بينما كان العالم مشدوداً أمس الى شاشات التلفزيون لمتابعة سير المعارك في ضواحي ميناء أم القصر ومشارف مدينتي البصرة والناصرية، تابعت قوة ضخمة مؤلفة من أكثر من مئة وخمسين دبابة وناقلة جند وعربة مصفحة طريقها وبسرعة كبيرة نحو العاصمة بغداد. ويتم التقدم الأميركي على محورين: الأول يشمل فرق مشاة البحرية، ويتم على طريق سريع الى شمال الديوانية باتجاه بغداد. المحور الثاني يضم فرقة المشاة الثالثة التي تتجه عبر الصحراء غرب النجف نحو العاصمة. ويقدر الخبراء العسكريين أن هاتين القوتين ستلتقيان خلال ساعات في منطقة كربلاء للتجمع تحضيراً للبدء بعملية تطويق العاصمة. ولا يبدو أن المقاومة التي أبداها العراقيون في مدن الجنوب قد أثّرت كثيراً في الخطة الرئيسية للهجوم، إلا أنها ستؤثر حتماً في جدولها الزمني، وذلك حسب مسؤول عسكري أميركي رفض الكشف عن اسمه. وتقول مصادر مطلعة في بغداد أن بعض ألوية الحرس الجمهوري موجودة في محيط كربلاء وتشكل خط الدفاع الأول عن العاصمة، ما يعني أن الصدام العسكري الأول قد يحدث بين نخبة الجيش العراقي والأميركيين في كربلاء. ولا يستبعد المحللون أن تعمد بغداد الى جعل كربلاء ساحة المواجهة الكبرى كونها تتلاقى وفكر النظام العراقي الذي يسعى الى اعطاء حربه ضد الأميركيين معاني وأبعاداً اسلامية وعربية شتى. من جهة اخرى لا يزال الغموض يكتنف الوضع في غرب العراق حيث تحاول فرق من القوات الخاصة الأميركية منذ يومين السيطرة على قواعد جوية تعرف بأسماء رمزية: H1 و H2 و H3. وحسب العميد المتقاعد من سلاح الجو الأردني موسى القلاب، الذي خدم في أحدى هذه القواعد أواخر الثمانينات، فإن هذه القواعد تحتوي على مجموعة مدارج للطائرات ومراكز أساسية للقيادة والسيطرة والرادار مخولة أساساً مهمات الدفاع الجوي ضد أي خطر قادم من اسرائيل. ويقول العميد القلاب أن رادارات هذه القواعد تستطيع كشف أهداف في العمقين السوري والاردني، كما أن هذه القواعد محمية من جانب فرق مشاة ومدرعات بالاضافة الى بطاريات الدفاع الجوي. وفي حين أكد الأميركيون أنهم يسيطرون على أحدى هذه القواعد، أفاد شهود أن فرق القوات الخاصة الأميركية لم تتمكن من السيطرة بشكل تام على أي من هذه القواعد وأنها تلقى مقاومة شديدة من جانب القوات العراقية هناك. وتجدر الاشارة الى أن فرق القوات الخاصة الأميركية تبحث منذ فترة في غرب العراق عن منصات لاطلاق صواريخ "سكود" التي قد تهدد اسرائيل، إلا أنهم لم يجدوا شيئاً حتى الآن، حسب اعتراف مسؤولين أميركيين في قاعدة السيلية في الدوحة. وينظر المراقبون باهتمام الى تأثير معارك اليوم الثالث للهجوم البري على الطرفين، اذ بدا الجانب العراقي أكثر ارتياحاً نتيجة الصور التي بثتها شاشات التلفزيون مظهرة جنوده في مدن جنوبية عدة يقاومون الأميركيين بإسلوب حرب عصابات أعاد الى الأذهان صور القوات الاسرائيلية وهي تهاجم معاقل المقاتلين الفلسطينين في الضفة الغربية وقطاع غزة. ويتوقع خبراء أن تدعم هذه الصور معنويات المقاتلين العراقيين في أماكن عدة وتدفعهم الى مقاتلة الأميركيين على رغم تفوق الأخيرين بشكل كبير وملحوظ. كما أن المعلقين الغربيين خلال تقويمهم لليوم الثالث أبدوا دهشتهم ازاء حجم المقاومة العراقية التي خالفت توقعات لندن وواشنطن بأن العراقيين، خصوصاً في الجنوب، سيستقبلون جنود التحالف استقبال المحررين. الا أنهم اليوم يستقبلون استقبال الغزاة، مما يضعف مصداقية القيادتين البريطانية والأميركية أمام الرأي العام في بلديهما مع طول الحرب وسقوط المزيد من القتلى بين الجنود الأميركيين والمدنيين العراقيين.