ريفي ل«عكاظ»: زيارة عون للسعودية نقطة تحول في العلاقات اللبنانية - العربية    القمة العربية الطارئة بالقاهرة تبحث اليوم إعمار غزة دون تهجير    أكبر عذاب تعيشه الأجيال ان يحكمهم الموتى    المملكة ولبنان تؤكدان في بيان مشترك أهمية تعزيز العمل العربي والتطبيق الكامل لاتفاق الطائف    بالأرقام.. غياب رونالدو أزمة مستمرة في النصر    الإيمان الرحماني مقابل الفقهي    أرامكو السعودية.. أرباح قوية رغم التقلبات وتوزيعات نقدية ضخمة في 2024    موعد مباراة الأهلي والريان في دوري أبطال آسيا للنخبة    تراجع أسعار الذهب إلى 2892.00 دولارًا للأوقية    أبٌ يتنازل عن قاتل ابنه بعد دفنه    ترامب يبحث ملف المساعدات.. وروسيا تشدد مواقفها.. مساع أوكرانية – أوروبية لإصلاح العلاقات مع أمريكا    تاسي: 339.1 مليار ريال استثمارات الأجانب    وزير الدفاع يبحث مع نائب رئيس الوزراء السلوفاكي علاقات البلدين في المجال الدفاعي    أمير منطقة المدينة المنورة يستقبل المهنئين بشهر رمضان    قدموا للسلام على سموه وتهنئته بحلول شهر رمضان.. ولي العهد يستقبل المفتي والأمراء والعلماء والوزراء والمواطنين    في ذهاب ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا.. أتلتيكو مدريد لإنهاء عقدة الجار.. وأرسنال لتعويض خيبته المحلية    تعليق الدراسة وتحويلها عن بعد في عددٍ من مناطق المملكة    فيض من عطاء في بلد العطاء    مهرجان "سماء العلا" يستلهم روح المسافرين في الصحاري    مشروع الأمير محمد بن سلمان يطور مسجدًا تاريخياً عمره 100 عام    منعطف إجباري    عقوبات ضد الشاحنات الأجنبية المستخدمة في نقل البضائع داخلياً    غزارة الدورة الشهرية.. العلاج (2)    الأمير سعود بن نهار يستقبل المهنئين بشهر رمضان    نائب أمير منطقة مكة يطّلع على الخطط المستقبلية للمديرية العامة للسجون    ليالي الحاده الرمضانية 2 تنطلق بالشراكة مع القطاع الخاص    تعليم الطائف ينشر ثقافة الظواهر الجوية في المجتمع المدرسي والتعليمي    نائب أمير منطقة مكة يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    نائب أمير منطقة مكة يستقبل مدير عام فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة    قطاع ومستشفى تنومة يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للزواج الصحي"    أمير القصيم يرفع الشكر للقيادة على إعتماد تنفيذ مشروع خط أنابيب نقل المياه المستقل (الجبيل – بريدة)    والدة الزميل محمد مانع في ذمة الله    جمعية «أدبي الطائف» تعقد أول اجتماع لمجلسها الجديد    أمير الرياض يكرّم الفائزين في مسابقة الملك سلمان لحفظ القرآن الكريم    الشلهوب يُرزق بشيخة    محمد بن علي زرقان الغامدي.. وجه حي في ذاكرة «عكاظ»    نائب وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الوزاري التحضيري لمجلس جامعة الدول العربية    حرس الحدود ينقذ (12) شخصًا بعد جنوح واسطتهم البحرية على منطقة صخرية    "حديث السّحر" ماشفت ، ماسويت ، ماقلت ، مدري    توصيل الإنترنت عبر الضوء    «الغذاء والدواء»: 1,450,000 ريال غرامة على مصنع مستحضرات صيدلانية وإحالته للنيابة    محافظ الخرج يشارك رجال الأمن وجبة الإفطار في الميدان    استخبارات الحوثي قمع وابتزاز وتصفية قيادات    خديجة    وزارة الشؤون الإسلامية تنظم مآدب إفطار رمضانية في نيبال ل 12500 صائم    لهذا لن تكشف الحقائق الخفية    مغامرات جرينلاند    المشي في رمضان حرق للدهون وتصدٍ لأمراض القلب    تأثيرات إيجابية للصيام على الصحة النفسية    أطعمة تكافح الإصابة بمرض السكري    التسامح...    الدوري أهلاوي    التعليم السعودي يفتح خزائنه في سباق العشرين عالمياً    قال «معارض سعودي» قال !    6 مجالات للتبرع ضمن المحسن الصغير    النصر يتعادل سلبيا مع الاستقلال في غياب رونالدو    فيصل بن مشعل يزور القضاة والمشايخ    مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يعيد الأصالة العمرانية لمسجد الرويبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيرة فندق سان ستيفانو الاسكندراني تعكس تاريخ مصر الحديث
نشر في الحياة يوم 19 - 02 - 2003

في 9 كانون الثاني يناير 1999 كان البلدوزر يقوم بهدم ما تبقى من الجناح الغربي من فندق "سان ستيفانو" بعد ان تمت ازالة بقية المبنى، وبذلك تحول الى أطلال أقدم وأعرق فنادق الاسكندرية، والذي شهد الكثير من التحولات الاجتماعية والسياسية التي مرت بها المدينة ومصر بصفة عامة خلال أكثر من قرن.
يرجع افتتاح الفندق الى عهد الخديوي توفيق وبالتحديد في 26 حزيران يونيو 1886. لم تلعب الصدفة اي دور في اختيار موقع الفندق او في تمويل بنائه، فالتمويل قدمته شركة سكة حديد الرمل لكي تشجع استقرار السكندريين في منطقة الرمل، وهي المنطقة الجديدة في ذلك الحين، وبالتالي ليزيد الاقبال على خط السكة الحديد. كانت منطقة الرمل في ذلك الحين منطقة شبه مهجورة لا يسكنها إلا القليل من البدو وفيها عدد متفرق من الفيلات التي يمتلكها أثرياء المدينة يمضون فيها اشهر الصيف.
التسمية ترجع الى الكونت إتيان أو استفان زيزينيا وهو أحد السكندريين المرموقين في ذلك الحين، وقد بنى في العام 1863، اي قبل بناء الفندق، كنيسة وسماها باسم القديس استفان في المنطقة نفسها، وذلك بحسب ما ورد في الدراسة التي اعدها المرحوم راداميس اللقاني عن اسماء الاحياء بالاسكندرية، وقد هدمت الكنيسة في منتصف الثمانينات. اي ان الاسم كان موجوداً قبل ان يرتبط باسم الفندق الجديد.
لم يسلم بوجوس نوبار - ابن نوبار باشا - المهندس المعماري الذي بنى فندق سان ستيفانو من ألسنة أهل الاسكندرية، فبحسب الرواية المنشورة في الكتاب الذي صدر بمناسبة مرور خمسين عاماً على صدور الجريدة السكندرية La Reforme تحكي الرواية انه كان هناك مصنع للنسيج في المكان نفسه الذي حول الى فندق، وروى ان المهندس نسي ان يبني السلم الداخلي للمبنى الجديد، وهي كما نرى قصة أقرب الى الدعابة ولكنها تحمل مغزى، ان هذا البناء لن يعمر، وانظر الى دلالة غياب السلم، اهم جزء في المبنى ومن دونه يصبح فارغاً من الداخل. ولكن سرعان ما لاقى الفندق الجديد استحسان الناس - واجهة ببلكونات خشب بها نقوش صغيرة، وملاعب للتنس في الجزء المطل على الشارع وكشك للموسيقى في الناحية المطلة على الشاطئ. ويؤكد مؤلف الكتاب الألماني Ramleh Als Winter aufenholt "اي الرمل ضاحية المشتى" والمنشور عام 1900 ان فندق "سان ستيفانو هو افضل مكان للنقاهة والاستشفاء، وأيضاً لقضاء العطلات القصيرة لمن يعملون في الهند، او يعيشون في الاماكن الحارة في مصر، اثناء سفرهم الى اوروبا. ويمتدح المؤلف الفندق لتوافر الماء الساخن وضوء الكهرباء وكذلك كياسة صاحب الفندق في ذلك الحين وهو لويجي ستاينشيندر.
فورستر وكفافي وملكة البيجاما
لم يكن طريق الكورنيش قد بني بعد، وبالتالي لم يكن هناك فاصل بين الفندق والشاطئ الخاص به مساحة رملية ممتدة لا يقطعها شيء. وكان شاطئ سان ستيفانو مقسماً الى قسمين يفصل بينهما حائط خشب: قسم للحريم وقسم للرجال. ويصف احد صحافيي الجريدة السكندرية La Reforme محاولاته الطريفة في التلصص على شاطئ الحريم وكيف انه اصطحب معه الى الشاطئ نظارة معظمة، ولكن من دون جدوى لذا فهو يصف شاطئ "سان ستيفانو" بكثير من التأفف وينعته بأنه "شاطئ عفيف". إلا ان فرص الاختلاط بين الجنسين لم تكن بهذه الندرة في الفندق، فقد كانت الحفلات الموسيقية التي ينظمها الفندق في الصيف ملتقى الصفوة بالاسكندرية. وتروي "بياتريس بولاد" في ما ترويه في مذكراتها عن فندق "سان ستيفانو" ان الجزء الأعلى من الحائط خلف الفرقة الموسيقية كان مصمماً على شكل قوقعة حتى يعكس الصوت على الشاطئ ويجسمه. اما الكاتب الروائي البريطاني "فورستر" والذي عاش في الاسكندرية اثناء الحرب العالمية الاولى فهو يصف بكثير من السخرية جمهور تلك الحفلات، يصفه بأنه جمهور يأتي ليثرثر لا ليستمع الى الموسيقى، حتى انك لو وقفت بعيداً، على حد تعبير فورستر - لخيل لك ان الأوركسترا تقدم عرضاً صامتاً.
لم يكن فورستر هو الأديب الوحيد الذي تناول بقلمه الكتابة عن فندق "سان ستيفانو"، ايضاً الشاعر اليوناني السكندري قسطنطين كفافي في القصة القصيرة الوحيدة التي كتبها بعنوان "في وضح النهار"، يجعل من الفندق المسكن الدائم لبطل القصة، وانظر لاختيار الفندق ان يكون سكناً دائماً وهي احدى عادات الاجانب. يروي البطل لصديقه خلال احدى الامسيات بالفندق واقعة حدثت له منذ سنوات عدة، لها طابع غيبي وميتافيزيقي، وفي نهاية الأمسية يعتذر الصديقان للراوي ليقوما ويلحقا بميعاد آخر قطار يصل المدينة. وهو قطار السكة الحديد الذي يربط تلك الضاحية الجديدة بالمدينة الأم. وقد نُشرت ترجمة انكليزية لهذه القصة في عدد الربيع 1983 من المجلة الأدبية الاميركية Grand Street ويُذكر انه بداية من عام 1904 احلت التراموايات محل القطارات في الربط بين وسط الاسكندرية وضاحية الرمل.
اكثر ما اشتهر به فندق "سان ستيفانو" هو "الكازينو" او صالة القمار التي قيل ان الملك فاروق كان يتردد عليها في بعض الاحيان. وروى لي المرحوم بانايوتي سولوس مالك المطعم والملهى الليلي "سانتا لوتشيا" ومقهى الاستريا" - وهما من اقدم المطاعم بوسط المدينة، خبر امسية امضاها في لعب الروليت في كازينو "سان ستيفانو" إبان عام 1929. وكيف انه كاد ان يخسر الستة الجنيهات، وهي راتبه الشهري من بنك أثينا في ذلك الحين، وانه اخذ يتحسس الريال الذي وضعه جانباً في جيبه ليؤمن به عودته بتاكسي في تلك الساعة المتأخرة من الليل، طبعاً وهو خاسر، بعد ان تتوقف التراموايات، وكيف انه جازف بآخر عشرة قروش، وكسب حينها مبلغاً يفوق الستة الجنيهات التي كان قد خسرها.
ازدهرت حياة الفندق في الفترة ما بين الحرب العالمية الاولى والثانية، فالى جانب الحفلات الراقصة والألعاب النارية الاسبوعية كانت ادارة الفندق تنظم عدداً من المسابقات الطريفة التي يفد اليها نجوم المجتمع. ومن تلك المسابقات الطريفة مسابقة "الأوتومبيل" التي مولها نادي السيارات الملكي وعقدت في فندق "سان ستيفانو" في أيلول سبتمبر 1931. كان من بين الحضور صدقي باشا رئىس الوزراء في ذلك الحين والأمير عمر طوسون وبقية الوزراء. وقد اشتمل الحفل على مسابقة فكاهية تدعى ال"أوتو - بيجاما" حيث يتم اختيار السيدة التي ترتدي البيجاما الاكثر اناقة والأنسب للسيارة التي تجلس عليها الحسناء من الخارج. وفازت بتلك الجائزة الآنسة أمينة البارودي وقد جلست على مقدمة سيارة سوداء مرتدية بيجاما من الساتان الأسود تزين الجزء الأعلى منها كريات بيض والجزء الأسفل تحدده شرائط من الفراء. اما في الشتاء فقد كانت اهم المسابقات، تلك التي تقام اثناء الكرنفال السنوي الذي يتم في شباط فبراير وهو تقليد اوروبي كانت الجاليات الاجنبية في الاسكندرية تتمسك به. اثناء الكرنفال يتجول الناس في الشوارع مرتدين الملابس التنكرية، وتتنافس فنادق وملاهي الاسكندرية في اقامة المسابقات لأحسن زي تنكري في الكرنفال. ولكن كما روى لي بانايوتي سولوس، كانت مسابقة فندق "سان ستيفانو" هي اكثرها اناقة. وقد فاز سولوس وعدد من اصدقائه بالجائزة الاولى في عامي 1922 و1923 عن ارديتهم الاسكتلندية. ويذكر حنا ويصا، وهو احد وجهاء الاسكندرية في ذلك الوقت، عرض الزهور السنوي الذي كان يقيمه الفندق.
وحتى يجتذب الفندق زبائن جدداً من غير النزلاء كانت الادارة تقدم "أبونيه" موسمياً يسمح لحامله باستخدام خدمات ومرافق الفندق كافة بأسعار رمزية. وبجانب ملاعب التنس والكازينو والشاطئ والحفلات الموسيقية كانت هناك صالة السينما المكشوفة. وتذكر عزة هيكل في كتابها LصEducation Alexandrine أو "التربية السكندرية"، انه على رغم المقاعد الخشب غير المريحة وعلى رغم تكرار الافلام المعروضة - وغالبيتها كانت افلاماً اميركية قديمة - على رغم كل هذا لم يكن الشباب ليفوتوا حضور تلك العروض بمعدل ثلاث مرات اسبوعياً، فقد كانت صالة السينما المكشوفة هي الملتقى المناسب للشباب في ذلك الحين، كانت بمثابة نادٍ صغير.
وبجانب حياة اللهو والمرح التي شهدها الفندق ضمن ما شاهده هناك جانب آخر، ففي المرة الأولى يُعقد فيها اجتماع مجلس الوزراء في الفندق، وذلك عام 1901. سخر الصحافيون بكتابة مقالات تحمل عناوين من قبيل "وزراؤنا في الكازينو"، لما في لفظ الكازينو من تناقض مع هيبة الاجتماع الوزاري، فقد كان التقليد قبل الثورة ان يمضي مجلس الوزراء اشهر الصيف في الاسكندرية، ويعقد اجتماعاته فيها، ولذلك كان يطلق على المدينة قبل الثورة "العاصمة الثانية"، ثم اختفى الاسم عندما جعلت الثورة القاهرة هي المركز لحكمها.
محطة الترام... محطة مجلس الوزراء
وفي دراسة عن حي بولكلي كتبها روبرت مابرو وهو احد الشوام السكندريين الذين عاشوا في الاسكندرية بحي بولكلي وقد نشرت الدراسة في مجلة Mediterranean خريف 1996 يقول الكاتب ان تقليد عقد اجتماعات مجلس الوزراء في الفندق انتهى بعد بناء مبنيين لمجلس الوزراء في حي بولكلي، وسميت محطة الترام المواجهة للمبنى في حي بولكلي باسم محطة الوزارة.
هناك حادثان، تركا بصماتهما على مصير فندق "سان ستيفانو". فقد أثر بناء طريق الكورنيش في الثلاثينات، وهو المشروع الذي وجه اليه الكثير من النقد، تأثيراً ضاراً على الفندق، إذ فصل طريق الكورنيش بين الفندق وشاطئه الخاص الممتد حتى البحر، ولتعويض هذا الخلل رُبط الفندق بشاطئ البحر من طريق نفق يمر اسفل طريق الكورنيش يسهل العبور الى الشاطئ مباشرة من دون المرور على الشارع، ولكن من اسفل. ونتيجة لهذا التعديل اجريت تعديلات اخرى عدة في واجهة الفندق وترميمات عدة في داخله ولكنه اصبح غريباً على رواده القدامى.
شكلت الحرب العالمية الثانية فترة ازدهار لفنادق ومطاعم وبارات الاسكندرية، اما فندق "سان ستيفانو" وهو الاجمل بين هذه الفنادق، فقد كتب عليه القدر ان يغيب عن الساحة طوال سنوات الحرب. مع بداية الحرب استُخدمت كلية "فيكتوريا" كمستشفى عسكري للجيش الانكليزي. فطلبت ادارة المدرسة ان تُعطى الدروس للطلبة في فندق "سان ستيفانو"، وعلى رغم الاعتراضات التي ابدتها ادارة الفندق اصدر محافظ الاسكندرية قراراً رسمياً بانتقال كلية "فيكتوريا" الى فندق "سان ستيفانو". وفي احد اعداد مجلة "كلية فيكتوريا" المنشور في الأربعينات يصف احد المدرسين الانكليز تلك المرحلة الانتقالية بحس فكاهي فيقول ان نزلاء الفندق فوجئوا ذات يوم حين نزولهم لتناول وجبة الافطار بعدد من المكاتب التخت المدرسية مكومة في ركن الكازينو وهو المكان المخصص للفرقة الموسيقية في الأيام العادية. وعلى حد قول كاتب المقالة كانت فكرة تحويل الفندق الى مدرسة مصدراً لكثير من المفارقات الساخرة، فمثلاً: تحول البار الموجود في الكازينو الى حجرة ترفيه للتلاميذ. اما البار الاميركي فقد اضيفت له بعض اللمسات والتعديلات حتى يصبح حجرة قراءة لنظار المدرسة. واحتلت مكاتب تلاميذ الصفوف الابتدائية مكان طاولات القمار، وفي آخر لحظة قبل بدء الدراسة قام العمال بانزال اعلان "بيرة ستلا" المعلق على مدخل الفندق.
"فيكتوريا" يوسف شاهين
ولكن سرعان ما تعود تلاميذ كلية "فيكتوريا" على مباني المدرسة الجديدة. على رغم انهم كانوا يضطرون للعودة الى مدرستهم القديمة للعب كرة القدم والكريكيت والتي لم يكن الفندق - او المدرسة الجديدة - مجهزاً لها. هذا الانتقال كان له اثر آخر، فقد اتاحت المباني الجديدة فرصة للتلاميذ للقيام بنشاطات مسرحية عدة. ويذكر المخرج السينمائي توفيق صالح وهو احد خريجي كلية "فيكتوريا" مسرحية نهاية العام التي مثلها التلاميذ وتألق فيها زميله في الدراسة والمخرج في ما بعد يوسف شاهين، الذي قام بتقليد كارمن ميراندا. وقد كانت راقصة شهيرة في افلام هوليوود في ذلك الحين، واشتهرت برقصة السامبا تؤديها وهي ترتدي عمامة على رأسها مزينة بالفاكهة، وقد قام يوسف شاهين بأداء الدور على اكمل وجه مرتدياً تاجاً من فاكهة الموز.
ونذكر هنا ان فيلم يوسف شاهين "اسكندرية ليه" 1978 يحتوي مقتطفات من فيلم كان المخرج صوره وهو طالب في كلية فيكتوريا اثناء فترة عقد دروسها في فندق "سان ستيفانو"، وأما المشاهد التي يؤدي فيها الممثل محسن محيي الدين دور يوسف شاهين في ايام الدراسة المدرسية فقد صورت في مباني كلية فيكتوريا نفسها وذلك كما وضح يوسف شاهين خلال حديث اجريته معه في ايلول سبتمبر 2001 حيث ان مرحلة عقد الدراسة في "سان ستيفانو" كانت مرحلة عابرة في تاريخ كلية فيكتوريا. حين عادت كلية "فيكتوريا" مرة اخرى الى مبانيها الاصلية الكائنة في منطقة السيوف عام 1944، كان الفندق خسر باحتلال كلية "فيكتوريا" له، بقية زبائنه الذين اصبحوا يرتادون الملاهي الليلية الجديدة التي ذاعت شهرتها اثناء الحرب. ففي رباعية الاسكندرية والتي استوحى لورانس داريل جزءاً من مادتها اثناء اقامته بالاسكندرية لمدة عامين اثناء الحرب العالمية الثانية، نلحظ ان فندق "سيسل" اخذ يشكل الخلفية المكانية لعدد غير قليل من اللقاءات في الرواية، وفي المقابل نلحظ الغياب الكامل لفندق "سان ستيفانو" داخل الرواية.
التدهور البطيء بدأ يلحق بالفندق في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وللحق فجزء من هذا التدهور يرجع لظروف اجتماعية أعم، فقد كانت غالبية زبائن الفندق من الجاليات الاجنبية الذين اخذوا في الهجرة بعد الحرب. وفي محاولة مستميتة لابطاء عجلة الزمن قامت ادارة الفندق في الخمسينات باعادة تصميم واجهاته، لإدخال بعض التجديد عليه. ويعلق المهندس المعماري د. محمد عوض بأن التجديد الذي اجري في الخمسينات ينتمي اكثر للطراز العصري السائد عالمياً، وبالتالي فقد الفندق طرازه القديم، البلكونات الخشب وكشك الموسيقى. ولكن الفندق استمر على تقليد عريق فيه وهو تنظيم المسابقات. فقد استمر في تنظيم الحفل السنوي لاختيار ملكة جمال القطن والذي كان يقام في الملهى الليلي الخلوي.
بعد الثورة اقتصر لعب القمار على الاجانب فقط، وأعدادهم في ذلك الوقت كانت قليلة لا تفي بمد صالة القمار بالأرباح، لذلك تحول الكازينو الى صالة لاقامة الحفلات والأفراح، وإن ظل اسم الشارع الموازي للفندق من جهة الغرب "شارع الكازينو". ثم بدأت التأميمات في أوائل الستينات، ويحكي بانايوتي سولوس ان صاحب فندق "سان ستيفانو" في ذلك الحين كان يهودياً يدعى بارسيلون وأنه عاد متعباً الى الفندق بعد رحلة سفر طويلة وآوى الى الفراش مباشرة، ويضيف سولوس، انه في الصباح جاء من يُطالب بارسيلون بدفع حساب الغرفة التي نام فيها، فلم يعد الفندق ملكاً له.
خضع فندق "سان ستيفانو" وغيره من الفنادق، لعملية تمصير وأصبح تابعاً لشركة قطاع عام، وهي شركة الفنادق المصرية. ولم تحاول الإدارة الجديدة للفندق إدخال اي تعديلات جذرية عليه، بل أبقت الوضع على ما هو عليه. وظل البار يجتذب السكندريين المخضرمين الذين يجيئون للبحث عن مذاق الأيام الماضية. واستمرت الحديقة تجتذب العائلات في ايام العطلة، وذلك على رغم قرب فندق "سان ستيفانو" من فندق "البوريفاج" الذي كان يتمتع بحديقة كبيرة وبحيرة للأسماك. ولمواسم عدة في الستينات اصبح الفندق هو المكان الذي يلتقي فيه نجيب محفوظ والحرافيش وليس فندق البوريفاج.
1967:نفق المسبح والخوف من العدو
لكن فندق "سان ستيفانو" تعرض لضربة موجعة حين افتُتح "فندق فلسطين". ونلاحظ دلالة الاسم الجديد واختلافه جذرياً عن التسمية في ما سبق، بأوامر من الرئيس عبدالناصر لاستضافة مؤتمر القمة العربية في عام 1964. ويتمتع فندق فلسطين بمزايا كان فندق "سان ستيفانو" فقدها، اصبح له شاطئه الخاص كما كان لفندق "سان ستيفانو" من قبل، اضافة الى المباني العصرية وحدائق المنتزه التي تحيط به، بينما اصبحت المباني تحيط بفندق "سان ستيفانو" من كل جانب.
على رغم ذلك احتفظ الفندق ببعض اوراقه الرابحة ومنها صالة الحفلات الضخمة والملهى الليلي، وهي المزايا التي نجح الفندق في استغلالها وخصوصاً في اقامة المهرجانات. ففندق "سان ستيفانو" وليس "فندق فلسطين"، المنافس القوي، هو الذي استضاف لسنوات عدة متتالية في الستينات مهرجان التلفزيون، ويذكر الموسيقار عزت ابو عوف ان من اشهر ضيوف مهرجان التلفزيون كان الممثل الإنكليزي روجر مور الذي كان يقوم بدور جيمس بوند في السينما. وقد صدم روجر مور الجمهور حين حيّا ثم قبّل المغنية المصرية شريفة فاضل وهي تقدمه للجمهور.
في عام 1967 صدرت الأوامر بإغلاق النفق المؤدي من الفندق الى الشاطئ الخاص، خوفاً من قيام العدو بأي عمليات تخريبية من طريق هذا النفق. وبذلك اغلق الشريان الحيوي الذي يصل الفندق بمياه البحر. ولكن ظل الفندق العريق يقاوم. ففي نهاية الستينات عندما انتشر جنون البيتلز في العالم كله، كانت المنافسة شديدة بين فنادق الاسكندرية، خصوصاً في الصيف لجذب احسن الفرق الموسيقية. فرقة The Cats أو "القطط" استقرت في فندق "سان ستيفانو"، وكان قائد الفرقة هو الموسيقار عزت ابو عوف وتخصصت الفرقة في موسيقى Heavy Rock والبوب Pop والسول Soul. اما في حدائق المنتزه فقد كانت هناك فرقة Les petits Chats أو "القطط الصغار" تلعب موسيقاها في فندق فلسطين، بينما تلعب فرقة The Black Coats في الحرملك، وهو قصر الحريم للملك فاروق ويقع بجوار قصر المنتزه. وقام امبرساريو يدعى ناندو أديب بتنظيم مسابقة اوسكار سنوية تُعقد بالتناوب بين الملاهي الليلية المختلفة، كما يذكر الموسيقار هاني شنودة، ويضيف انه حين عُقدت مسابقة الأوسكار في فندق "سان ستيفانو" كان الإقبال عليها شديداً لأنه اقرب الى وسط المدينة ولعدم تحصيل رسم دخول بعكس "فندق فلسطين" المنافس القوي، البعيد من وسط المدينة وتحصيله لرسوم اضافية لدخول حدائق المنتزه التي يقع الفندق داخلها.
يتذكر عزت أبو عوف فندق "سان ستيفانو" بكثير من الحنين، فقد كان حظه جيداً في الفندق، فالفندق المكان الذي اشتهرت من خلاله فرقته، شيء آخر فأثناء العرض الختامي لمهرجان الاسكندرية الأول كان ميلاد فرقته الجديدة هو وأخواته المسماه بالفور إم 4M، ويضيف انه في فندق "سان ستيفانو" ايضاً تعرف على المرأة التي ستصبح زوجته في ما بعد، وقت تمت الخطوبة في الفندق ايضاً.
في 1978عاد الفندق ليحتل ساحة الأخبار العالمية ويسترد بعضاً من صيته القديم، اذ عُقدت فيه محادثات السلام بين الرئيس المصري أنور السادات ورئيس وزراء اسرائيل مناحم بيغن. عقدت المحادثات في تموز يوليو، ذروة أشهر الصيف، ولذلك اختيرت الاسكندرية لتكون مقراً لهذه المحادثات. وعلى رغم كون "فندق فلسطين" اكثر عصرية، الا ان اسمه والحدث الذي بُني من أجله وهو مؤتمر القمة العربي، حالا دون وقوع الاختيار عليه. وبسبب محادثات السلام هذه أجريت تعديلات في الفندق ومنها ادخال أجهزة التكييف في الغرف، وإقامة مركز صحافي فيه.
ما بعد عبد الناصر
ولكن بداية من الثمانينات أخذ نجم الفندق في الأفول بسرعة شديدة. فبتغير النظام السياسي ما بعد فترة عبدالناصر تغير مرة أخرى النظام الاقتصادي، وعادت شركات القطاع الخاص في الظهور، فقد قامت إحدى هذه الشركات باستئجار الفندق ولكنها لم تتمكن من تسييره، حتى انه طلب منها ترك الفندق. ومنذ سنوات عدة حاول احد اخوان آل فايد ان يشتري الفندق، ولكن يُحكى انه واجه الكثير من العقبات الادارية فعاد ادراجه ونسي المشروع. ثم جاءت الضربة القاضية عندما وضعت المحافظة يدها على الشاطئ الخاص بالفندق، مما قلل من مميزاته ومن قيمته العقارية بعض الشيء، وان ظلت مساحته 31 ألف متر مربع مطلة على كورنيش الاسكندرية. وفي كانون الثاني 1993 أمرت وزارة السياحة باغلاق الفندق مستثنية المقاهي، وذلك كخطوة أولى، ستتلوها خطوات عدة. فاتجاه خصخصة الفندق، حتى تم في النهاية بيع الفندق في صيف 1998 بحوالى 250 مليون جنيه لعدد من المستثمرين المصريين والعرب.
بدا لي عندئذٍ ان الاسكندرية أصبحت مدينة مباحة ولا يحكمها سوى منطق الربح التجاري الذي يتخطى قوانين البيئة والآثار كافة. ففي صيف 1997 تنامى الى مسامعي انه سيتم بيع وإزالة فندق "سان ستيفانو"، ولذلك قمت بكتابة دراسة مطولة عن الفندق نشرت في جريدة "الاهرام" ويكلي بتاريخ 24-30 تموز 1997 وثقت فيها تاريخ الفندق وأوضحت ان بدايته تعود الى العام 1887، اي ان الفندق يفوق عمره المئة عام ما يحوّل الفندق من خانة الذكرى والحنين الى خانة الآثار.
في 9 كانون الثاني 1999 وقف الباشمهندس المشرف على عملية هدم الفندق يحلم بالفندق الجديد ذي الطراز الفرنسي ويتحدث عن الاربعين طابقاً التي ستقام فوق أنقاض الفندق القديم، فندق "سان ستيفانو". ويُقال ان كمية الفئران التي تكاثرت في الفندق أثناء فترة إغلاقه قد أقلقتها أصوات البلدوزرات فتحركت في أسراب تقض مضاجع البيوت السكنية الآمنة المحيطة بالفندق.
... غراند بلازا
المشروع الجديد المدعو "سان ستيفانو غراند بلازا" الذي يملكه كونسورتيوم مصري - سعودي يتكون من عدد من العمارات السكنية وفندق ومركز تجاري وشاطئ خاص مزود بمرفأ لليخوت. وبالفعل فالبناء جارٍ في الموقع. وقد سحبت جمعية اصدقاء البيئة بالاسكندرية اعتراضها على الارتفاعات الشاهقة للمباني في التصميم والاعتداء على الشاطئ، ضمن اوجه اعتراض اخرى. ويؤكد حاتم نصار، المستشار الصحافي للاستاذ هشام طلعت مصطفى وهو احد الشركاء في الكونسورتيوم، ان ملف الانتقادات البيئية للمشروع قد اغلق منذ عامين حينما حكمت المحكمة في القضية التي رفعتها جمعية اصدقاء البيئة في مصلحة المشروع بأنه لا يشكل تعديات بيئية وان الجهات البيئية المختصة قد اكدت ذلك. اما سيد النحاس، وهو احد محاميي جمعية اصدقاء البيئة في قضية "سان ستيفانو"، فيقول: "ان المحكمة بالفعل رفضت طلب وقف تنفيذ المشروع لحين الفصل في الدعوة ولكن طلب إلغاء ترخيص البناء ما زال منظوراً امام المحكمة". ويذكر لجمعية اصدقاء البيئة بهذا الصدد نجاح الحملة التي شنتها، باللجوء الى القضاء ايضاً، منذ بضعة اعوام لايقاف بناء فندق آخر في حدائق الشلالات وهي حدائق عامة كانت بلدية الاسكندرية قد اقامتها في بداية القرن الماضي. ومن اللافت ان نجد في موقع الانترنت الخاص ب"سان ستيفانو غراند بلازا"، في الجزء الذي يتناول الفندق الجديد، الجملة الآتية بالانكليزية: "التاريخ يتطور ولكنه يعيد نفسه". وبذلك تستغل دعاية الكونسورتيوم المالك صيت وعراقة الفندق الذي هدمته مع اضفاء صبغة تطورية على المشروع الجديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.