فيما بثت أوساط أمنية اسرائيلية الانطباع بأن جيش الاحتلال يعد للانسحاب من شمال قطاع غزة في مقابل التزام فلسطيني صريح بتولي المسؤولية الأمنية فيه، قال وزير الدفاع شاؤول موفاز ان المسألة كانت في صلب اتصالات اسرائيلية فلسطينية مكثفة مساء أمس وستتواصل في الأيام القليلة المقبلة، معتبراً العملية "صعبة ومعقدة قد تعترضها أزمات كثيرة". وتوعد موفاز ورئيس حكومته ارييل شارون ناشطي الفصائل الفلسطينية المسلحة بملاحقتهم وتصفيتهم في كل مكان تعجز فيه أجهزة الأمن الفلسطينية عن القيام بواجباتها. وأبلغ شارون وزراءه بأن اسرائيل "تلقت الشرعية" من الولاياتالمتحدة لملاحقة من وصفهم ب"القنابل الموقوتة". كشف رئيس الحكومة الاسرائيلية ارييل شارون، في جلسة حكومته أمس، انه تم إعداد "وثيقة مبادئ" اسرائيلية تمهيداً للقاءات المسؤولين الاسرائيليين مع مساعد وزير الخارجية الأميركي جون وولف الذي سيتولى مسؤولية "فريق المنسقين" الأميركي لتنفيذ "خريطة الطريق" تؤكد ان التحفظات الاسرائيلية ال14 على الخريطة تعتبر جزءاً لا يتجزأ منها مضيفاً ان وولف سيمكث في المنطقة 12 يوماً يدرس خلالها الأمور كافة للاطلاع على التفاصيل اللازمة لمباشرة عمله. وقال وزير الدفاع شاؤول موفاز ان نقل المسؤوليات الأمنية للفلسطينيين في المناطق التي ينسحب منها جيش الاحتلال ستستمر أياماً وسيمتحن الفلسطينيون بدقة "ليس بالأقوال أو التظاهر انما على الأرض"، مضيفاً انه ألغى زيارته لفرنسا ليشرف شخصياً على نتائج اللقاءات الأمنية بين منسق شؤون الاحتلال الميجر جنرال عاموس غلعاد ووزير الشؤون الأمنية الفلسطيني العقيد محمد دحلان مشترطاً على الفلسطينيين ابلاغ الاسرائيليين بهوية الجهة المخولة، في كل منطقة المسؤولية الأمنية واطلاعهم على التطورات أولاً بأول. وزاد ان اسرائيل ستمنح العملية السلمية التي انطلقت في العقبة فرصة أخرى "لكنها ستلتزم الحذر واليقظة"، متهماً قادة "حركة المقاومة الاسلامية" حماس باتخاذ قرار استراتيجي ب"اغراق عملية العقبة في أنهار من الدماء ما حتم علينا الرد بحزم وصرامة". من جهته أكد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الميجر جنرال اهارون زئيفي فركش اقوال شارون في شأن "الضوء الأخضر" الأميركي لاستهداف قادة حركة "حماس" مضيفاً ان الادارة الاميركية طلبت ان يكون العمل ضدهم "مدروساً من دون المساس بالأبرياء والتسبب في أضرار بالغة". واضاف ان رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس ابو مازن ووزيره محمد دحلان نجحا خلال قمة العقبة في إحداث تحول كبير باقناعهما الاميركيين بصدقية نياتهما "لكن أبو مازن لم ينجح في الحصول على التأييد المطلوب في الشارع الفلسطيني لعجزه عن تحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين وتسهيل حركة تنقلهم ما عرّضه لانتقادات شديدة". لكن المسؤول العسكري أعرب عن اعتقاده بأن أبو مازن سيتمكن في نهاية المطاف من بسط نفوذه. نموذج غزة ونقلت اذاعة الجيش عن مصادر عسكرية مطلعة ان ثمة تحضيرات بدأت لسحب قوات الاحتلال من قطاع غزة تطبيقاً للاقتراح الاسرائيلي الذي قدمه منسق شؤون الاحتلال عاموس غلعاد للوزير الفلسطيني محمد دحلان في اجتماع ليل السبت في هرتزليا، شمال تل ابيب. وقالت ان الانسحاب قد يتم في حال التزم دحلان، بصراحة ووضوح، تولي الاجهزة الأمنية الفلسطينية المسؤولية في القطاع وان يثبت الفلسطينيون ان بمقدورهم فعلاً منع الهجمات المسلحة على اهداف اسرائيلية. ورأت هذه المصادر ان نتائج الاجتماع أعادت الكرة الى الملعب الفلسطيني وانه إذا أثبت دحلان واجهزته الأمنية نيات حقيقية وأظهروا جهوداً فعلية لبسط السيطرة الأمنية على القطاع، فإن اسرائيل قد تتجاوب مع طلب دحلان وقف مسلسل الاغتيالات والتوغل العسكري في القطاع. وتابعت ان لا مصاعب لوجستية لإتمام الانسحاب في غضون ساعات من اتخاذ قرار بذلك. واتهم وزير الأمن الداخلي تساحي هنغبي ابو مازن ودحلان بعدم رغبتهما في المواجهة مع فصائل المقاومة وتجريدها من أسلحتها واغلاق ورش تصنيع المتفجرات في قطاع غزة "حيث لا يمكن لدحلان الادعاء بأنه لا سيطرة له على الأجهزة الأمنية" مضيفاً في حديث اذاعي ان اسرائيل ستواصل ملاحقة حركة "حماس" "حتى سحقها وتحويلها الى حركة عديمة التأثير في الشارع الفلسطيني"! ضغوط اميركية على الفلسطينيين فقط؟ الى ذلك، اعتبرت محافل سياسية اسرائيلية تراجع الفلسطينيين عن رفضهم تسلم المسؤولية الأمنية في قطاع غزة ثمرة جهود مصرية وضغوط اميركية على السلطة الفلسطينية لتنفي في الآن ذاته ضغوطاً أميركية مماثلة على اسرائيل، وسوغت سفر مدير مكتب شارون المحامي دوف فايسغلاس الى واشنطن للقاء مستشارة الأمن القومي في البيت الأبيض كوندوليزا رايس بأنه يندرج في اطار التنسيق الوثيق بين تل أبيب وواشنطن. وكتبت صحيفة "يديعوت احرونوت" ان الادارة الأميركية أبلغت قادة دول عربية بوجوب ان يدرك الفلسطينيون انهم إذا لم يتخذوا اجراءات فعلية لوقف العمليات الاستشهادية والتصدي لحركة "حماس"، فإن شارون لن يتردد في "حرق الأخضر واليابس" وانهم سيخسرون الدولة الموعودين بها وبدعم أميركي. وتابعت الصحيفة ان الأميركيين كثفوا اتصالاتهم في الأيام الأخيرة لفرض وقف النار على الطرفين وإعادتهما الى سكة المفاوضات وزادت ان الاتصالات اعتمدت ثلاثة مركّبات أولها السعي لإرضاء شارون عبر توجيه أصابع الاتهام بالتصعيد الى قادة حركة "حماس"، وعدم الربط بين العمليات الاستشهادية ومحاولة اسرائيل اغتيال الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي، ثم ابلاغ الفلسطينيين بأن عليهم تسلم مسؤولياتهم الأمنية فوراً وعدم انتظار أسابيع طويلة ثم تهديدهم برد فعل غاضب من شارون. في سياق متصل نقلت صحيفة "هآرتس" عن رئيس أركان الجيش الجنرال موشيه يعالون قوله في لقاء جمعه بقدامى المظليين ان عمليات تصفية قياديين عسكريين في "حماس" واستهداف الرنتيسي دفعت بالحركة الى رفع راية الاستسلام وطلب وقف النار. وتابعت الصحيفة ان مصر، بحسب مصادر سياسية اسرائيلية رفيعة المستوى، لعبت دوراً بارزاً في جهود التهدئة وأن مدير المخابرات المصرية عمر سليمان هدد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بأن مصر ستندد علناً بمحاولاته عرقلة جهود أبو مازن، وقالت ان هذا التهديد حدا بالرئيس عرفات الى اصدار بيان شديد اللهجة يندد بعملية التفجير في القدس وباصداره تعليماته للمسؤولين الأمنيين بالسعي الى تحقيق وقف النار. قمة ثلاثية في واشنطن أفادت صحيفة "يديعوت احرونوت" ان وزير الخارجية الأميركي كولن باول قد يصل تل أبيب ورام الله هذا الاسبوع قبل توجهه الى عمان للمشاركة في اجتماع الرباعية الدولية. وقالت ان باول سيلتقي كلاً من شارون وأبو مازن بهدف انقاذ "خريطة الطريق" والعمل على بدء تطبيقها. وزادت انه في حال نجاحه في مهمته، فإن الرئيس الأميركي جورج بوش سيدعو رئيسي الوزراء الفلسطيني والاسرائيلي الى قمة ثلاثية جديدة في واشنطن.