هناك بعض الاستثمارات التي يتحسن اداؤها أثناء الأزمات. من الأمثلة الجيدة على ذلك الذهب، عندما يميل المستثمرون الى التخلص من العملة الورقية والأسهم لينقلوا استثماراتهم الى موجودات عيانية يمكنهم رؤيتها ولمسها ولها قيمتها التاريخية والثقافية. ذلك ان شهادات الأسهم لا تتجاوز في قيمتها قوة الشركات التي أصدرتها. ولنا ان نسأل عن ذلك مالكي أسهم شركات تقنيات الانترنت المتقدمة التي كانت تعد بالكثير قبل سنوات. أما الدولارات الورقية أو فئة العشرة جنيهات استرلينية وحتى عملة اليورو الجديدة الجذابة التصميم فإن قوتها لا تزيد أو تقل عن قوة الاقتصاد الذي يصدرها. وكما يعرف الكثيرون فان كلفة السفر الى الخارج يمكن ان تتفاوت في شكل كبير، اعتماداً على قوة العملات المعنية نسبة الى بعضها بعضاً، كما ان هذه التغيرات في أسعار الصرف تزيد من الصعوبات أمام التجارة الدولية. وفي بريطانيا يرى كثيرون أن الحل الأفضل عند اضطراب أسعار العملات والأسهم هو التحول الى العقار. وخلال السنوات الأخيرة شهد اولئك الذين حرصوا على توفير ما يكفي في صناديق التقاعد واقتنوا الأسهم والسندات تراجع قيمة مدخراتهم فيما استمرت وسائل الاعلام في تحذيرهم من أن ايراداتهم التقاعدية ستكون أقل مما اخبروا سابقاً. لا غرابة اذن في ان غالبية الذين يملكون فائضاً مالياً في بريطانيا بدأوا في البحث عن بدائل للاستثمارات التقليدية في الأسهم، وأن البديل الأهم هو العقار. واستمرت سوق العقار في بريطانيا في اجتذاب الاستثمارات الداخلية من الذين فضلوا التحول الى العقار، ولكن أيضاً الاستثمارات من الخارج. ذلك ان المستثمر الخارجي يرى العائدات الجيدة لهذا النوع من الاستثمار، اضافة الى نظام ضريبي يعفي المستثمر الخارجي من أي ضريبة على ما يحقق من أرباح، بحيث يمكنه اخراج رأس المال والربح سوية من بريطانيا عندما يقرر بيع العقار. القيود على البناء هناك سبب آخر لأهمية سوق العقار البريطانية للمستثمر الخارجي والداخلي، وهو نظام السيطرة على نمو المدن المعمول به منذ 1948. ومن بين أسباب جاذبية لندن وغيرها من مدن بريطانيا أن النظام يكفل المحافظة على طبيعة المدينة والابقاء على الكثير من المباني القديمة فيها. لكن هذا يعني بالمقابل أن انشاء مبنى جديد أو تغيير طبيعة مبنى موجود يتطلب الحصول على موافقة المجلس المحلي. وتعمل هذه المجالس حسب أنظمة وقواعد تطورت عبر السنين، وهي تمنع من انشاء أبنية جديدة الا ضمن شروط صارمة. وعلى رغم اقرار الحكومة بحاجة البلد الى الوف المساكن الجديدة خلال السنين العشر المقبلة ليس هناك اتفاق على المواقع التي يمكن ان يتم فيها البناء. اضافة الى ذلك هناك في حالات كثيرة الاعتراضات من السكان المحليين الذين لا يريدون المزيد من البيوت والشقق الجديدة في مدينتهم او قريتهم. ولهذا الوضع جذوره الثقافية. من بينها ان البريطانيين عموما شديدو الحرص على بيوتهم وشققهم ولا يرغبون في أي تدخل في ما يعتبرونه مجالهم الشخصي، حتى لو لم يمتلكوا ذلك المجال! وتعتبر سياسة التخطيط من بين القضايا الأهم في غالبية المدن، ولا يمكن لمرشح الفوز بدخول المجلس اذا كان من مؤيدي اقامة الأبنية الجديدة. هكذا لا يتم بناء تلك الألوف من المساكن التي يحتاجها البلد، ويطغى الطلب على العرض وترتفع أسعار العقار. ان هذا بالطبع عنصر واحد فقط في سوق بالغة التعقيد، لكن الافتقار الى مواقع جديدة للبناء يؤدي بالتأكيد الى رفع الأسعار. ويرى اولئك الذين يملكون مساكنهم لكن يريدون ايضاً الاستثمار في سوق العقار أن من الممكن استعمال المنزل حتى لو انخفضت قيمته، مثلاً، عن طريق السماح للأبناء بسكناه أو عن طريق تأجيره للآخرين. ويجري دوماً تشجيع الشباب على الادخار والاقتراض من البنك أو غير ذلك من المؤسسات المالية لشراء بيت أو شقة في أقرب وقت ممكن. ويصل الأمر ببعض المتزوجين الى تأجيل انجاب الأطفال لأن توقف الزوجة عن العمل خلال فترة الحمل يعني عدم تمكن العائلة من سداد قرض البنك. والملاحظ أن بريطانيا تنفرد بهذا الاصرار من قبل الغالبية الساحقة من السكان على امتلاك المسكن، وقد أدى ذلك، اخذاً في الاعتبار محدودية العرض، الى تصاعد مستمر في القيمة عبر السنوات الثلاثين الأخيرة. أسعار العقار قد تنخفض أيضاً لكن قبل ان يعتقد الكل ان الاستثمارات العقارية في بريطانيا مضمونة الربح علينا ان نتذكر ان السوق شهدت أيضاً عدداً من الانتكاسات التي أصابت البعض بضرر كبير. ان البنوك مستعدة دوماً لتقديم القروض مقابل ضمان عقاري، لأن القرض يؤمن لها مردوداً مستمراً من المقترض على مدى 25 سنة. وتكون القروض هذه عادة بفائدة متغيرة مرتبطة بسعر الفائدة الأساسي، ولذا فان البنك يضمن لنفسه الهامش المطلوب للربح فيما يتعرض المقترض لخطر تصاعد سعر الفائدة. ولا يؤثر هذا التغير على سوق العقار فحسب بل على مجمل الاقتصاد. واذا تصاعدت الفائدة وتصاعدت معها نسبة السداد فقد لا يستطيع المقترض مواجهة ذلك ويضطر الى بيع البيت لايفاء دينه الى البنك. واذا اضطر عدد كبير من المالكين البيع في الوقت نفسه تنخفض أسعار العقار. وقد حصل هذا أوائل الثمانينات، وبلغ من انخفاض السعر ان الكثيرين وجدوا ان بيع مسكنهم لم يكف لسداد القرض. وأدى ذلك الى أزمة اجتماعية كبيرة كان سببها اسراف البنوك في اقراض المشترين العاجزين عن تحمل تداعيات ارتفاع أسعار الفائدة. كثيراً ما يطرح السؤال عن سبب تفضيل الأسر البريطانية الشابة، خلاف نظيراتها في أوروبا، أخذ قرض كبير من البنك يتطلب سداده 25 سنة ويستهلك قسماً كبيراً من دخل الأسرة طول تلك المرحلة. انه الفرق الذي نستطيع رؤيته حين نقارن السكان الذاهبين الى اعمالهم في لندن بنظرائهم في باريس او ميلانو. والفرق هنا ليس أسلوب المعيشة أو الخلفية الثقافية فحسب، بقدر ما هو أن الأخيرين يستأجرون مساكنهم ويتوفر لهم بالتالي ما يكفي من المال للانفاق على مظهرهم والترفيه عن أنفسهم وقضاء العطل في الخارج، فيما تجهد الأسرة البريطانية في ادخار المال لشراء المسكن أو لسداد القروض من البنك. ان هذه دون شك ملاحظة عامة، مع ذلك يمكن التأكيد على ان سوق العقار في بريطانيا وطبيعة عملها تشكلان عبئاً كبيراً على مالية الأسرة البريطانية، خصوصاً الأسر الشابة. وقد عبر وزير المال البريطاني غوردن براون عن الرغبة في أن يرى تحولاً في طبيعة سوق العقار البريطانية يجعلها أكثر قرباً الى ما في أوروبا. والسبب أن ذلك سيساعد على التقارب بين اقتصاد منطقة اليورو والاقتصاد البريطاني، وهو الشرط الضروري لانضمام بريطانيا الى المنطقة، كما انه سيشجع المشترين على استعمال قروض بسعر ثابت للفائدة لكي لا يرتبط وضعهم المالي بتقلبات سعر الفائدة العام. لا ضريبة على الربح سوق العقار البريطانية مغرية تماماً للمستثمر الأجنبي. فاذا افترضنا استمرار الأسعار في التصاعد فان أي ربح من بيع الملك معفى من الضريبة اذا كان المالك يسكن خارج بريطانيا. كما يمكن استعمال جزء من المدخول الذي يحققه العقار، أي الايجار، لسداد قرض من البنك، وذلك عدا ضريبة الدخل. ويمكن تجنب دفع ضريبة الميراث بتسجيل العقار باسم شركة أوف شور، لكن ينبغي الحصول على استشارة في شأن الضرائب لكي يضمن المشتري أن تلك الشركة لا تأتي له بمشاكل تفوق الفائدة المتوخاة من استعمالها. الشراء متاح للجميع يضع الكثير من الدول قيوداً على شراء الأجانب للعقار، لكن هذا ليس الوضع ليس موجوداً في بريطانيا، حيث يمكن لأي شخص من أي بلد شراء العقار فيها. لكن هناك اصراراً متزايداً على الشفافية في عالم البنوك وتحويلات المال ولذا على كل من يخطط لشراء عقار في بريطانيا ان يكون على استعداد لاثبات الهوية وتقديم ما يدل على مكان الاقامة. وتخضع هذه المتطلبات الى تدقيق متشدد. وفي واحدة من الحالات اخيراً طلب بنك في لندن ترجمة قانونية لشهادة استعمال للبرهنة على ان الزبون يسكن فعلاً في العنوان الذي قدمه الى البنك. اضافة الى ذلك من المحتمل ان يطلب المحامي الذي يمثل المشتري غالبية المشترين تستعمل المحامين للمساعدة على عملية الشراء وأيضاً للمشورة الضريبية التفاصيل عن مصدر الأموال المستعملة في الصفقة. انه ما يواجهه أي شخص يحاول فتح حساب بنكي في لندن، وهو ينطبق على المقيمين في بريطانيا مثلما على الساكنين في الخارج. أسواق العقار متعددة في بريطانيا. والأنواع الرئيسية الثلاثة هي التالية: 1 - سوق العقار للسكنى، أي البيت أو الشقة. 2 - سوق الاستثمار في العقار السكني من أجل المدخول. 3 - سوق العقار التجاري، وهو يتكون من عدد من القطاعات يعمل كل منها ضمن دورات اقتصادية متفاوتة. من الأمثلة على ذلك ان سوق تأجير المكاتب تعتبر في حال من الركود، لكن ذلك يعني ان اسعار الشراء رخيصة وبالتالي فانه استثمار جيد اذا كان على المدى البعيد وكان المشتري مستعداً للانتظار فترة تصل الى خمس سنوات توقعاً لزيادة الايجارات. ارتفاع الأسعار يشير عدد من التقارير الى ان أسعار العقار السكني تستمر في الارتفاع، لكن من المهم دراسة التقارير بعناية. وفي نيسان أبريل قامت مؤسستان ماليتان من بين الأكبر في سوق العقار بدراسة واسعة بينت أن أسعار المساكن في عموم بريطانيا ارتفعت بنسبة 9.5 في المئة خلال السنة مقارنة بما يزيد على عشرين في المئة في السنة السابقة. كما بينت دراسة لكل التقارير الرئيسية أن كل المؤسسات العاملة في هذه السوق تتوقع انخفاضاً في نسبة ارتفاع الأسعار. لكن هناك تفاوتاً كبيراً في ذلك بين المناطق. وعلى سبيل المثال أوضح استطلاع أن أسعار المساكن في لندن ارتفعت خلال الأشهر الثلاثة الماضية بنسبة 2.7 في المئة، مقابل 8.1 في المئة في شمال انكلترا. فيما توقع بعض الخبراء ارتفاعاً سنوياً متواصلاً للأسعار بمعدل 5.2 في المئة وذلك خلال السنوات العشر المقبلة. ولا بد من القول هنا أن من الصعب التكهن بما سيحصل للأسعار بعد عشرة أشهر ناهيك عن عشر سنين! المهم من كل هذا بالنسبة لمن يرغب في شراء عقار سكني هو النظر الى وضع السوق في المنطقة المعنية وتحديد الغاية من الشراء. فاذا كانت الغاية هي الاستثمار فقد يكون من المفيد البحث عن صفقة في منطقة قد لا يرغب المشتري في سكناها لكنها ناجحة لجهة الربح. كما ان على من يدخل السوق لأول مرة، اضافة الى معرفة الوضع المحلي، أن يتجنب الأخطاء قدر الامكان باستشارة الاصدقاء والخبراء. ومن المستحسن للمشتري العثور على محام ومستشار هندسي، ربما عن طريق الأصدقاء، لأن وكالات بيع العقار تمثل البائعين وبالتالي فإن المحامين والمهندسين الذين تقترحهم قد لا يتمتعون بذلك القدر المطلوب من الاستقلال. واذا كانت الغاية شراء بيت للسكن فهناك اعتبارات أخرى لا بد من دراستها، مثل توافر موقف للسيارة ونوعية المدارس في المنطقة واذا ما كان الحي يقع ضمن المنطقة الخاضعة ل"ضريبة الزحام" في لندن. وتشكل هذه الضريبة تعقيداً اضافياً امام ساكني العاصمة. اذ توجب على الذين يدخلون بسياراتهم الى وسط المدينة دفع خمسة جنيهات. وقد ادت الضريبة الى خفض الزحام في وسط المدينة لكنها تسبب ازعاجاً كبيراً للمقيمين في المناطق المجاورة للمركز لأن عليهم ان يقرروا اذا كانوا يفضلون دفع ضريبة الدخول يمكن القيام بذلك عن طريق الانترنت أو تجنب الذهاب في ذلك الاتجاه. كما ان على ساكني وسط المدينة دفع الضريبة، وان كان بقيمة مخفضة. وكان المتوقع ان تؤثر الضريبة على أسعار السكن في تلك المنطقة، لكن ذلك لم يحصل. وقد توقف كثيرون في بريطانيا عن الاستثمار في حسابات التوفير وصناديق التقاعد مفضلين بدل ذلك الحصول على رهونات من البنوك لشراء العقار بقصد التأجير. وأدى هذا الى تصاعد أسعار عقارات الايجار فيما قاد في الوقت نفسه، مع زيادة العرض في هذه السوق، الى انخفاض في الايجارات. واذا لم يستطع مالكو هذا النوع من العقار سداد القروض من البنك بسبب انخفاض الايجارات سيكون عليهم بيع العقار، وهو ما قد يؤدي الى خفض أسعار بعض عقارات الايجار. الا ان ذلك لم يحصل حتى الآن بسبب استمرار نسبة الفائدة على مستواها المنخفض. ارتفاع الايجارات وانخفاضها هناك تقارير كثيرة عن أوضاع الايجارات، من بينها تقرير صدر أواسط نيسان أبريل الماضي عن "رابطة مالكي عقارات الايجار" أشار الى تراجع معدلات الايجار في لندن بنسبة 45 في المئة خلال السنة الماضية، وذلك مقابل ارتفاعها بنسبة 9 في المئة في مانشستر. واذا كنت تنوي الشراء لغرض التأجير في لندن فينبغي الاختيار بعناية، خصوصاً وان هناك مناطق تواصل فيها الايجارات ارتفاعها من بينها منطقة نايتسبردج. العقار التجاري خلال السنين الأخيرة شهدت مكاتب الاستشارة الهندسية الكثير من زبائنها وهم يحققون أرباحاً كبيرة. وبرهنت سوق الاستثمار العقاري على نجاح كبير خصوصاً للمستثمرين الذين أقاموا علاقات قوية مع مهندسين نشطين في هذا المجال. انها سوق صغيرة نسبياً في بريطانيا ومن المهم تماماً فيها معرفة المتعاملين وما هي المباني الجديدة التي تطرح للبيع ومن هم البائعون. وقد أدركت مكاتب الهندسة انها تحقق ارباحاً طائلة لزبائنها دون أن تحقق لنفسها ما يذكر. ومن هنا فقد قامت بتأسيس صناديق استثمارية يشارك فيها الزبائن. ولا يشارك في الصندوق عادة أكثر من 15 أو عشرين مستثمراً، ويقترض مبالغ اضافية من البنوك ويبدأ بالاستثمار. انها فكرة بسيطة، وما يبعث على اطمئنان المشاركين ان مكتب الهندسة يساهم أيضاً في الاستثمار. معاملات شراء العقار في بريطانيا لا تزال تجري على النمط التقليدي، وهناك من يطالب بتحديثها. لكن الغالبية تفضل، حتى لو تم التحديث، الاستعانة بمحام أو خبير شراء للقيام بالاجراءات اللازمة. وعلى كل من يفكر في شراء عقار في بريطانيا ان ينظر الى الوضع الضريبي. اذ يمكن لأي شخص من خارج بريطانيا، اذا قام بالعملية في الشكل الصحيح، شراء العقارات والاستثمار فيها وبيعها بالربح من دون أن يدفع الضرائب. لكن تجنب دفع الضرائب ليس السبب في الاستثمار العقاري، وان عدداً متزايداً من المستثمرين بدأ في دفع الضرائب طوعاً لكي يحصل على ملف وسجل اعمال لدى السلطات. الدافع الرئيسي للاستثمار في العقار السكني هو استمرار الطلب القوي عليه، مقابل نقص في العرض، خصوصاً بالنسبة للمساكن الجديدة. كما ان الاتحاد الأوروبي على وشك ضم عشر دول جديدة، ما يعني ان مواطنيها سيتمكنون من القدوم الى بريطانيا ليتحققوا مما اذا كانت "شوارعها معبدة بالذهب"! واذ لا بد أنهم سيكتشفون بسرعة انها ليست كذلك فانهم سيحتاجون الى مكان للسكن فيما يقررون اذا كانوا يريدون البقاء هنا للعمل. في جميع الأحوال، ان المهتمين بالاستثمار في العقار التجاري لن يجدوا الذهب في شوارع لندن الا اذا استعانوا بالخبراء المناسبين على الاصعدة التقنية والضريبية والقانونية. * محام يعمل في لندن.