عندما يسمع الشعب الأميركي كلمة "حرب"، فإن أول ما يتخيله هو أنها حرب خارج حدوده، وليس على أرضه. فهي حرب بعيدة آلاف الأميال، لا يسمع الأميركيون صوتها، ولا يشمون رائحتها، ولا يرون ولا يشاهدون رحاها ولا ويلاتها. إنما يسمعون عنها في وسائل الإعلام، وشبكات التلفزة، ولا يرون منها إلا ما يسمح به البنتاغون/ وزارة الدفاع من مشاهد، سيما إذا كان الجيش الأميركي طرفاً في تلك الحرب. فهم لم يروا قط دبابات تتدحرج وتسير في شوارعهم ومدنهم، فتترك علامات وآثاراً في الإسفلت. ولم يروا، ولم يسمعوا هدير الطائرات الحربية المعادية وهي تلقي قنابلها الثقيلة على البُنى التحتية، في المدن وما حولها. ولم يعرفوا سقوط صواريخ هنا أو هناك. فلا غرو أنهم فقدوا صوابهم جراء ما حدث في نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001. ذلك أنهم رأوا ما لم يروه من قبل. فالحرب وخسائرهم في الأرواح، في حروبهم، من الجيش أو البحرية. فلا خسائر بين المدنيين. بينما معظم خسائر الشعوب والدول التي خاضت حروباً ضد أميركا كانت من المدنيين. وما حدث في أوروبا واليابان وكوريا وفيتنام، والعراق عام 1991، خير دليل على ذلك. ففي هذه الحروب قضى مئات الآلاف من المدنيين الذين راحوا ضحية الغطرسة والجبروت الأميركيين. فقُتل من المدنيين في حرب فيتنام ما يزيد عن المليون قتيل طبعاً الرقم أكبر من ذلك بكثير، الى ستة ملايين ونصف مليون لاجئ فيتنامي. وما خسرته اليابان من المدنيين في الحرب العالمية الثانية، على أيدي الأميركيين، يزيد بكثير عما خسره الفيتناميون أو الكوريون. والله تعالى وحده يعلم كم خسر إخواننا العراقيون من المدنيين عام 1991، وإن كان هناك اعتقاد أنهم يعدون مئات الآلاف. فلا عجب أن تجد المؤيدين للحرب على العراق من الأميركيين تزيد نسبتهم بكثير عن المؤيدين للحرب من الأوروبيين. وقبل خطاب بوش عن حال الاتحاد، في 28/1/2003، كان 42 في المئة من الأميركيين يؤيدون الحرب على العراق، بحسب الاستطلاعات. وبعد الخطاب ارتفعت النسبة الى 61 في المئة. ولو قام جورج دبليو بوش بتكثيف خطاباته في شأن الحرب على العراق، فقد يرفع نسبة مؤيدي الحرب الى أكثر من ثمانين أو تسعين في المئة. فشعب مثل هذا الشعب، الذي يمكنه تغيير آراء نسبة كبيرة فيه بمجرد إلقاء خطاب هنا أو هناك، لا يمكن أن يُرجى منه شيء إيجابي لإيقاف طيش حكامه وحواشيهم. ولن يتوقف الأميركيون عن هذا الاندفاع إلا إذا أصبحوا ينظرون الى الحرب كما تنظر إليها بقية شعوب الأرض. كولورادو الولاياتالمتحدة - محمد أمين سلامة سجن ADX الانفرادي الفيديرالي - وحدة E