136 محطة ترصد هطول أمطار في 9 مناطق    الخارجية الفلسطينية تدين التصريحات التحريضية الإسرائيلية على الفلسطينيين وتدمير الضفة الغربية    استئناف الرحلات الدولية في مطار دمشق    مركز الملك سلمان للإغاثة يوزع مساعدات إغاثية متنوعة في بلدة نصيب بمحافظة درعا السورية    خادم الحرمين يصدر أمرًا ملكيًا بتعيين 81 عضوًا بمرتبة مُلازم تحقيق على سلك أعضاء النيابة العامة القضائي    تعليم القصيم يطلق حملة "مجتمع متعلم لوطن طموح"    نائب أمير تبوك يطلع على نسب الإنجاز في المشروعات التي تنفذها أمانة المنطقة    أمير الشرقية يستقبل رئيس وأعضاء جمعية أصدقاء السعودية    جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تطلق برنامج «راية» البحثي    بلدية الخبر تواصل مشاريع التنمية بأكثر من 107 مشروع تنموي    التشكيل المتوقع لمواجهة الهلال والإتحاد    الاتحاد الآسيوي لكرة القدم يعلن مواعيد وملاعب كأس آسيا "السعودية 2027"    رئيس جمهورية التشيك يغادر جدة    ارتفاع أسعار الذهب إلى 2644.79 دولارًا للأوقية    "الأرصاد": رياح شديدة على منطقة تبوك    لياو: شكرًا لجماهير الرياض.. وإنزاغي يؤكد: الإرهاق سبب الخسارة    اللجنة المنظمة لرالي داكار تُجري تعديلاً في نتائج فئة السيارات.. والراجحي يتراجع للمركز الثاني في المرحلة الثانية    عبد العزيز آل سعود: كيف استطاع "نابليون العرب" توحيد المملكة السعودية تحت قيادته؟    البشت الحساوي".. شهرة وحضور في المحافل المحلية والدولية    القطاع الخاص يسدد 55% من قروضه للبنوك    6 فوائد للطقس البارد لتعزيز الصحة البدنية والعقلية    5 أشياء تجنبها لتحظى بليلة هادئة    السعودية تبدأ أول عملية بيع سندات في عام 2025    سفير فلسطين: شكراً حكومة المملكة لتقديمها خدمات لجميع مسلمي العالم    الذكاء الاصطناعي ينجح في تنبيه الأطباء إلى مخاطر الانتحار    أمطار جدة: الأمانة تتحرك.. الهلال الأحمر يتأهب.. والمطار ينصح    وزيرا الصحة و«الاجتماعية» بسورية: شكراً خادم الحرمين وولي العهد على الدعم المتواصل    سلمان بن سلطان يستقبل اللهيبي المتنازل عن قاتل ابنته    هندي ينتحر بسبب «نكد» زوجته    النائب العام يتفقد مركز الحماية العدلية    في ربع نهائي كأس خادم الحرمين الشريفين.. كلاسيكو مثير يجمع الهلال والاتحاد.. والتعاون يواجه القادسية    جلوي بن عبدالعزيز يُكرِّم مدير عام التعليم السابق بالمنطقة    بداية جديدة    أهمية التعبير والإملاء والخط في تأسيس الطلبة    ليلة السامري    تنامي السجلات التجارية المُصدرة ل 67 %    العداوة الداعمة    بلسان الجمل    محافظ الطائف: القيادة مهتمة وحريصة على توفير الخدمات للمواطنين في مواقعهم    «شاهقة» رابغ الأقوى.. المسند: خطيرة على السفن    احتياطات منع الحمل    البلاستيك الدقيق بوابة للسرطان والعقم    جهاز لحماية مرضى الكلى والقلب    أمير حائل يفتتح «مهرجان حرفة»    سورية.. «خارطة طريق» نحو الاستقرار    القيادة رسمت مسار التنمية المستدامة والشاملة    وزير الخارجية يناقش المستجدات الإقليمية مع نظيره الأمريكي ومع آموس الوضع في لبنان    "رافد للأوقاف" تنظم اللقاء الأول    صافرة الفنزويلي "خيسوس" تضبط مواجهة الهلال والاتحاد    لماذا الهلال ثابت ؟!    مكة الأكثر أمطاراً في حالة الإثنين    العالم يصافح المرأة السورية    حماية البذرة..!    سوريا بين تحديات إعادة الهيكلة وتصاعد التوتر في الجنوب    «أبوظبي للغة العربية» يعزّز إستراتيجيته في قطاع النشر    الأمير سعود بن نهار يزور مركزي" السيل والعطيف" ويقف على الأسكان التنموي والميقات.    أمير الشرقية يستقبل سفير السودان ومدير الجوازات    غارات الاحتلال تودي بحياة عشرات الفلسطينيين في غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألف وجه لألف عام - "مفكر" رودان يتوسط "أبواب الجحيم"
نشر في الحياة يوم 11 - 05 - 2003

اذا استثنينا بعض التماثيل والمنحوتات الكبيرة العائدة الى عنصر النهضة الايطالي، يمكننا ان نقول ان تمثال النحات الفرنسي رودان، المعروف ب"المفكر" هو الأشهر والأكثر شعبية بين شتى التماثيل المنصوبة في أنحاء العالم... وهو شهير الى درجة ان من أوائل الاسئلة التي تطرح على متحدث زار فرنسا هي: "هل شاهدت برج ايفل؟ هل شاهدت قوس النصر؟ هل شاهدت تمثال المفكر؟".
والحال ان شهرة "المفكر" الفائقة جعلت الناس جميعاً يتخيلون انه تمثال مستقل قائم في ذاته. ومن هنا تكون مفاجأتهم كبيرة حين يخبرهم الزائر ان التمثال لا وجود مستقلاً له: انه جزء من كل يفوقه حجماً وأهمية. وإن لم يفقه شهرة بالطبع.
ذلك ان "المفكر" يشكل الجزء الأساسي والمركزي في منحوتة ضخمة ومدهشة لرودان تحمل اسم "الأبواب". وهي منحوتة على شكل باب ضخم يبلغ ارتفاعها اكثر من ستة أمتار وعرضها نحو تسعة وعمقها قرابة المتر.
أما "المفكر" فإنه تمثال يعلو المنحوتة، شاغلاً وسط جزئها الفوقي وبالكاد يصل ارتفاعه الى مترين. لكنه، على اي حال، القطعة الأبرز في العمل الإجمالي.
و"الأبواب" المعنية هنا، هي أبواب الجحيم، التي صورها رودان في منحوتته استناداً الى قراءته المعمقة للقسم المتعلق بالجحيم في "الكوميديا الانسانية" لدانتي. وظل رودان يعمل على هذه المنحوتة طوال ما يقرب من اربعين عاماً. بل إنه حينما أنهى أيامه كان لا يزال يرى انه ابداً لم ينجز ذلك العمل، ولا يزال لديه ما يريد بعد ان يضيف. والحال ان "الأبواب" هو من تلك الأعمال التي يمكن لصاحبها ان يعلن انها منجزة في أي لحظة، كما يمكنه ان يعلن انه عمل لا يمكن ان ينجز أبداً. ومع هذا يمكننا ان نراه اليوم منتصباً، دالاً على عبقرية رودان وجهده الفني... ولكن ايضاً على نظرته المتشائمة والسوداوية الى الشرط الانساني. اذ، إن كان لنا ان ننظر الى "المفكر" وتأمله العميق بشيء من الإعجاب والحيادية، اذا اخذناه بمفرده، فإن علينا، حينما نأخذه في إجمالية العمل، ان نجده معبراً عن وجهة نظرنا في المصير والشرط الانسانيين. اذ، أمام مثل هذا العمل، ككل، لا يعود في وسعنا الا ان ننظر اليه بصفته وصية لرودان تعكس لنا ايمانه بأن الجحيم ليس بؤرة يتعذب فيها الأموات فقط، بل إنه يشكل عذاباً للأحياء أيضاً: الجحيم هو ملكوت الآمال الخائبة والمساعي الجوفاء والأحلام والأهواء التي لا يمكن لها أبداً ان تتحقق. ومن هنا يبدو العمل صورة لخيبة الانسان ودماره النهائي.
واللافت حقاً هو ان رودان استطاع ان ينقل هذه الرؤية الى عمل لم يكن ذاتياً في الأصل. فالعمل كان رودان قد أوصى على صنعه في 1880 ليشكل مدخلاً لمشروع اقامة متحف لفنون الديكور. ولما كان رودان خلال تلك الفترة من حياته منكباً حقاً على قراءة دانتي غائصاً في حال تتراوح بين معاناة شخصية وجودية، وإحساس بالتشاؤم ازاء المصير الانساني، قرر ان يجعل من ذلك العمل الموصى عليه، صورة لانشغالاته في ذلك الحين. وهكذا بدأ عمله من دون ان يشعر، في لحظة من اللحظات، ان عليه ان يتممه.
ومن هنا شغل هذا العمل النصف الأخير من حياة رودان بأسرها. ولا بد من ان نذكر هنا بأن النصب البرونزي القائم حالياً انطلاقاً من عمل رودان ومنحوتاته المتتالية، لم يصب الا بعد رحيله، بمعنى ان رودان لم يتمكن ابداً من مشاهدة هذا العمل كما يمكن لنا نحن اليوم ان نشاهده. فهو في الأصل راح يشتغل على المنحوتات قطعة قطعة، يشكلها ويرتبها ويعيد ترتيبها في ما بينها، مثل موسيقي يشتغل على جمله الموسيقية منقلاً اياها بين الحركة والاخرى تبعاً للمعنى الذي يتوخاه... بل لا بد من ان نذكر هنا أن عدداً من تلك المنحوتات الصغيرة التي ادمجها في العمل ككل، سيعود خلال فترات لاحقة من حياته وعمله الى استخدامها كأساس لمنحوتات اخرى مستقلة له. غير ان هذا لا يعني ابداً ان الترتيب الذي توخاه للشخوص في اطار العمل ككل، كان عشوائياً... بل انه كان مخططاً سلفاً، لكن اعادة الترتيب كانت أمراً اقتضاه مزاج رودان المتقلب خلال العقود التالية من حياته.
والعمل ككل يبدو لنا وكأنه مقسوم قسمين، من ناحية معناه: فهناك الشخوص التي تعاني من جحيمها، من دون ان نعرف حقاً ما اذا كان جحيماً بعد الموت أو قبله، وهناك ذلك الشخص المركزي "المفكر" الذي يبدو في جلسته، اكثر حياة وحضوراً، ويبدو كما لو انه يتأمل في المشهد ليحكم عليه وعلى مآل الانسان في شكل عام.
والحقيقة هي ان "المفكر" نفسه لطالما كان لغزاً شغل المحللين والمؤرخين: فمن هو؟ وماذا يفعل هنا؟ لقد خلص هؤلاء الى انه كان على الأرجح رودان نفسه، اذ صور عبر شخصيته قدرة الانسان على مجابهة جحيمه بفعل استخدامه لعقله وملكة الابداع لديه بصفتهما آخر سلاح يمكنه ان يقاوم ليحتفظ بانسانيته وسط عالم - وجحيم - لا يكف عن انتزاع انسانيته منه. ف"المفكر" هنا يبدو في تأمله وكأن همه الوحيد ان يحكم على نفسه وعلى اخوانه في الانسانية. والمدهش هنا هو ان رودان صور، عبر فعل التفكير وحده، قدرة هذا الفعل على تحريك جسد "المفكر" وجعله مملوءاً بالقوة والحيوية والوجود، ولكأنه في هذا يترجم بصرياً مقولة ديكارت الشهيرة "أنا أفكر اذاً أنا موجود".
اوغوست رودان 1840-1917 هو أشهر المبدعين في فن النحت الفرنسي، ومن أشهر النحاتين في تاريخ هذا الفن في العالم، ولد وعاش في باريس وانتمى منذ سن الرابعة عشرة الى مدرسة الفنون التزيينية في العاصمة الفرنسية. انصرف الى الرسم والنحت باكراً. عاش حياة مضطربة وقلقة، توج قلقه فيها علاقته مع زميلته كاميل كلوديل وهي علاقة عبّر عنها في شكل رائع فيلم فرنسي مثله جيرار ديبارديو وايزابيل أدجاني.
اشتهرت لرودان تماثيل عدة، أبرزها، طبعاً "المفكر" و"الأبواب" في شكل عام. وهناك ايضاً تمثال "القبلة" وتمثال "فيكتور هوغو" و"بلزاك" اضافة الى الكثير من المنحوتات الدينية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.