يقترب فصل الصيف من الانتهاء. ورحل السياح وعاد الاطفال الى المدارس. وسيتلاشى الكثير من الافكار والاحاديث التي دارت خلال الصيف فيما يستأنف قطاع الاعمال نشاطه ويعود الناس الى حياتهم العادية في بلدانهم الاصلية. لكن الفكرة التي راودت البعض من بين الوف الاشخاص الذين زاروا المملكة المتحدة، في شأن شراء عقار فيها، سواءً كان شقة او مسكناً لاستخدامهم الخاص او كاستثمار، لن تُنسى. يسود العالم غموض متزايد. فالناس يستمعون الى تصريحات الادارة الاميركية بقلق كبير، اذ تتحدث عن خطط لمهاجمة العراق، وهم يدركون ما يمكن ان يسببه هجوم كهذا من تداعيات على منطقة الشرق الاوسط كلها. واستعداد ادارة بوش لتجاهل قوانينها الخاصة وحتى الدستور الاميركي في "حربها ضد الارهاب" وللتمييز ضد اشخاص من خارج الولاياتالمتحدة يجعل الاجانب يترددون في الاستثمار هناك. وقد يكون توني بلير رئيس الوزراء في المملكة المتحدة مؤيداً ومتحمساً للرئيس بوش، لكنه بدأ هو ايضاً يدرك بأن البريطانيين لا يريدون حرباً مع العراق. وعلى رغم ما أدلى به بلير من تصريحات يرى كثيرون في المملكة المتحدة انها مقلقة ومحرجة جداً خصوصاً بالنسبة الى اولئك الذين يعملون مع اشخاص من الشرق الاوسط، تبقى لندن مدينة متحررة ومتسامحة تستقبل بترحاب الناس من ارجاء العالم. ان تضافر القلق في شأن الاستقرار في بقية مناطق العالم، والتخوف من الاستثمار في الولاياتالمتحدة او حتى زيارتها، ومزايا المملكة المتحدة الجغرافية والثقافية تمنح لندن جاذبية كمكان يقصده المستثمرون في العقار. الاستنتاج هو ان لندن لا تزال مكاناً مرغوباً بالنسبة الى الناس من خارج المملكة المتحدة، واولئك الذين استثمروا في العقار هنا في الاعوام القليلة الماضية لاحظوا ارتفاع الايرادات وقيمة رأس المال. والمستثمرون من الخارج ليسوا الوحيدين الذين يستثمرون في عقارات المملكة المتحدة. فالاداء الضعيف لاسواق الأسهم ومعدلات الفائدة الواطئة، والمخاوف في شأن قدرة صناديق التقاعد المستندة على سوق الاسهم على توفير مداخيل تقاعدية بعيدة المدى في المستقبل، ادت كلها الى هروب رأس المال من سوق الاسهم الى العقارات. ويقوم كثيرون في المملكة المتحدة حالياً ب"الشراء للتأجير". وهم يقترضون المال بمعدلات فائدة متدنية ويؤجّرون العقار لمستأجر كي يحصلوا على دخل يُغطي الفائدة التي يتعيّن عليهم دفعها، فيما ترتفع قيمة رأس المال. لكن العقار، مثل أي شكل آخر من الاستثمار ينطوي على مخاطر، ولن يؤدي حدوث ارتفاع في معدلات الفائدة الى الحاق الأذى بتدفق الايرادات فحسب بل سيؤثر بشكل جدي في قيمة رأس المال لهذه العقارات. واقترض كثيرون لتمويل شراء هذه العقارات، ومن شأن أي زيادة في معدلات الفائدة ان تجبرهم على البيع لان الايرادات لن تغطي الفائدة، ما سيؤدي الى زيادة العرض من هذه العقارات مع انخفاض في قيمة رأس المال. بالاضافة الى ذلك، مع توافر المزيد من العقارات لمستأجرين محتملين ستنخفض الايجارات التي يبدون استعداداً لدفعها. لكن العقارات في المواقع الممتازة، في مناطق مرغوبة لدى الاجانب وايضاً المشترين المحليين او المستأجرين، تعتبر استثماراً مأموناً من قبل كثيرين ممن يرغبون في الاستثمار في شيء يمكن ان يروه ويلمسوه. في 1989 حدث انخفاض مفاجئ في قيمة العقارات في المملكة المتحدة. وكان كثيرون اقترضوا اكثر مما يمكن ان يتحملوا واشتروا عقارات مغالى في اثمانها، وعندما ارتفعت معدلات الفائدة اُضطروا الى البيع. وكان سبب المشكلة، عدا الاعتقاد بأن الاستثمار في العقار "لا يقل أماناً عن المنازل"، يكمن في سياسات الإقراض التي تعتمدها المصارف وجمعيات البناء. فقد اقرضت اموالاً كثيرة لاعداد كبيرة من الاشخاص الذين لم يكونوا قادرين على تحمل أي زيادة في معدلات الفائدة. يجب ان يفكر أي مستثمر في سوق الاسهم في تأثير معدلات الفائدة على قراراته الخاصة بالاستثمار. وعلى نحو مماثل، يجب ان يولي اي شخص يفكر بشراء عقار لغرض الاستثمار عناية كبيرة للطريقة التي سيموّل بها أي زيادة محتملة في معدلات الفائدة وتأثير ارتفاع معدلات الفائدة في بقية السوق. ويمكن تثبيت معدلات الفائدة لمدة طويلة لضمان الحد من التأثير المحتمل لارتفاع معدل الفائدة. دفعت الزيادة المستمرة في اسعار المساكن في المملكة المتحدة في الاعوام القليلة الماضية بعض الاشخاص الى القول بان الزيادات لا يمكن ان تستمر، وان انخفاضاً في الاسعار يماثل ما شهدناه في 1989 يوشك ان يحدث. لكن الاحصاءات والوضع في السوق في 1989 كانا يختلفان تماماً عن الوضع الاقتصادي في الوقت الحاضر. في الشهور الثمانية الاخيرة من كانون الثاني يناير الى آب اغسطس ارتفعت اسعار المساكن في المملكة المتحدة بنسبة 6،12 في المئة، وفي آب اغسطس وحده بلغت الزيادة، حسب جمعية البناء "نيشنوايد"، بنسبة 5،2 في المئة. ومن الواضح ان هذه ارقام عامة، لكنها تظهر ميلاً، واشارت توقعات الى انه بحلول نهاية السنة الجارية ستكون اسعار المساكن ارتفعت في 2002 نحو 20 في المئة. في اواخر الثمانينات، عندما هبطت الاسعار، ارتفع معدل البطالة من 3،5 في المئة الى 9،9 في المئة خلال سنتين. لم يكن الاقتصاد قوياً وكان سعر المسكن المتوسط خمسة اضعاف متوسط الدخل. وتراوح اسعار المساكن في الوقت الحاضر بين 5،3 و4 أضعاف معدل الدخل، ولذا فان اسعار المساكن، حتى بالمعدلات الحالية، لا تزال معقولة اكثر بكثير بالمقارنة مع ما كانت عليه في 1989 بالنسبة للاشخاص المقيمين في المملكة المتحدة. وتظهر معلومة اخرى مثيرة للاهتمام ان متوسط الفائدة التي كان يتعيّن على المقترضين دفعها في 1989 كانت تساوي 35 في المئة من مداخيلهم. وكان هذا رقماً مرتفعاً جداً. وفي الوقت الحاضر، في 2002، لا يشكل متوسط الفائدة المدفوعة سوى 15 في المئة من الدخل. والاستنتاج الذي يطرحه بعض المعلقين هو ان سوق العقار لا تزال قادرة على تحقيق مكاسب كبيرة في رأس المال، وهم لا يتوقعون انهياراً مفاجئاً في اسعار العقارات. وتتحدث مقالات كثيرة في وسائل الاعلام البريطانية عن حال سوق العقار، ويتم اجراء عمليات مسح كثيرة. واظهر بعضها ان معدل الزيادة في الاسعار يتباطأ. والشيء الاساسي عند الاستثمار في العقار، خصوصاً في الوقت الحاضر، كما سيقول كل دلال عقارات، هو "الموقع، الموقع، الموقع". وتمتاز لندن بعدد من المناطق المشهورة عالمياً، وتوجد في هذه المناطق شوارع مرغوبة جداً في سوق العقار على صعيد عالمي. وعند شراء العقار في المملكة المتحدة من الضروري مراعاة ان يكون راقياً وفي موقع جيد. فاذا كان العقار في موقع ممتاز ومعروف عالمياً وجرى بناؤه وصيانته وفق اعلى المقاييس سيبقى مرغوباً. وهذا سيقيه من أية تقلبات سلبية في السوق يمكن ان تؤثر في عقارات عادية. ان اسماء مناطق مثل كينزينغتون ومايفير ونايتسبريدج وتشيلسي معروفة في ارجاء العالم، وبسبب الطلب الدولي يتوقع ان تحافظ قيمة العقارات الراقية في هذه الاماكن على مستواها وان ترتفع عندما تتباطأ حركة السوق المحلية. وهناك تنوع هائل في العقارات المتاحة للمشتري من الخارج الذي يسعى الى الحصول على عقار راق في منطقة جيدة. على سبيل المثال، يبلغ سعر مسكن كبير ومتميز، معروض للبيع في كينزينغتون، ويحتوي حوض سباحة داخلياً على طراز شرق اوسطي، مع ترتيبات أمنية مشددة وكل المنشآت التي يتوقع الحصول عليها من عقار معروض للبيع، 5،10 مليون جنيه استرليني. كما توجد شقق في ضاحية نايتسبريدج يمكن ان تشتريها او تؤجرها، من بينها شقة، مساحتها 1000 قدم مربعة مع غرفتي نوم، يبلغ ايجارها 2750 جنيه استرليني اسبوعياً. وتجتذب هذه الايجارات اصحاب العقارات الذين يريدون الاستثمار في العقار للحصول على إيراد بينما ترتفع قيمة رأس المال. ويحتاج أي شخص يفكر في شراء عقار في المملكة المتحدة الى التفكير بعناية بالدافع وراء الشراء وما اذا كان العقار، الذي ينبغي النظر اليه كاستثمار بعيد المدى، مناسباً لاحتياجاته. وينبغي اجراء تخطيط ضريبي لضمان الاّ تخضع قيمة العقار للضريبة من قبل الحكومة البريطانية في حالة الوفاة. ويمكن تفادي ضريبة الميراث اذا جرى التخطيط بعناية. واذا كان في النية تأجير العقار قد يتعيّن دفع ضريبة على الايراد، لكن يمكن خفض هذه الضريبة او تجنبها اذا جرى التخطيط بعناية. كما يجب انجاز بعض الترتيبات لضمان ان تنتقل ملكية العقار في حالة الوفاة الى ورثة المالكين من دون تعقيدات لا ضرورة لها. ولا توجد أي قيود على ملكية العقار في المملكة المتحدة. فيمكن لأي شخص من أي مكان ان يشتري عقاراً هنا. بالاضافة الى ذلك، يمتاز النظام الضريبي في المملكة المتحدة بأنه مصمم لتشجيع الناس على احضار اموالهم من الخارج واستثمارها هنا. ويمكن لاشخاص من الخارج ان يعيشوا في المملكة المتحدة ولا يدفعوا أي ضرائب اذا شاؤوا ذلك وكانوا مستعدين لتخطيط شؤونهم المالية بعناية. الاستنتاج هو انه يمكن لشخص من خارج المملكة المتحدة يرغب في ان يستثمر في العقار ان يفعل ذلك من دون قيد او صعوبة. وهناك، كما هو الحال في أي استثمار، مخاطر. ويعتبر اختيار موقع العقار واسلوب تنظيم الشراء وتمويله قضايا اساسية يجب ان تدرس بعناية. هل العقار في المملكة المتحدة فقاعة او ازدهار اقتصادي؟ سيستمر الازدهار بالنسبة الى الاشخاص الذين يشترون عقارات راقية في أحسن المناطق. * محام في لندن. email: [email protected]