} يفتتح مهرجان دمشق السينمائي الدولي غداً السبت دورته الجديدة التي تعد بأن تكون جديدة حقاً، وفي كل معنى الكلمة: من ناحية الادارة والانفتاح واختيار الافلام والعلاقة مع الرقابة. وهذا هو، على اي حال، رهان الناقد محمد الأحمد، إذ حلّ في رئاسة مؤسسة السينما في سورية، ورث معها مهرجاناً كان بدأ يلفظ انفاسه ويسأل عن مبرراته لسنوات قليلة مضت. يجزم معظم النقاد السينمائيين، بأن اول مهرجان سينمائي عربي هو مهرجان قرطاج الذي عقدت دورته الأولى في العام 1960، وتلاه مهرجان الأفلام التسجيلية والقصيرة في مصر العام 1970، قبل تأسيس مهرجان القاهرة السينمائي الأول في العام 1976. ومع هذا سيكون من المفيد هنا التأكيد ان اول مهرجان سينمائي عربي حقيقي كان "مهرجان دمشق السينمائي الدولي" الذي افتتح في 19 ايلول سبتمبر من العام 1956، ضمن فاعليات معرض دمشق الدولي، وترأسه الناقد السينمائي صلاح دهني. وعقد تحت شعار "في سبيل الصداقة والتفاهم بين الشعوب"، بمشاركة 13 دولة، وكان فيلم الافتتاح، الفيلم المصري "ربيع الحب"، الذي عرض بحضور منتجته ماري كويني، ومخرجه ابراهيم عمارة، ومن بطولة شادية وكمال حسني. يومها بلغ عدد الافلام المشاركة 21 فيلماً طويلاً، ونحو 30 فيلماً قصيراً، من بريطانيا ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا وبلغاريا وهنغاريا والصين وألمانيا الشرقية ويوغوسلافيا والهند وبولندا ومصر والاتحاد السوفياتي. وشهت صالة سينما "الفردوس" اقبالاً جماهيرياً غير مسبوق، للتعرف على سينما جديدة، هي السينما الاشتراكية، بعد ان كانت العروض حكراً على السينما الأميركية، لكن هذا المهرجان لم يستمر سوى دورة واحدة. اما المهرجان الثاني الذي شهدته دمشق فهو "مهرجان سينما الشباب" 1972، وعقد تحت شعار "من اجل سينما بديلة"، وكان مجالاً خصباً للتعرف على هموم السينمائيين العرب الشباب وأطروحاتهم المختلفة، في البحث عن سينما تريد قول الواقع، بعيداً من توابل السينما التجارية. ولم يصمد هو الآخر اكثر من دورة يتيمة، الى ان جاء "مهرجان دمشق السينمائي الأول" الذي عقد في الفترة الواقعة بين 9 و29 تشرين الاول اكتوبر 1979، تحت شعار "من اجل سينما متقدمة ومتحررة"، على ان يقام كل سنتين مرة، بالتناوب مع مهرجان قرطاج السينمائي، وقد تخصص في الأفلام العربية والآسيوية، ثم اضيفت لاحقاً، سينما اميركا اللاتينية. وترأس لجنة التحكيم في الدورة الأولى الروائي السوفياتي جنكيز ايتماتوف، وتقرر ان يمنح المهرجان جوائز مالية مع جائزة "السيف الدمشقي"، قبل ان تتحول الجائزة منذ دورتين الى "جائزة الأبجدية". ظلال سياسية يومها فاز فيلم "الأسوار" للعراقي محمد شكري جميل بالجائزة الذهب للمهرجان، مناصفة مع الفيلم التونسي "شمس الضباع" لرضا الباهي. وخلافاً للمهرجانات السينمائية العربية الأخرى، ارتبط مهرجان دمشق السينمائي بظلال سياسية واضحة، كانت تتجسد على الدوام بتوجهات مدروسة، تتعلق بالخريطة السياسية وتحولاتها، إذ كانت الجوائز، اشبه بجوائز الترضية، فلكل قارة حصتها. فليس من المعقول ان يعود الوفد الكوبي "الصديق"، او التشيلي او السوفياتي طبعاً، من دون جائزة، والأمر ذاته ينسحب على السينما المصرية. اما السينما السورية، فكانت حصتها على الدوام، إلا في ما ندر، "الجائزة الفضة"، إذ كانت تُقنَع لجنة التحكيم بضرورة منح سورية جائزة ذات قيمة، خوفاً من انسحاب الحكومة من تمويل المهرجان! وشهدت الدورات الإحدى عشرة الماضية، سجالات ساخنة في أروقة المهرجان، كان ابرزها "ندوة السينما التونسية" خلال الدورة الثامنة اثر اتهام السينمائي التونسي نوري بوزيد والمنتج احمد عطية ب"التعامل مع اسرائيل"، ما ادى الى اعتكاف نوري بوزيد في غرفته الى ان سافر الى بلاده. وقد أخفيت وثائق تلك الندوة من ارشيف مطبوعات المؤسسة العامة للسينما، ثم نشرها الناقد سمير فريد كاملة في مجلته الدورية "السينما والتاريخ". أزمات وإذا كانت دورات مهرجان دمشق السينمائي الأولى، مرّت بسلام، فإن دوراته اللاحقة، كانت تتعرض على الدوام الى ازمات تنظيمية، خصوصاً بعد استلام المخرج مروان حداد، ادارة المؤسسة العامة للسينما وإدارة المهرجان، حيث عزز نظاماً بيروقراطياً صارماً، سواء على الصعيد الرقابي للأفلام المشاركة او في ادارة الندوات، وحتى في تفاصيل محتويات نشرة المهرجان اليومية. فنظرية "المؤامرة" هي المسيطرة على تفكيره، إذ استبعد السينمائيين في المؤسسة عن تنظيم المهرجان، بعد ان أشركهم في دورة واحدة فقط، هي السابعة، حيث استعان بعمر أميرلاي ومحمد ملص وأسامة محمد. وكان لديه كما قيل حذر شديد تجاه الأفلام العربية ذات الانتاج المشترك مع جهات أوروبية، لذلك كان يدقق في "التيترات"، خوفاً من ورود اسم او جهة "مشبوهة". وتفاقمت مشكلات المهرجان في الدورات اللاحقة، اثر تقديم المخرجين السوريين ورقة عمل لتطوير اداء المؤسسة، ومن بين بنودها المستفزة، انه ليس من الضرورة الحتمية تسمية مدير مؤسسة السينما، مديراً للمهرجان. هكذا وقع المهرجان في دائرة ضيقة من الطموحات، وأصبح اقرب الى الواجب، ولم يعد احتفالية سينمائية استثنائية بغياب معظم الأفلام المهمة، في ظل تكفّل السفارات والجهات الرسمية بإحضار افلام بلدانها، ما يعني استثناء ابرز المخرجين الآسيويين الذين حققوا افلامهم في اوروبا، خصوصاً الأفلام الصينية والإيرانية، وهذه الأخيرة تمثلها عادة "مؤسسة الفارابي" الرسمية، ما يحرم الجمهور السوري نتاجات عباس كيروستامي ومحسن مخملباف لمصلحة مخرجين اقل موهبة. جائزة للابن ومن طرائف المهرجان في دورته التاسعة، انه استقبل المخرج التشيلي ميغيل ليتين رئيساً للجنة التحكيم، وقرر ليتين احضار ابنه معه، وهو سينمائي شاب صوّر فيلماً قصيراً، لم يلفت انتباه أحد. في ختام المهرجان، اخترعت الادارة جائزة خاصة لابن ليتين، تكريماً للأب الذي قطع مسافات طويلة للمشاركة في المهرجان، ولكسب ودّ "مخرج صديق ومناضل من اميركا اللاتينية"، على طريقة "المناسف العربية"! الدورة الثانية عشرة التي تبدأ غداً 3 الى 10 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، تعقد في ظروف مختلفة. فهي الدورة الأولى للادارة الجديدة برئاسة الناقد محمد الأحمد خلفاً لمروان حداد، وفي ظل قيادة جديدة لوزارة الثقافة، وقيادة جديدة للحكومة والبلاد. وقد قررت اللجنة التنظيمية العليا للمهرجان التي تترأسها وزيرة الثقافة مها قنوت، اطلاق صفة "الدولية" على المهرجان، بعد ان كان محصوراً في بلدان العالم الثالث. ويوضح مدير المهرجان سبب هذا التحول بقوله: "قررنا ان يكون المهرجان دولياً مفتوحاً على سينمات العالم، وليس معنياً فقط بسينما العالم الثالث، وأصبح شعاره لهذه الدورة "السينما تجدد شبابها" لأن الشعار السابق للمهرجان "من اجل سينما متقدمة ومتحررة"، كان يعرّضنا دوماً للتساؤل والتهكم من جانب بعض السينمائيين، كونه، في رأيهم، "بلا معنى"، خصوصاً ان السينما، بداهة، مرتبطة بالتحرر. الأمر الآخر الذي سوف يشهده المهرجان، هو اطلاق "سوق الفيلم" التي لم تكن موجودة في الدورة السابقة. ففي سورية اليوم، مناخ سياسي جديد، ووزيرة ثقافة جديدة، منفتحة وترغب في تقديم الدعم لنا في شكل حقيقي، وهي رأت معنا ضرورة تطوير المهرجان، وكنت دوماً من المنادين بضرورة تطوير المهرجان ليواكب روح العصر، ومن هنا كان التخطيط لتحقيق نقلة نوعية حقيقية على الصعد كافة. الرقابة غائبة وأضاف مدير المهرجان انه "وقع الاختيار على تسع صالات سينما لعرض مختلف تظاهرات المهرجان، كما ستقام صالة خاصة في فندق "الشام"، مقر اقامة الوفود، لتغطية العروض الخاصة بالنقّاد والصحافيين، اما بالنسبة الى الرقابة، فلن تتعرض الافلام المشاركة الى اي حذف او قص كما جرت العادة، فإما ان يُعرض الفيلم كاملاً او يُستبعد، بسبب من سويته الفنية او الاساءة الى القضايا القومية والمعتقدات الدينية". وسيشهد حفل الافتتاح عرض الفيلم الايطالي "غرفة الابن" للمخرج ناني موريتي، الحاصل على السعفة الذهب في مهرجان "كان" الأخير. وقال الفنان جمال سليمان المشرف على حفلي الافتتاح والختام: "ان حفل الافتتاح سيعتمد البساطة والتكثيف، وسيوجه تحية الى السينمائيين الراحلين سعاد حسني وأنطوني كوين ووالتر ماثيو وجاك ليمون، ضمن اسكتش غنائي راقص، كتبته ريم حنا ولحّنه غدي الرحباني، وتؤدّيه فرقة "إنانا" بمشاركة الفنانين اندريه سكاف وكاريس بشار". ويشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان نحو 20 دولة عربية وأجنبية ب24 فيلماً، ومن الدول العربية التي ثبتت مشاركاتها: المغرب بفيلم "السر المطروز" لعمر شرايبي، وتونس بفيلم "فاطمة" لخالد غربال، ولبنان بفيلم "طيف المدينة" لجان شمعون، ومصر بفيلمي "الساحر" لرضوان الكاشف، و"مواطن ومخبر وحرامي" لداود عبدالسيد، اما المشاركة السورية فستكون الأكبر، وتتمثل بشريطي "الطحين الأسود" لغسان شميط و"قمران وزيتونة" لعبداللطيف عبدالحميد. وفي مسابقة الأفلام القصيرة اربعة اشرطة هي "دواليك" لبسام كوسا، و"رقصة مع الشمس" لنضال دوجي، و"لحظة فرح" لوليد حريب، و"الحركة الخامسة" لباسل الخطيب. وفي تظاهرة "مهرجان المهرجانات" ستعرض مجموعة من الافلام العالمية التي حازت جوائز في المهرجانات العربية والدولية، وأبرزها: "هاري هنا للمساعدة" و"أحب بودابست" و"لومومبا" و"ساحة موسكو". ومن الافلام العربية "علي زاوا والآخرون" لنبيل عيوش، و"موسم الرجال" لمفيدة التلاتلي، و"أرض الخوف" لداود عبدالسيد، و"الأبواب المغلقة" لعاطف حتاته. ويخصص المهرجان تظاهرة للسينما المصرية المنتجة بين عامي 2000 و2001، وتضم 13 فيلماً، ابرزها: "عمر 2000" لأحمد عاطف، "اسرار البنات" لمجدي احمد علي، "النعامة والطاووس" لمحمد ابو سيف، "حبيبتي من تكون" ليوسف فرنسيس، "علشان ربنا يحبك" لرأفت الميهي و"أصحاب وإلا بيزنس" لعلي ادريس. ومن المقرر تكريم عادل امام وعرض فيلمه الجديد "امير الظلام" في احتفالية خاصة. وهناك استعادة للسينما السورية تحت عنوان "المرأة والأرض" وتشمل 20 فيلماً، ابرزها: "الفهد" لنبيل المالح، "نجوم النهار" لأسامة محمد، "الليل" لمحمد ملص"، "اللجاة" لرياض شيا، "ليالي ابن آوى" لعبداللطيف عبدالحميد، "صهيل الجهات" لماهر كدو، و"كفرون" و"الحدود" لدريد لحام. ولمناسبة مرور مئة عام على ولادة المخرج الاسباني لويس بونويل، ستقام تظاهرة خاصة لأبرز افلامه. من العالم كله وهناك تظاهرات خاصة بالسينما الايطالية والسينما الروسية، والسينما الأميركية المستقلة، والسينما اليابانية، اضافة الى تظاهرة خاصة بأفلام المخرج النمسوي بيتر باتساك الذي اختير رئيساً للجنة التحكيم في المهرجان، وهو من مواليد 1945 في فيينا، وأخرج ما يقارب 80 فيلماً سينمائياً وتلفزيونياً منذ مطلع السبعينات، ابرزها "الموقف" و"كاسباخ" و"الجولة الأخيرة" و"موت تلميذ"، وتتسم افلامه بالسخرية والتشريح الاجتماعي وإبراز تناحر الطبقات الاجتماعية، وسرد هموم الانسان ومشكلاته والتأثيرات السياسية والاجتماعية في حياة البشر وصراع الأجيال. وتألفت لجنة التحكيم التي يترأسها باتساك، من المخرجة الأرجنتينية كريستينا فاسولينو، والمخرج اليوناني نيكوس هونداروس، ومدير مهرجان مانس في بلجيكا اندريه كودريك، والمخرج الألماني رانير سيمون، والمنتج الفرنسي انزاليه، والممثلة المصرية نبيلة عبيد، والممثلة المغربية فاطمة خير، والسورية رغدة، والفنان التشكيلي السوري احمد معلا مصمم ملصق المهرجان. وفي قائمة المكرمين لهذه الدورة: بيتر باتساك، والسيناريست المصري عبدالحي اديب صاحب سيناريو فيلم "باب الحديد" ليوسف شاهين ونحو 50 فيلماً آخر، والموسيقار السوري سهيل عرفة الذي اسهم في تقديم الموسيقى التصويرية لعشرات الأفلام السورية، والممثل السوري محمد خير حلواني بطل فيلم "المخدوعون" لتوفيق صالح. ولعل ما يسجل لمهرجان دمشق السينمائي، اهتمامه بالثقافة السينمائية، إذ أطلق منذ سنوات سلسلة من الاصدارات السينمائية بعنوان "الفن السابع"، ووصل عددها اليوم الى نحو 35 عنواناً، وسوف يوزع المهرجان على ضيوف هذه الدورة عناوين جديدة، نذكر منها: "بائعة الاحلام" لغابرييل غارسيا ماركيز وترجمة صالح علماني، و"أنا فيليني" ترجمة عارف حديفة، و"فلسفة الصورة" لجيل دولوز وترجمة حسن عودة، و"بناء الرؤية" لأنطونيوني وترجمة أبية حمزاوي، و"صورة المرأة في السينما السورية" لواحة الراهب. غداً، إذاً، سوف يكون الجمهور السوري على موعد جديد مع مهرجان السينما، وهي فرصة استثنائية لمشاهدة نحو 180 فيلماً، تمثّل تيارات وأطيافاً سينمائية متعددة، طالما حُرم هذا الجمهور من مشاهدتها، نظراً الى إحجام اصحاب الصالات عن استيراد الافلام الحديثة. لكن السؤال الذي سيطرح نفسه بقوة على المشاهد: هل تستطيع صالات متهالكة، لم تجر صيانتها منذ سنوات طويلة، تحقيق فرجة لائقة؟ وهل سيعود طقس السينما من جديد، لمجرد اعادة الروح للسينما في ثمانية ايام فقط، هي فترة المهرجان؟