في الرابع عشر من تشرين الثاني نوفمبر 2017، وافق مجلس النواب الأميركي على مشروع قانون لزيادة الإنفاق العسكري إلى 700 مليار دولار، انسجاماً مع مشروع قانون الدفاع الوطني لعام 2018، الذي خصص 634 مليار دولار للإنفاق العسكري الأساسي، كشراء الأسلحة، وتمويل رواتب القوات المسلحة. ووفقاً لكتاب سيبري السنوي، الصادر عن معهد ستوكهولم لأبحاث السلام (SIPRI 2017)، فقد بلغ الإنفاق العسكري الأميركي 611 مليار دولار عام 2016، مسجلاً ارتفاعاً نسبته 1.7% قياساً بعام 2015، وهذا هو أول ارتفاع في موازنة الدفاع الأميركية منذ العام 2010. وقد استحوذ الإنفاق العسكري الأميركي عام 2016 على ما نسبته 33% من إجمالي إنفاق الدفاع العالمي. المقاربات الراهنة في الولاياتالمتحدة تشير إلى تحوّل ملحوظ في سياسة الإنفاق العسكري، على الصعيدين الكلي والنسبي، أي من حيث الحجم الإجمالي والتوزيع النسبي لبنود الإنفاق، بما فيها تلك المخصصة لشراء الأسلحة والمجهود الحربي. هناك عدة عوامل دفعت باتجاه المسار الراهن، أولها إعادة تقييم مصادر تهديد الأمن القومي الأميركي، بما في ذلك الإرهاب العابر للدول، وارتفاع منسوب التوترات في الشرق الأوسط، وزيادة نسبة الحضور العسكري الأميركي المباشر فيه، وكذلك تعزيز هذا الحضور في شرق أوروبا، ونشر قوات إضافية كبيرة هناك للمرة الأولى منذ انتهاء الحرب الباردة. من جهة أخرى، يعد تسارع وتيرة الإنفاق العسكري في الصين، وتوترات بحر الصين الجنوبي، والأزمة الكورية، أسباباً خارجية أخرى ضاغطة على الأمن القومي الأميركي، واستتباعاً مشاريع الإنفاق العسكري. وعلى الصعيد المحلي، إذا قدر لسياسة الرئيس دونالد ترامب النووية رؤية النور، فسوف يعني ذلك بروز متغير كبير في مقاربة الإنفاق العسكري. في المقابل، فإن المقاربة الأميركية الجديدة لموقع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ودور الحلفاء الأوروبيين فيه، من شأنها الحد من الضغوط على الإنفاق الدفاعي على المدى المتوسط. الإدارة الراهنة في البيت الأبيض من أكثر الإدارات الأميركية اهتماماً بواقع الإنفاق العسكري في أوروبا. وقد شهدت الأشهر الماضية الكثير من الدعوات الأميركية لزيادة الإنفاق العسكري في الدول الأوروبية الحليفة. وفي الثالث عشر من تشرين الثاني نوفمبر 2017، نجح الاتحاد الأوروبي في توقيع اتفاق لتشكيل قوة عسكرية مشتركة للنهوض بمهام خارجية، في تحقيق لحلم أوروبي مستمر منذ خمسينيات القرن العشرين. وللمرة الأولى، في تاريخ العلاقة بين ضفتي الأطلسي، رحب الناتو بهذه الخطوة، كما رحبت بها الولاياتالمتحدة، ولم تطرح أية اعتراضات بشأنها. وكان الأميركيون فيما مضى يتحسسون من مثل هذه السياسات، خوفاً من أن تكون أية قوة أوروبية مشتركة بديلاً مستقبلياً عن الناتو، أو سبباً في الازدواجية. السياسة الأميركية الجديدة حيال حلف الأطلسي، والحلفاء الأوروبيون، فرضتها اعتبارات مختلفة، بينها توجه الرئيس ترامب لتعزيز المنظور الداخلي، في شعاره المعروف ( أميركا أولاً فقط)، كما أن التطورات في أوروبا الشرقية، وأزمة أوكرانيا، ساهمت أيضاً في هذا التحوّل التاريخي الطابع. كذلك، تحتاج الولاياتالمتحدة لدور أوروبي في عدد من مناطق العالم، بما في ذلك المساهمة في بناء القوة العسكرية الأفغانية. الحلفاء في أوروبا يرحبون باستمرار الانخراط الأميركي في القضايا الدولية، إن في الشرق الأوروبي، أو مناطق العالم المختلفة. ومن هنا، فإن مسائل مثل الإنفاق على تعزيز الدور الأميركي في مهام خارجية تلقى ترحيباً في أوروبا، التي كان قد انتابها الوجل قبل أشهر من "انعزالية" أميركية محتملة. وفيما هو أبعد من ذلك، فإن أوروبا تشعر بالحاجة إلى العمل المشترك مع واشنطن في القضايا الدولية الكبرى على النحو الذي يخدم الأمن والاستقرار العالمي.