المجلة في خطر فأنقذوها... بهذه السطور تفتتح مجلة "الفن السابع" احتفاليتها بمرور ما يقرب من اربعة عقود على صدورها. وبصدور العدد المئة تكون هذه المجلة سجلت تواصلاً وحضوراً امتدا منذ عام 1965. وربما كان تذبذب صدور المجلة وعدم انتظام وصول اعدادها الى قرائها هما احد عوائق التواصل معها ومع رسالتها التي اختطتها لنفسها. وفي كل الأحوال كرست المجلة حضوراً طيباً خصوصاً في مواكبتها الوقائع السينمائية على التراب التونسي من خلال مواكبتها مهرجان قرطاج الدولي والمهرجانات الأخرى المكرسة للهواة والشباب والطفولة والبيئة وغيرها... وأتذكر وأنا اشارك في اعمال لجان التحكيم لمهرجان قليبية السينمائي الدولي للهواة قبل ما يقرب من سبع سنين ذلك النقاش الذي دار بين الوفود - العربية خصوصاً - في شأن مستقبل الصحافة السينمائية. فمعضلة الفن السمعبصري العربي متعددة الأوجه لا يمكن فصلها عن فاعلية هذه الصحافة وحضورها، ولذا كان من مهمات النقد ان يقول كلمته في حركة سينمائية متذبذبة الإنجاز، شبه منقطعة عما يدور حولها من انفجار سمعبصري بفضل سهولة التواصل عبر قارات العالم وتوافر التقنيات الحديثة. فأي منطق نقدي تنظيري حققته الصحافة السينمائية العربية؟ في واقع الأمر، الإجابة عن هذا السؤال تتعلق بالمنجز النقدي في شموليته، الذي قدم اسماء معدودة بعدد اصابع اليدين من النقاد المشتغلين في ميدان النقد والمتخصصين فيه لعقود خلت، سواء في مشرق الوطن العربي أم في مغربه، وهم الذين قاموا بتفعيل حضور هذا النقد على رغم المصاعب الجمة التي صاحبت نشاطاً ابداعياً كهذا ما زال مهمشاً في معظم الأوساط الصحافية العربية. والسؤال المقترن بهذا هو: هل حقق النقد السينمائي العربي بالفعل قوة معرفية؟ تعبيرية مواكبة لفن الصورة؟ ام تراه انشغل بالمتابعات الخبرية لحكايا النجوم والنجمات؟ النقد السينمائي والصحافة السينمائية ان تسطيحاً مخلاً وقع فيه كثير من وسائل النشر الصحافية، تمثل في الايهام بأن حقيقة النقد هي غير تلك التي عرفناها سبباً فاعلاً ومحركاً قوياً لبروز تجارب ومدارس سينمائية لها حضور وتأثير على امتداد تاريخ الفن السابع، سواء بظهور موجات الواقعية كالواقعية الاشتراكية والواقعية الايطالية وموجات اندرغراوند وانطباعية ارنهايم واخيراً وليس آخراً قصة "دفاتر السينما" التي واكبت ظهور الموجة الجديدة في السينما الفرنسية أواخر الستينات من القرن الماضي. ربما كان ثقل الحديث عن هذا المحور المهم هو الذي يقودنا للاحتفاء مع مجلة "الفن السابع" بصدور عددها المئوي... فهذه المجلة كانت تكافح بصبر من اجل الحفاظ على قدر ما ولو في الحد الأدنى من القراءة السينمائية المعرفية وغير التسطيحية، وكان خط صعودها وهبوطها في هذا ملحوظاً وهو سبب من اسباب عدم حضورها القوي المبتغى. لكنك لو سألت عن خلفيات ذلك لوجدت ان القصة هي قصة مجلة بلا قاعدة مالية تعينها على الصمود امام تقلبات بورصة الطباعة والتوزيع. فالتكلفة الباهظة لتغطية إصدار المجلة بالشكل المأمول هي المعوق الرئيس في ما هي عليه، وهو ما أشار اليه محرر المجلة بقوله إن اصدار كل عدد من اعداد المجلة كان نتاج ولادة قيصرية عسيرة في كلمة تحمل كثيراً من المرارة في شرح مكابدات المجلة ومصاعبها المالية بسبب شح الدعم حيناً وانعدامه حيناً آخر. بين رضا الباهي ونوري بوزيد ومع ذلك قدم العدد الجديد مواكبة للمنجز السينمائي العربي والعالمي... فقد كتب غسان عبدالخالق عن فيلم "صندوق عجيب" للتونسي رضا الباهي وهو آخر افلامه، وعرض الصلة ما بين هذا الفيلم والفيلم الايطالي الذائع الصيت "سينما باراديزيو". يقول عبدالخالق: "قدم الباهي فيلماً متماسكاً قوياً يحمل عناصر يستطيع ان يستغلها بالطريقة التي يريد... ف"صندوق عجيب" ليس بالطبع فيلماً سياسياً، لكنه يتناول حالاً ذاتية تتضمن في داخلها عناصر من الثقافة التي كونت تفكير المخرج واتجاهه بما فيها علاقته بزوجته الفرنسية بعد ان قررت العيش مع زوجها في تونس.. وقصة الفيلم مستوحاة من تجربة الباهي الشخصية، إذ تجرى احداثها في مدينة القيروان حيث كان يعيش في كنف عائلة يتمتع فيها الأب بالوجاهة والتسلط". اما محمد الغريبي فيكتب عن "عرائس الطين" وهو عنوان آخر افلام النوري بوزيد، ويذهب في حديثه عن الفيلم الى انه يلامس موضوع الشقاء الانساني: معاناة الخادمات في المنازل. وعلى رغم ذلك فإن بنية الفيلم لاحت كلاسيكية وخطية - بحسب الغريبي- تخللتها بين الفينة والأخرى تحولات مفاجئة. ويخلص الغريبي الى ان شخصيات هذا الفيلم كما هي شخصيات غالبية افلام بوزيد تتميز بأنها مهزوزة ومنكسرة ومجروحة. ويكتب مصطفى نقبو عن ايام قرطاج السينمائية في الدورة ال19 هذه الدورة التي تميزت بمشاركة عدد كبير من الأفلام بلغ 225 فيلماً. ويشيد نقبو بتنظيم هذه الدورة وتنوع العروض فيها. ويكتب محمود الجمني عن آخر افلام ايليا سليمان "يد إلهية" مشيداً بهذا الفيلم لدرجة انه يعده "فاتحة السينما العربية لما بعد الحداثة"!! فانتازيا سينمائية ويعود الكاتب الجزائري عمر المدني الى الكتابة في الفن السابع فيكتب عن الفانتازيا في السينما العربية مؤكداً ان رقعة افلام الفانتازيا اصبحت تتسع في شكل يمثل ظاهرة جديرة بالاهتمام والدراسة. ويقدم المدني نماذج من هذا النوع لتأكيد فرضيته، ويخلص الى ان الفانتازيا ما هي الا ظاهرة تمرد للخروج من نمطية الموضوعات التقليدية وأسلوب متفرد لمعالجة كوميدية لقضايا هزلية". اما القسم الفرنسي من المجلة فقد اشتمل على عرض لسينما رضا الباهي، بالأخص عبر فيلمه الأخير "صندوق عجيب" كتبه مصطفى نقبو الذي اجرى ايضاً لقاء مطولاً مع الباهي عن منجزاته. اما نائلة الغربي فقد فتحت ملف السينما التونسية عبر منجزها المعروف وتحدثت بخاصة عن اعمال مفيدة التلاتلي وسلمى بكار ومنصف ذويب ومحمد الزرن ومحمود بن محمود والطيب الوحيشي وفريد بوغدير ونوري بوزيد وغيرهم. وكتبت المغربي ايضاً مستذكرة جانباً من السينما التسجيلية من خلال نموذج فرحان حشاد. اما لطفي بن خليفة فيكتب عن تجربة الموريتاني عبدالرحمن سيساكو. ويعود نقبو ليكتب عن "هاري بوتر". ويختتم القسم الفرنسي بمقالة لطفي بن خليفة التي يتوقف فيها عند تجربة المجلة ومنجزها بصدور عددها المئة بعنوان "المغامرة مستمرة"... اذاً... لكي يستمر هذا المشروع الابداعي وهو يقترب من نصف قرن من الصدور، وهي نقطة تحسب للصحافة السينمائية التونسية، فلتمتد يد العون لإنقاذ مجلة "الفن السابع" من التوقف للمضي في رسالتها وخدمتها عشاق الفن السابع ونقاده ودارسيه.