شنت انقرة حملة شعواء على النشاط السياسي للأكراد في اراضيها. وحظر القضاء التركي حزباً رئىساً للاكراد، ومنع عشرات من اعضائه الاساسيين من مزاولة اي نشاط سياسي وصادر ممتلكاته، فيما طلب الادعاء التركي حظر حزب كردي ثان. وتزامن ذلك مع المساعي لبلورة حكومة برئاسة زعيم حزب العدالة والتنمية رجب طيب اردوغان، في وقت يستعد الجيش لإرسال حشود عسكرية ضخمة الى معاقل الاكراد جنوب شرقي الاناضول في اطار حرب محتملة على العراق. كما لوحظ ان القرار جاء بعد حض البرلمان الاوروبي تركيا على منح الاقلية الكردية فيها مزيداً من الحقوق السياسية، وانتقاد المحكمة الاوروبية الحكم "غير المنصف" بحق زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله اوجلان. قررت المحكمة الدستورية التركية امس، حظر حزب "ديموقراطية الشعب" ابرز الاحزاب التي تمثل الاقلية الكردية في البلاد، لاتهامه بإقامة صلات مع "المتمردين" الاكراد في جنوب شرقي البلاد، بحسب ما اعلن وزير العدل مصطفى بومين. وقال بومين ان المحكمة اعتبرت انه "بعد درس الأدلة، تم التوصل الى خلاصة مفادها ان حزب ديموقراطية الشعب تحول الى مركز نشاطات يمس بوحدة الدولة عبر دعمه ومساعدته حزب العمال الكردستاني المحظور". كذلك قررت المحكمة منع 46 عضواً في الحزب من بينهم زعيمه مراد بوزلاك من ممارسة اي نشاط سياسي لفترة خمس سنوات، وأمرت بمصادرة ممتلكات الحزب. وكان مدعي عام التمييز بدأ اجراءات الحظر ضد حزب "ديموقراطية الشعب" في 1999، متذرعاً ب"علاقات عضوية" بين الحزب المذكور وحزب العمال الكردستاني. وفي الوقت نفسه، طلب المدعي العام التركي صابح كانادوغلو من المحكمة الدستورية حظر نشاط حزب كردي ثان، هو حزب "الشعب الديموقراطي". ولم تعرف الاسباب التي استند اليها المدعي العام لفتح تحقيق ضد هذا الحزب. وجاء ذلك بعد نصف ساعة من اعلان المحكمة الدستورية حظر حزب "ديموقراطية الشعب" لاتهامه بإقامة صلات مع الانفصاليين الاكراد. وتربط الحزبين صلات وثيقة. وخلال الانتخابات العامة الاخيرة التي جرت في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، لقي حزب الشعب الديموقراطي تأييداً قوياً من حزب ديموقراطية الشعب ولكنه لم يحصل على اي مقاعد في البرلمان. ومن شأن الخطوة التي اتخذت امس، أن تضم حزب الشعب الديموقراطي الى لائحة طويلة من الاحزاب التي حظرتها تركيا، على رغم انتقادات من الغرب لاعتبارات متعلقة بالديموقراطية. وينفي حزب ديموقراطية الشعب وجود اي صلة مباشرة له مع حزب العمال الكردستاني الذي خاض مقاومة مسلحة بهدف حصول الاكراد على حكم ذاتي في جنوب شرقي تركيا. الوضع اقليمياً... وأوروبياً ولاحظ مراقبون ان التحرك الاخير من جانب القضاء الذي تسيطر عليه المؤسسة العسكرية، يأتي في ظل التطورات المتلاحقة في المنطقة، في وقت يستعد الجيش لإرسال عشرات الآلاف من الجنود الى معاقل الاكراد جنوب شرقي الاناضول المحاذي للحدود مع شمال العراق، في اطار الحرب المقبلة. ورأى مراقبون ان انقرة تتخوف من موجة نزوح من شمال العراق في اتجاه اراضيها، في وقت تحاول لعب دور في شمال العراق للحيلولة دون قيام دولة كردية مستقلة هناك، يكون تأثيرها كبيراً جداً في اشعال انتفاضة محتملة في معاقل الاكراد داخل اراضيها. وتأتي الحملة القضائية على الاحزاب الكردية في وقت يعمل زعيم حزب العدالة والتنمية الحاكم رجب طيب اردوغان على تشكيل حكومة جديدة، تضع في مقدم اولوياتها اقناع البرلمان بالتصويت على انتشار اميركي في الاراضي التركية تمهيداً للحرب المقبلة، وإزالة اي عراقيل او تهديدات ل"المصالح الاستراتيجية" لتركيا في المنطقة. كما تأتي في وقت صعد البرلمان الاوروبي انتقاداته لتعامل انقرة مع الاقلية الكردية، وحضه السلطات التركية على منح الاكراد حقوقهم السياسية والثقافية، في ما بدا مقدمة لمجموعة شروط تعتبرها تركيا "تعجيزية" لتحقيق طموحاتها في الانضمام الى الاتحاد الاوروبي. وكانت المحكمة الاوروبية انتقدت اول من امس، المحاكمة "غير المنصفة" لزعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله اوجلان المحكوم بالسجن مدى الحياة، ملمّحة بذلك الى وجوب اعادة محاكمته. ويبدو ان انقرة ادركت ان آفاق انضمامها الى الاتحاد الاوروبي باتت ملبدة بالغيوم اكثر من اي وقت مضى، خصوصاً بعد فشل المساعي الدولية لاقناع القبارصة الاتراك في السير بالحل الدولي لإعادة توحيد جزيرة قبرص، لذا رأى مراقبون ان الحملة الاخيرة على الاكراد قد تكون مؤشراً الى افتراق نهائي بين تركيا والاتحاد الاوروبي، لئلا يكون الإضرار بوحدة الاراضي التركية ثمناً لأي اصلاحات ديموقراطية تقرب انقرة من الاوروبيين.