لخّص احد المفكرين الفرنسيين اللامعين في عبارة واضحة، ما كانت العلاقة عبر الاطلسي والحلف الاطلسي تعنيانه حتى سقوط جدار برلين: "حافظوا على الاميركيين، وابعدوا السوفيات، وابقوا الالمان تحت السيطرة". وفي 11 ايلول سبتمبر، دُمّر ايضاً الى جانب البرجين التوأم الكثير من مسلماتنا واحساسنا بالأمان. وفي الفترة من 1998 الى 2001، كان العالم عموماً والغرب في شكل خاص يعيش لحظة هادئة ظاهرياً وخطيرة من الاحساس بالرضا عن النفس. ولم ندرك التحولات العميقة التي كان العالم يشهدها منذ بعض الوقت. تنبّهنا فجأةً الى هذه التحولات صباح يوم مريع في ايلول. ولبعض الوقت، ادى الاحساس بالرعب ومشاعر التضامن الى تعزيز التلاحم بين جانبي الاطلسي. لكن بعض التباينات في تحسس الأخطار والمستقبل الجيو-استراتيجي للعالم باعد بيننا مرة اخرى، ونأمل بألاّ يكون ذلك حدث في شكل يتعذر اصلاحه. كان ينبغي للحادي عشر من ايلول ان يعزز بقوة الرابطة عبر الاطلسي، بما ان الاصولية الاسلامية - وليس الاسلام - هاجمت بهمجية دموية وبوحشية الغرب كله. في ذلك اليوم، كان الوف الضحايا الاميركيين يمثلون قيم الديموقراطية والحرية والتعددية. وكان ينبغي لنا ان ندرك، في ذلك اليوم بشكل خاص، ان مجموعة القيم والمبادئ ذاتها موجودة على جانبي الاطلسي. الجميع تقريباً يدرك هذا، لكن النتائج العملية لهذا الادراك لم تتجسد في شكل واضح. ومن ذلك يمكن أن نعتبر أن الفجوة التي تفصل بيننا تتمثل في تحسس الخطر. كان يمكن لاوروبا ان تتحول الى ميدان المعركة الاكثر رخاءً وغنى في التاريخ، لو ان نظريات الاحتواء والردع اخفقت خلال الحرب الباردة. لكن اوروبا عانت بلاء الارهاب المؤذي الذي اتخذ صوراً واشكالاً وايديولوجيات وذرائع متباينة بين بلد وآخر. وعانى الاوروبيون التأثيرات المزعزعة للاستقرار الناجمة عن الارهاب الدولي، وكنا نرد في الغالب بحكم القانون واحترام الحقوق المدنية والحريات الاساسية لجميع المواطنين، بما في ذلك الارهابيون. لكن الخطر تغير، ويشهد تغيراً على مدى سنوات، كما لاحظ في 1998 بروس هوفمان في كتابه "داخل الارهاب". واقر بهذا التغيير في قمة حلف الاطلسي في نيسان ابريل 1999، وكذلك في التقرير الرسمي لمؤسسة "راند" الذي اُعدّ باشراف إيان ليسر، عن الارهاب الجديد. تكهن هؤلاء بأن الارهاب سيكون على نحو متزايد اكثر جرأة وخطورة وتأثيراً، وان افضل ما يمكن لمجتمع ديموقراطي ان يفعله هو أن يتوقع الخطر الاساسي الذي يمثله الارهاب بالنسبة الى الديموقراطية والحرية، ويخففه أو يبدده. ومن الاشياء التي تبدو متناقضة ظاهرياًً انه على رغم تجربتنا المريرة فان الاوروبيين اليوم لا يتحسسون بالطريقة ذاتها وبالشدة ذاتها الخطورة التي يمثلها هذا الارهاب الجديد والجريمة المنظمة، والعلاقة بين الاثنين. هذا بالضبط ما يمكن استخلاصه من استطلاعات الرأي الاوروبية في شأن الحرب في العراق. ربما كنا نعتبر السلام محتماً ونرى اننا لا نحتاج الى الكفاح من اجله، بينما يبدو واضحاً انه شيء هش يقتضي كفاحاً متواصلاً. هناك من يقول ان الاوروبيين والاميركيين لا يعرفون كيف يكونون متنافسين وحلفاء في آن، لكنني لا اعتقد انها مشكلة لا يمكن ان تُذلل. عندما عرض الجنرال مارشال خطته امام الكونغرس الاميركي، لقي انتقادات حادة من مشككين جادلوا بأن اوروبا ستصبح منافساً لهم بفضل مساعدة دافع الضرائب الاميركي ودعمه المالي. وينبغي ان نشعر بالامتنان لان غالبية اعضاء مجلس الشيوخ والكونغرس لم تصدق المتشائمين، وتثبت المحصلة بما فيها العلاقة عبر الاطلسي انهم كانوا مخطئين. واليوم، لم تعد نزعة التشكك على صعيد العلاقة عبر الاطلسي حكراً على الاوروبيين. فما اخشاه ان مفكرين اميركيين في اوساط معينة، الى جانب بعض المثقفين الديموقراطيين وليس الجمهوري روبرت كاغان وحده، مقتنعون بأن الانقسام بيننا يطلقون عليه "التباعد" حتمي. يقال احياناً ان اسوأ الخلافات بين الاصدقاء يمكن ان يُحل بواسطة ازمة تنتهي في شكل ودي. وقد يكون الأمر على هذا النحو تماماً. وعندما يحدث هذا لا جدال في ان الاصدقاء المخلصين وحدهم يملكون تأثيراً فعلياً. وهذا ما دأبت المملكة المتحدة واسبانيا على فعله خلال الاشهر الماضية. ينبغي للطبيعة الحقيقية للعلاقة عبر الاطلسي ان تقوم على التوازن والوضوح والاحترام المتبادل، من دون خضوع او إخضاع، لن يكون سلبياً ومذلاً بالنسبة الى اوروبا فحسب بل سيشجع ايضاً احياء نزعة عداء لاميركا في قارتنا. لكن هذه العلاقة لا يمكن ان تقوم على المواجهة والتنافس. ويرى بعضهم ان اوروبا يجب ان تكون ثقلاً مضاداً عسكرياً للولايات المتحدة، بينما يكمن السبيل الوحيد لتعزيز العلاقة في التنسيق والتعاون، والبحث عن صيغ ايجابية للتكامل والعمل بروح الفريق. وينبغي ان نسعى معاً الى توطيد السلام والاستقرار والامن في عالم محفوف بالأخطار والمخاوف التي تنتاب الطرفين. وعلى صعيد الدفاع، كان هناك كلام لافت عن تقاسم المهمات والتخصص بين اوروبا والولاياتالمتحدة. وهدف هذه المشاركة الاستراتيجية في تحمل المسؤولية، ليس مجرد المزيد من انفاق اوروبا على الدفاع، كما اكد بعضهم على نحو خاطئ، بل ان يجري ذلك في شكل اكثر عقلانية وبتوزيع افضل. ويعني هذا ايضاً ان علينا نحن الاوروبيين ان نشارك بشكل حاسم في عمليات حفظ السلام، على رغم ان قدرتنا الاستراتيجية وامكاناتنا العسكرية متواضعة مقارنة مع قدرات الولاياتالمتحدة. وفي ما يتعلق بعمليات حفظ السلام، لعبت اوروبا وبعض الدول المتطورة حول العالم دوراً اساسياً كما تدل الامثلة الايجابية في البوسنة ومقدونيا وكوسوفو. واخيراً، علينا ان نلفت الى الاهمية الخاصة لاعادة البناء الديموقراطي او بناء الامة في البلدان المتأثرة بالحروب، او بكوارث خطيرة. في هذه العمليات، حقق الاوروبيون والكنديون واليابانيون والاستراليون والنيوزيلنديون وغيرهم من دول ديموقراطية ومتطورة بعض النجاحات البارزة. وتعتبر اوروبا الجهة المانحة الاكثر سخاءً في المساعدات التنموية، وتجربتنا ومساهماتنا الحاسمة في دعم السلام والاستقرار واعادة البناء تمنحنا خبرة جيدة يمكن ان تكون ذات فائدة في اجزاء اخرى من العالم، وبالتأكيد في العراق. ينبغي للنظام العالمي الجديد ان يبدأ بأوروبا قوية وموحدة، وبعلاقة متينة عبر الاطلسي، وتقاسم المهمات الاستراتيجية وتحقيق الاستقرار بعد نزاعات خطيرة. ولكن من الضروري ايضاً التفكير في اصلاح عميق للنظام الدولي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية. إذ تجاوزته الاحداث، ويجب ان يُستبدل بنظام اكثر مرونة وفاعلية في وجه عالم متغير محفوف بأخطار ومخاوف جديدة. انتابنا، نحن الاوروبيين، القلق في السنوات الاخيرة نتيجة غياب مفترض لاهتمام الولاياتالمتحدة. لكن هذا يرجع الى حقيقة ان اوروبا لم تعد، مع انتهاء الحرب الباردة، المشكلة الاساسية والجيو-استراتيجية في العالم. وعلينا ان نتعلم كيف نكون جزءاً اساسياً من الحل. انه ليس تحدياً ضئيلاً، ولا يمثل توحيد قوانا في مواجهته أمراً ضرورياً فحسب، بل انه الخطوة الاولى، على طريق طويل وصعب، ولكن لا مفر منه. * الناطق باسم الحزب الشعبي الحاكم في لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الاسباني.