بعدم انسحابه كلياً من الحياة السياسية وبوضعه رجال ثقة في مراكز أساسية في هرمية الدولة يرغم الرئيس الصيني المنتهية ولايته جيانغ زيمين خلفه هو جينتاو على الحكم في ظل نظام تعايش قسري غير واضح الملامح. وبدا يوم أمس بمثابة تتويج لهو جينتاو بعدما أصبح المسؤول الأول في النظام الشيوعي الصيني قبل أربعة أشهر ليتبوأ أعلى مناصب الدولة. لكن ستبقى أيضاً من هذا اليوم الذي نظمه الحزب الشيوعي الحاكم منذ أشهر بعناية فائقة في الذاكرة خروج جيانغ زيمين الخادع من الحياة السياسية. فكما كان يرغب، يبقى الزعيم السابق للحزب طوال 13 عاماً ورئيس الدولة طيلة عشرة أعوام، قائداً أعلى للجيش وهو منصب أولوي في الصين. ويعتقد المحللون بأن هذا التقاعد الجزئي المعلن قد يثير كثيراً من المتاعب لخلفه. وقال ديفيد زويغ الخبير السياسي في هونغ كونغ: "إن القواعد حددت أثناء المؤتمر ال16 للحزب الشيوعي الصيني في تشرين الثاني/نوفمبر لكي يستشار جيانغ في الملفات الكبرى. وهو تقليد يعود إلى عهد ماوتسي تونغ ويقضي بأن يعطي القدامى رأيهم، أو حتى أوامرهم". وأوضح زويغ أن "جيانغ سيحتفظ بنفوذه على الجيش وأيضاً على السياسة الخارجية. وهنا يكمن التناقض لأن السلطة ليست في حاجة إلى بنادق في زمن السلم". وفي الواقع يفترض أن يعكس الإجراء الذي بدأ في مؤتمر الحزب الشيوعي في تشرين الثاني مرحلة انتقالية هادئة، وهي ظاهرة نادرة منذ تأسيس الصين الشيوعية عام 1949. لكن هامش المناورة أمام "الجيل الرابع" بحسب تعريف الدعاية السياسية للقادة الشيوعيين يبدو ضيقاً لا سيما بالنسبة إلى الأول بينهم. وفي هذا الصدد قال الخبير الأميركي أندرو ناتان: "إن إحساسي هو أن هو جينتاو قد يسعى إلى خوض تجارب جديدة لكن جيانغ سيجد السبل لوضع العصي في العجلات". وأضاف صاحب كتاب "تشايناز نيو ليدرز" قادة الصين الجدد: "اعتقد بأن نفوذ جيانغ سيعوق عمل هو الإصلاحي في مجال الإعلام والقضاء أو النظام الانتخابي". ولعرقلة عمل هو في إمكان جيانغ أن يعتمد على اثنين من المقربين منه، زينغ كينغهونغ نائب رئيس الجمهورية وعلى وو بانغو رئيس الجمعية الوطنية، وكلاهما أعضاء في القيادة المصغرة للحزب وقد فرضهما الرجل الأول السابق لتبوؤ مناصب جديدة في أجهزة الدولة. ويرى الكثير من الديبلوماسيين المعتمدين في بكين أن ما من شك في أن جيانغ 76 عاماً يرغب في إنهاء حياته المهنية كزعيم كبير مثل دينغ هسياوبينغ. لكن بعض المراقبين يسألون عن قدرته على الاحتفاظ بسلطة حتى داخل مؤسسة الجيش. وإلى ذلك ثمة عنصر مجهول آخر وهو مقدرة هو جينتاو على قيادة سفينته عبر أمواج ما زال من المبكر قياس ارتفاعها وقوتها أكان على الصعد السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية. ويظل هو جينتاو الذي عرف كيف ينتظر ساعته بأناة وصبر طوال سنين مديدة شخصية غامضة. لكنه، على غرار جيانغ الذي لم يتوقع أي خبير بقاءه هذه الفترة الطويلة في الحكم، قد يفاجئ الجميع ويتخلص بأسرع وقت ممكن من نفوذ سلفه.