شهدت أسعار العقار السكني في بريطانيا ارتفاعاً متواصلاً طوال العام المنصرم وثمة أمور لا بد للراغبين في الشراء من أخذها في الاعتبار في السنة الجارية. ومعلوم أن الاقتصاد البريطاني منفتح الى أبعد الحدود وتنعدم فيه القيود على أسعار الصرف وتملك العقار. وفي هذه البيئة المنفتحة تخضع أسعار المنازل والشقق لعامل الطلب المحلي بشكل رئيسي. لكن هناك بعض الأحياء التي تتأثر بالطلب الخارجي على وجه الخصوص ومن هذه الأحياء المركز التجاري لمدينة لندن الذي تتحدد أسعار عقاراته باستمرار رغبة الأجانب في امتلاك المنازل والشقق اما للاستخدام الشخصي أو لغرض الاستثمار. وارتفع متوسط أسعار المنازل عام 1999 بنسبة 13.6 في المئة، وبصفته حداً وسطاً بين الأدنى والأعلى عكس هذا المتوسط تبايناً شاسعاً في مدى رواج الأحياء والمناطق المختلفة، والمؤكد أن لندن احتفظت بجاذبيتها لدى المشتري الأجنبي وارتفعت بالتالي أسعار العقارات في الأحياء الممتازة بنسب أعلى من غيرها. وشهدت السوق العقارية في العام الماضي نشاطاً مكثفاً وتنوعت عمليات الشراء بين استثمارات تبحث عن الدخل من عوائد الايجار واستثمارات غرضها الحصول على ارباح رأس مالية عند البيع، ومع توافر فرص الحصول على عوائد ايجار مرتفعة وأرباح رأس مالية معفاة من الضريبة لم يكن من المفاجئ أن تتمتع لندن بشعبية كبيرة لدى المستثمرين. ومن الواضح أن ارتفاع متوسط أسعار المنازل والشقق بنسبة 13.6 في المئة يعتبر دليل ازدهار ولكنه لا يعكس الواقع المحزن لأسعار العقار في بعض المناطق. ويصل الكساد في بعض المدن مثل مدن المنطقة الشمالية الشرقية من بريطانيا حيث نسب البطالة مرتفعة والمداخيل منخفضة درجة حادة بحيث يصعب تأجير منازل بعض الشوارع أو بيعها حتى بثمن الكلفة. لكن لندن شيء آخر بالنسبة للمستثمر الأجنبي وهي مستمرة في الاحتفاظ بجاذبيتها الاستثمارية على رغم ارتفاع أسعار العقارات وقوة الجنيه الاسترليني. ومن الضروري في أي حال أن يلم المستثمر الأجنبي بآلية عمل السوق العقارية في بريطانيا. وتنقسم ملكية المنازل والشقق هنا الى نوعين، اذ يتم تملك غالبية المنازل عدا القائمة في مناطق محددة من المركز التجاري ملكية حرة ما يعني أن المشتري يمتلك البناء والأرض المقام عليها ملكية مطلقة غير مقيدة بفترة زمنية، أي الى الأبد. ويحق للمالك في هذه الحال نقل ملكية المنزل الى أولاده أو آخرين من أفراد الأسرة وتبقى ملكية العقار للأسرة الى أن يتم بيعه لشخص من خارجها. أما في ما يتعلق بالشقق وبعض المنازل ولا سيما الكائنة في أحياء معينة من المركز التجاري فيتم تملكها بعقود ايجار طويلة الأجل، اذ يمكن، على سبيل المثال، بيع شقة ما بعقد ايجار لمدة 99 عاماً. ويتيح هذا النوع من الملكية التمتع بالشقة طوال الفترة المتعاقد عليها على أن تعاد الى مالكها الأصلي أو أبنائه في نهاية العقد. وهناك ثلاثة معايير لتحديد أسعار الشقق والمنازل المتملكة بموجب عقد ايجار طويل الأجل وهي: موقع العقار وحجمه وقيمة الايجار المدفوع. وكمثال يمكن للمالك الذي يملك بناء والأرض التي بني عليها ملكية مطلقة أن يختار بين أن يبيع البناء والأرض معا أو يؤجر البناء بغرض الحصول على دخل من عوائد الايجار وضمان استعادة البناء بعد مضي فترة زمنية محددة. وفي حال فضل المالك خيار التأجير فيمكنه الاستعاضة عن فرض ايجار سنوي مرتفع بأن يحصل على سعر عال في بداية العقد ثم يحصل على ايجار ضئيل في المستقبل. ويرى الكثيرون غرابة في دفع مئات الألوف من الجنيهات للحصول على منزل لن يحق لمستأجره أن يستخدمه سوى لفترة محدودة من الزمن، ولنقل عشرين سنة، والحقيقة أن تملك هذا المنزل ملكية مطلقة سيكلف أكثر من ذلك بكثير. ويعتبر شراء عقار عملية سهلة نسبياً ولكن لا بد لمن يعتزم امتلاك منزل أو شقة أو استئجار أي منهما التفكير ملياً بشروط الملكية التي غالباً ما تضع قيوداً على ما يمكن أن يفعله المشتري أو المستأجر بالعقار. في العصر الفيكتوري التاسع عشر درج الكثيرون من الملاك على بناء المنازل وتأجيرها بعقود تمتد آجالها الى 99 سنة وحين انتهت آجال هذه العقود في الستينات وجد المستأجرون أنفسهم مهددين بفقدان منازلهم التي حسبوا أنها في مأمن، وللتخفيف من معاناة هؤلاء سنت الحكومة قانوناً يجبر الملاك على السماح للمستأجرين بتمديد عقود الايجار أو شراء منازلهم المستأجرة، وقد تم حديثاً توسيع صلاحية هذا القانون ليشمل الشقق، ويبدو من المحتمل أن يحصل المستأجرون على المزيد من الحماية في المستقبل. وقبل الاقدام على شراء أي عقار في بريطانيا من المهم تقرير ما اذا كانت عملية الشراء تتم بدافع الاستثمار أو الحصول على منزل للاستخدام الشخصي. وفي حال الدافع الاستثماري من الضروري تقرير ما اذا كان الهدف المرجو هو الحصول على دخل من عوائد الايجار أو تنمية رأس المال. وبفرض قرر الشاري امتلاك عقار ما للاستخدام الشخصي والاقامة الموقتة سواء كان ذلك بصفة منتظمة أو غير منتظمة فان الأمر الأهم الذي لا بد أن يؤخذ بعين الاعتبار هو حسن اختيار الموقع. وقد أصبحت بعض المناطق في بريطانيا وبعض الأحياء في لندن على وجه الخصوص ترتبط بجاليات معينة، ويرغب البعض في السكن في مناطق أو أحياء حيث يمكنه رؤية وجوه مألوفة والالتقاء بإناس ينتمون الى خلفيته الثقافية، بينما يفضل آخرون تجنب مناطق وأحياء من هذا النوع. ولاتخاذ القرار المناسب من الضروري طلب المشورة لدى الوسطاء ذوي الخبرة في سوق العقار البريطانية وكذلك المحامين المؤهلين لتقديم المشورة القانونية في ما يتعلق بالعقار المنوي شراؤه. ان الطريقة التي يتم بها شراء المنازل والشقق في بريطانيا وبيعها هي نتاج قوانين عقارية تشكلت وتطورت في مدى الأعوام الألف الأخيرة. ويتضح ذلك بجلاء قاطع في المركز التجاري لمدينة لندن حيث تمكنت حفنة من العائلات الثرية والجمعيات الخيرية من التحكم بالطريقة التي تطورت بها العقارات في هذه المنطقة طوال القرن الفائت. فحين كانت لندن مدينة صغيرة تتمحور حول المركز التجاري وكانت أحياء بيلغرافيا ومي فير وكينسينغتون وتشيلسي مجرد حقول خضراء انفردت عائلة غروزفينير بملكية الكثير من هذه الحقول. وأصبحت هذه الأراضي ذات قيمة عالية جدا. ونجحت عائلة غروزفينر في الاحتفاظ بقسم كبير من أملاكها التي أصبحت ذات قيمة عالية جدا. وتعود أسباب هذا النجاح الى الادارة الحصيفة التي مارستها العائلة علاوة على امتناعها عن بيع أراضيها ولكنها حين حصرت تعاملاتها في تأجير أراضيها للآخرين بصفة مؤقتة فإنها قيدت وتحكمت بعملية التطوير العقاري. وقد تأثرت سيطرة الملاك جزئيا بسبب التعديل الذي أجرته الحكومة على القانون العقاري في الستينات الا أنه ما زال في وسط لندن الكثير من المنازل التي تؤجر بمبالغ طائلة لفترات قصيرة نسبياً. وفي ضوء القوانين الجديدة التي تلزم الملاك بيع العقارات للمستأجرين يصبح لزاماً على المستأجرين التفكير بالأسلوب الصحيح لشراء العقار المستأجر. ويختار الكثيرون من الأجانب شراء المنازل والشقق في لندن بواسطة شركات الأفشور. ويوفر هذا الاسلوب ميزات ضريبية لكنه يتسبب أيضا في بعض التعقيدات، كما أنه ليس الحل الصحيح لكل أنواع الصفقات العقارية. ويتمثل أحد سلبيات تسجيل عقار ما باسم شركة أفشور في احتمال أن يرفض المالك الأصلي نقل ملكية العقار الى اسم شركة أو احتمال أن يرفض السماح بنقل عائدية عقد طويل الأجل الى شخص عادي خشية الوقوع تحت طائلة قانون البيع الالزامي مستقبلاً ناهيك بالطبع عن التعقيدات الضريبية. ولا بد لكل راغب بتملك عقار في بريطانيا من التفكير ملياً بالمسائل المشار اليها والتفكير أيضاً بوضعه في ما يتعلق بالضرائب وقوانين الهجرة. وعلى رغم أن ليس هناك ما يمنع أي شخص، من أي مكان جاء، من شراء عقار في بريطانيا فمن الضروري أن يتمكن الشاري من القيام بزيارة ومعاينة العقار المراد شراؤه. ويتضح من الأرقام المعلنة في نهاية العام الماضي أن الذين استثمروا في العقار في الأحياء الميسورة أصابوا في قراراتهم اذ حقق الكثيرون عوائد سخية وأرباحاً معفاة من الضريبة ويبدو من المحتمل أن تتابع الأسعار مسارها التصاعدي. وحاول وزير الخزانة كبح جماح السوق العقارية عن طريق زيادة الرسوم المجباة عن قيمة العقار وقت الشراء وساهم ارتفاع أسعار الفائدة أخيرا في زيادة كلفة اقتراض المال لتمويل الصفقات العقارية. وسيكون من شأن ذلك كله احداث بعض الأثر في السوق ولكن يبدو من المحتمل أنه ما لم يحدث تغيير رئيسي على كل من الصعيدين السياسي والاجتماعي فان مشتري العقارات في لندن سيستمرون في الاستفادة من الأثر الايجابي للطلب الأجنبي واستمرار التحسن في قيمة عقاراتهم. لمزيد من المعلومات الهاتف اللندني 01719362818 والفاكس 01719362813 والبريد الاليكتروني: [email protected] * محام في لندن.