الصحافة الايطالية، مثل اي صحافة أخرى، تنتقد كثيراً. ونقدها هذا العام، حتى من قبل أن ترى فيلماً واحداً من تلك التي ستنطلق خلال الأيام القليلة المقبلة، منصب على أن مدير المهرجان، موريتز دي هادلن، لم يجازف هذا العام باحثاً عن مخرجين جدد بل اتكل على الأسماء الكبيرة غالباً. ولو فعل العكس لاتهمته الصحافة بأنه حشر الأفلام الصغيرة ذات الأسماء غير المعروفة، عوض أن يجلب للجمهور وللنقاد أفلاماً ممهورة بتواقيع سينمائيين معروفين. هل كان سيفرح النقاد فعلاً لو أن المهرجان تجاهل الأسماء الكبيرة المتاحة له ولملم من أنحاء العالم أسماء غير معروفة تقدم أعمالها الأولى؟ كم فيلماً جيداً سيخرج من هذه اللملمة؟ واحد، إثنان، ثلاثة، عشرة؟ لكن المسألة هي عكس ذلك تماماً: من بين عشرين فيلماً رئيسياً في المسابقة هناك تسعة أفلام من مخرجين حفظ رواد المهرجانات أسماءهم. الباقون عمليا اما اشتركوا في مناسبات قليلة ومتباعدة، ام لم يسبق لهم أن اشتركوا في مسابقات دولية وفي قسم "ضد التيار" هناك ثمانية معروفين من أصل تسعة عشر اسماً. ما حدث، لحسن الحظ، أن خسارة "كان" كانت ربحاً ل"البندقية"، فتلك الأفلام التي لم تكن جاهزة بعد، جهزت الآن وانضمت الى حزام المهرجان الإيطالي الأمني المؤلف من الرغبة في توفير أفلام جيدة بأي ثمن. هذا هو ثمن إنجاح الدورة وإبقاء المهرجان في السدة كواحد من أهم ثلاثة مهرجانات دولية الإثنان الآخران هما "كان" و"برلين". ومثل اي مهرجان رئيسي، فإن "البندقية" بحاجة الى المعطيات كافة التي تمكنه من مواصلة طريقه. هذه هي الدورة الستون للمهرجان عينه الذي بدأه روبرتو ماسوليني سنة 1932. وفي البداية، عامل المهرجان الأفلام كلها على نحو متساوٍ، لكن الأهم هو أنه عامل السينما على نحو متساوٍ مع بقية الفنون تحت مظلة "لابيانيللي"، المؤسسة الثقافية - الفنية التي اتخذت مدينة البندقية مكاناً لها منذ القرن التاسع عشر. مع اقتراب الحرب العالمية الثانية، لم يستطع المهرجان الحفاظ على نقاوته وعدم انحيازه. أصبح مهرجاناً لأفلام المحور الى أن توقف سنة 1942 لأربع سنوات. حين عاد العام 1946 عاد مهماً كما بدأ. واذا كان لا بد من الاكتفاء بحسنة واحدة حققها المهرجان الإيطالي منذ عودته، فهي منحه السينما اليابانية مكانها الكبير على الخريطة العالمية. في العام 1951 منح فيلم "راشامون" لأكيرا كوراساوا ذهبيته. معظم اوروبا لم تكن اعتادت بعد على نطق إسمه، ناهيك بأنها لم تكن شاهدت أياً من أعماله. هوليوود والمسابقة في حين أن مسابقتي هذا العام، العادية وتلك المنتمية الى تظاهرة "ضد التيار" وكلاهما رسمي، تحتويان أفلاماً جمعت، عملياً، من كل قارة وإقليم، فإن معظم الأفلام المشتركة رسمياً إنما خارج المسابقة جاء من هوليوود. السبب معروف ولا علاقة له بتخمينات وتقديرات. وقال رئيس المهرجان موريتز دي هادلن نفسه: "باستثناء فوكس وميراماكس تبتعد شركات هوليوود عن الاشتراك في المسابقات الدولية. لعله الخوف من فقدان ماء الوجه اذا خرج الفيلم الأميركي من المسابقة بلا جائزة أولى". ليس هذا كلاماً مفاجئاً، لكنه صائب. الاستوديوات الأميركية تخشى اذا ما أخفقت في الحصول على جائزة أولى لفيلم لها، أن يؤثر ذلك في مداخيله التجارية في البلد الذي ينتمي اليه المهرجان ثم القارة. وتعتبر أن لجان التحكيم تنظر الى السينما الأميركية على أساس أنها جماهيرية وفي أفضل الأحوال ليست بحاجة الى جائزة تساعدها على الرواج، فهي الأكبر حجماً والأكثر شعبية، وبالتالي تتعمد حجب الجوائز الكبرى عنها. والحقيقة هي أن هذه النظرة ليست مبتدعة تماماً وكبّدت أفضل فيلم أميركي شوهد منذ بداية هذا العام، وهو "نهر لغزي"، الجائزة التي كان يستحق في مهرجان "كان". سحب منتج الفيلم ومخرجه كلينت ايستوود وشركة وورنر الفيلم من مهرجانين اوروبيين آخرين هما دوفيل على رغم أنه لا يجري مسابقة وادنبره وقررا عرض الفيلم في مهرجان "نيويورك" المتوقع أن يكون أكثر قبولاً له على اي حال. من ناحية أخرى، هل يمكن لوم السينما العالمية، وفي هذه الظروف الدولية بالذات، اذا ما شعرت بأنها تريد تشجيع اي سينما أخرى حول العالم باستثناء تلك الآتية من هوليوود؟ اما اذا تناسينا للحظة أقسام المهرجان ومن في المسابقة ومن في خارجها، فإن هوليوود لا تمانع في التواجد كما لا يمانع المهرجان الإحتفال بها وبنجومها. العين منذ الآن على فيلم وودي ألن الجديد "لا شيء آخر" الذي سيفتتح المهرجان وعلى فيلم لمخرج اميركي شبه منسي هو روبرت بنتون وهو "بقايا إنسان"، وفيلم جديد للأخوين كووين هو "قساوة غير محتملة" وآخر من المخرج كريستوفر هامبتن عنوانه "تخيل الأرجنتين"، ولا يغيب عن البال فيلم ريدلي سكوت الجديد "رجال أعواد الثقاب" مع نيكولاس كيج وسام روكويل في البطولة.