حين هممت بالكتابة عن فيروز توقعت أنني سأستنفد قواميسي، وسأستهلك كل المعاني والمفردات. فمع جهجهة صباح كل يوم أتجدد، لتتجدد معي كل الأفكار والمعاني، حتى أراني وقد تهت في زحمة الكلمات، ولم أعد أمتلك القدرة على ترتيب صوري، وضبط بنات أفكاري، وكان صوتها المخملي تفجر ثورة في تاريخي المبرمج الرتيب، وأعاد صياغته وفقاً لأسطورة لا بد أن تشفع لها طهارتها وبراءتها إن هي لبست رداء اللاعقلانية. إن صوتها الملائكي ينسكب من أعماق الثريا ليتسرب بهدوء وسلاسة عبر الحواجز والأسوار. وينفض عنا غبار الأسفار الطويلة، ويمسح دموع العجز والهوان، ويجسد رغبة وئدت في الوجدان، يسرقها من قفص الأنا الباستيلي، ويسمو بها الى حيث تحتضن السماء وحيدتها، نجمة الصبح، وتستعير كل غيمة مارقة لتدثرها حيناً، وتبكينا حيناً، لتطهر برذاذ الرهام آثام كل فكرة بشرية حاولت الاقتصاص من أحلامنا المشروعة. حمص - ثائر محمود بدران [email protected]