميلاً مع انه فيلم مركّب بشدة. شاهدته مع صديقات لي... تصمت لحين ثم تقول: "غريب... بعد الثلاثين تبدأ المرأة بالعودة الى صديقاتها... تترك المغامرة وترجع الى صديقات العمر". كيدمان تبدو هادئة تماماً وجميلة جداً ومملوءة بالثقة. بعض تلك الثقة مفادها أن النقاد، حتى أولئك الذين لم يعجبهم "الآخرون" وهو ليس عملاً رديئاً أثنوا على تمثيلها فيه. تلعب دور أم تعيش في قصر كبير مملوء بالغرف المقفلة. ممنوع على طفليها نور الشمس لحساسية خاصة، وتستقبل ثلاثة خدام ذوي سلوك غامض، وتبدأ ابنتها الصغيرة رؤية الأرواح والتواصل معهم. الرعب الذي يستدرج المخرج مشاهديه نحوه، ليس قائماً على المؤثرات الخاصة، بل ان القصة بذاتها بسيطة المنحنيات وخالية من المؤثرات والحيل الدراماتيكية الكبيرة. ما يستند الفيلم اليه هو الشخصيات وبضع مفاجآت واكتشافات صغيرة ملقاة على تباعد وصولاً الى المفاجأة النهائية التي قد تفصل المشاهدين الى معجب أو كاره.