لا أعلم إن كان من العدالة الحديث عن فيروز في خضم هذا الغزو من الألم الذي يجتاح ساحاتنا البشرية. ولكن رغبة جامحة في أن نستقبل مولود الصباح الجديد بعيداً من ايقاع الآلات المدمرة، وقرع طبول الحرب يأسرنا عنوة نحو ذاك الصوت الملائكي الذي يضمن لنا ان يطل علينا صباح طاهر بريء. فقد يعجز اليراع عن تجسيد تلك الأمنية وسط كل المآسي التي يعيشها العالم. ولكن عندما يكون الحديث عن فيروز ستتجدد الحياة بداخله وهو يخط عن صوت في مقدوره اقتحام نوافذ غرفنا ليطهرها من شوائب وهواجس تفكير ليل طويل، صوت يسرقك من عوالم مختلفة ويبني لك عالماً خاصاً ويجعلك تعيش خصوصية لم تألفها. فحينما يتسلل الى النفس هذا الزائر الهادئ ويتغلغل في كل جزيئياتها ليوقظها على عذاب الأيام، ستمتلك القدرة على التعبير عن صدق اللحظة والجرأة على البوح عن كل خوالجها بعيداً من "رتوش" العصر. وستنهار أحداث قرن بأكمله لتتحول من آلة صمت الى آلة نقل المشاعر. ففي لحظة تنبه اللاشعور لديك هذه يمتزج رحيل ايلول بعودة نيسان، وتعيش الفصول الاربعة بكل تناقضاتها وغرائبها، ويتحول وابل المطر الى رهام السماء، وتعتمر منه جسراً من الحلم وتجاور القمر... أفلا يحق لهذا الصوت ان يكون نهلة ظمآن لزمن التأملات والأحلام؟ أفلا يحق لسفيرتنا الى النجوم ان تكون ملاذنا في لحظات تخدش مرآنا مناظر مصادرة الانسان من اعماقنا وهي التي سما بها فنها وصوتها لأن تكون رسالة الانسان الى الانسان؟ حمص - ثائر بدران