قبل أسابيع قليلة شهدت العاصمة اللبنانية بيروت، ومعها عدة مدن عربية، موجة عارمة من الاعتصامات الجماهيرية الغاضبة، التي احتشدت لتعلن عن تعبيرها الرافض بكل ما يمسّ سيدة الغناء العربي “فيروز”، بعد القرار الجائر الذي اتخذته محكمة لبنانية، والذي يقضي بمنع السيدة “فيروز” من تقديم مسرحيتها “يعيش يعيش”، بسبب دعاوى قضائية (فارغة) حول ميراث عائلة الرحباني. بيروت، ومعها عدة مدن عربية، لم تقف ساكتة. فهذه «فيروز»، رمز الفن الأصيل، وسفيرة الغناء العربي، وجارة القمر، تتعرّض لمؤامرة لا يحيكها سوى «أعداء» الفن الأصيل الذين يريدون الإساءة لكل فن جميل، كيف لا، وعلى قول إحدى الإعلاميات اللبنانينات في مظاهرة بيروت: «أهانت السلطة اللبنانية نفسها بقراراتها على مختلف المستويات حتى تحولت إلى هولاكو عصري، ففي الوقت الذي تُمنع فيه فيروز من الغناء نجد كل أنواع الدعارة الفنية!!». اعتصام بيروت «التاريخي» دعت إليه جمعيات لبنانية، وبالفعل نُفّذ يوم الاثنين 26 يوليو الماضي، بمشاركة فنانين وإعلاميين ومسؤولين وشخصيات وأفراد أيضًا من عائلة الرحباني، تضامنًا مع فيروز، وكان الاعتصام سلميًا صامتًا لا يظهر فيه إلا صوت أغنيات فيروز عبر مكبّرات الصوت، وحمل المعتصمون صور “جارة القمر” ولافتات تنديد تعبّر عن استيائهم مما حدث، احتشدت الجماهير من محبي فيروز، بينهم فنانون وإعلاميون لبنانيون وعرب، أمام المتحف الوطني اللبناني في بيروت، حاملين صورها ولافتات كُتبت عليها: «صوت الملائكة في مواجهة الجشع»، ولوحات أخرى تقول: «الغضب الساطع آتٍ»، ويصدّح صوت الفن العربي فيروز عبر مكبّرات الصوت، وحمل الاعتصام عنوان «لا، لمنع فيروز من الغناء، تضامنوا معنا في وقفات احتجاجية عربية»، على نغمات أغنية من مسرحية «صح النوم» تقول فيها فيروز: «مين ما كان بيتمرجل علينا»!. فعلى أصداء صوت فيروز الصادح من مكبرات الصوت التي ردّدت أغانيها، والتي دأب اللبنانيون والعرب على سماعها صباح كل يوم مع فنجان القهوة، أو في السيارة، ووسط حضور فني وإعلامي وجماهيري أت من مختلف المناطق اللبنانية ومن سوريا، ومصر والعراق، بدأ الاعتصام التضامني مع السيدة فيروز، وقد رأى المعتصمون «الفيروزيون» أن فيروز فوق الخلافات المادية التي يجب أن تُحل ضمن العائلة الواحدة، ومشددين على وجوب عدم خروج هذه الخلافات (الفارغة) إلى العلن؛ لأنها تصغّر من قيمة لبنان، ومن قيمة رموزه الفنية، في الاعتصام، شاركت ابنة «جارة القمر»، ريما الرحباني، فقالت: «جئت لأسمع صوت فيروز وأنا مدعوة إليه كباقي الموجودين ولن أرد على أحد». وقالت المطربة اللبنانية جوليا بطرس: «لسنا خائفين على فيروز، فلا أحد يستطيع إيقافها، ونحن نعتصم اليوم للتأكيد على أن فيروز هي مثل الماء، والحرية، والحق، والحقيقة، ولا يمكن لأحد أن يوقفها، فهي رمز ولا يمكن وصفها»، وأضافت: «فيروز لا أحد يستطيع أن يُسكتها، وأنا لم آتِ إلى هنا لأعيد لها صوتها، أنا آتية فقط لأقول لها: إننا معها وبقربها، ولتشعر بتجمعنا هذا أنها قوية، وهي على أي حال رمز للحق والحرية». ورفضت جوليا التعليق على الخلاف القانوني القائم بين فيروز وورثة منصور الرحباني. وقالت الممثلة المصرية إلهام شاهين التي حضرت خصّيصًا من القاهرة إلى بيروت للمشاركة في هذا الاعتصام: «فيروز بالنسبة لي فوق كل القوانين، هي مثل الأم التي إن أخطأت صفحنا عنها ونسينا خطأها وتجاوزناه، ولا نقبل أن نحاسبها، أو نبادل خطأها بالخطأ، هكذا أتعامل مع أمي، وهكذا يجب أن نتعامل مع فيروز»، وأضافت بعد وصولها أمام المتحف الوطني اللبناني ببيروت للمشاركة في الاعتصام: «فيروز حالة روحانية، وحين نتكلم عنها يجب أن ننسى كل الماديات»، وقالت للصحافيين: «أنتم لا تعرفون من هي فيروز. فيروز بالنسبة لنا نحن العرب هي لبنان، والتعدّي على فيروز هو تعدّ على لبنان، وإذا ذهبت فيروز ذهبت لبنان». وأكدت الإعلامية اللبنانية نضال الأحمدية، أن هذا الاعتصام هو انتصار على الكذب، وعلى الاغتصاب الحاصل لحقوق واحدة من أهم النساء في العالم»، وقالت: «لا أفهم ماذا يرد هؤلاء الأولاد، وأنا منزعجة بشدة من موقف الحكومة اللبنانية تجاه السيدة فيروز التي تعد أحد أعلام الفن العربي وسفيرة لبنان الأولى في العالم، لقد أهانت السلطة نفسها بقراراتها على مختلف المستويات حتى تحولت إلى هولاكو عصري»، وأشارت إلى أن الموقف محيّر بالفعل، فبينما تتوقف مسرحية فيروز (يعيش يعيش) عن العرض في كازينو لبنان نجد كل أنواع الدعارة الفنية (تعيش تعيش)، لكننا لن نسكت وسنقف جميعًا لنصرة الوجه الحضاري والثقافي للبنان». أما الكاتبة والممثلة اللبنانية كلوديا مرشيليان، فقالت: «فيروز فوق الكل ويحق لها أن تغني ساعة تشاء، ووقتما أرادت ذلك، وأما الشؤون القانونية والمالية فلا تعنيني، وأنا كمواطنة أريد فيروز أن تغني». وقالت الممثلة اللبنانية رولا حمادة: «لا دخل لي بالعائد المالي وحقوق الورثة، نحن نريد سماع فن فيروز وصوتها، فأنا معنية بذاكرتي، وتاريخي، وفني، وإحساسي، أنا أقف مع الفن ومع فيروز التي أوصلتنا للعالمية». وحين سُئلت رولا عما تقوله لأولاد منصور بهذه المناسبة قالت: «لا أريد أن أتوجّه لهم وحدهم بالكلام، أريد أن أتوجّه للأطراف جميعهم وأقول: نحن نحبكم جميعًا فبادلونا الحب». وكادت الممثلة اللبنانية تبكي وهي تضيف: «كنا في الحرب حين نسمع الأغنيات الرحبانية كنا نتأكد أن الحرب ستنتهي ولبنان سيبقى موجودًا، كنا بحاجة لهم، ولا نزال، لقد وقفوا إلى جانب لبنان وفلسطين وكل العرب، ونريدهم أن يبقوا مع الجميع». ويقول الفنان اللبناني زياد برجي: «أتيت مباشرة من تونس للمشاركة في الاعتصام وأنا أسمع أصداء كلمة ((يا عيب الشوم عليكن يا لبناني))»، وأضاف: «مهما كان موضوع الخلاف والسبب وراءه، إلاّ أن فيروز غير خاضعة له؛ لأنها رمزنا، وعرضنا، وشرفنا الوطني». وردًا على سؤال حول حقوق ورثة منصور، وأن الراحل هو أيضًا من رموز لبنان وعلى حقوقه ألا تُهدر، قال: «لو تمت الإساءة إلى منصور أو إلى أي رمز من رموز لبنان كنَّا سنرد بنفس الطريقة، نحن مستعدون لأن ندفع ضريبة عن فيروز وعن الفنانين الكبار»، مضيفًا: «لو كان الأستاذ منصور على قيد الحياة، ما كان ليحصل كل هذا». وقالت المغنية اللبنانية رولا سعد: «فيروز رمز للبنان مثل وديع الصافي والشحرورة، ونطالب بتركها لجمهورها ومحبيها». وحين طُلب من المغنية رولا توجيه كلمة لأولاد منصور الرحباني قالت: «أريد أن أقول لهم نحن نحبكم لكننا نحب فيروز أيضًا، فرجاء حلّوا مشكلاتكم بين بعضكم واتركوا لنا فيروز». أما الممثلة اللبنانية كارول عبود فقالت: «يجب أن نفهم أن هناك عملية تزوير للتاريخ الفني، وكتابة تاريخ فني جديد، ويجب وضع حد لذلك، فأنا لست هنا لعدم إسكات فيروز، فيروز لا يمكن لأحد أن يسكتها». وقالت الممثلة اللبنانية الشابة باميلا الكك: «كلمة عيب أصبحت صغيرة ففيروز رمز وهوية لبنان». وقالت الإعلامية والناقدة اللبنانية هنادي عيسى: «إن منع السيدة فيروز من الغناء يصيبها بالذهول، وإنها لا تدري ما تقول تجاهه مضيفة بعامية لبنانية غاضبة: عن جد هزلت وين صرنا وبأي زمن فني منحط». كما قالت الإعلامية اللبنانية جيزيل خوري: «لا توجد قوة في العالم تستطيع منع فيروز من الغناء، وكنت أتمنى أن يبقى الموضوع الخلافي داخل العائلة وأن تُحل الأمور بهدوء». وأشارت إلى أن السيدة فيروز مُلك لكل العرب وليس للرحابنة أو حتى للبنانيين فحسب، وهي ظاهرة عربية وقومية ووطنية وفنية عالية ولا يمكن أن تكون حالة فردية أو عائلية، لذلك ما حدث هو أمر مزعج، وأتمنى ألا يتطور لما فيه مصلحة الجميع بما فيهم عائلة وورثة منصور الرحباني وكل الرحابنة الذين نعتبرهم أرث وتراث وطني نعتز به كعرب». إلى ذلك قال عدد من المعتصمين «الفيروزيون» إنهم مستعدون للبقاء حتى عودة فيروز إلى الغناء، وحقوقهم المادية فليحلوها بين بعضهم، نحن نريد من فيروز أن تغنّي وأن نسمع صوتها. وعن اتهامهم بالهوس لفيروز ولو أنها على خطإ، أشاروا إلى أن فيروز لا تُمس وهي فوق القانون، والحقوق المادية تؤخذ بالتفاهم والحوار بين بعضهم، وقالوا نحن نريد صوت فيروز، نحن نريد تراثنا، وروحنا، وتاريخنا، وحضارتنا، وهويتنا. وحمل المعتصمون لوحات كبيرة، كُتبت على إحداها عبارة فيروزية: «الغضب الساطع آت وأنا كلي إيمان»، ولوحة أخرى كُتبت عليها: «قللي بيي قبل ما يموت الحق ما بيموت»، وتدثّرت فتاة عراقية بعلم بلادها، وحملت صورة فيروز بيد ولوحة كُتبت عليها «صوت ملائكي في مواجهة الجشع»، في إشارة احتجاجية على مطالبة أولاد منصور الرحباني لفيروز بحقوقهم المالية. وقد جاء هذا الاعتصام اللبناني بدعوة من مجموعة أطلقت على نفسها اسم «جمعية الفيروزيين» وتمت الدعوة للاعتصام تحت عنوان: «لا لمنع السيدة فيروز من الغناء». في دمشق عاشقو فنانة العرب فيروز في دمشق أقاموا بدورهم اعتصامًا في حديقة القشلة في دمشق القديمة، وحملوا لوحات كُتبت عليها دعوات لإنقاذ فيروز من هذه المهزلة الإعلامية وتركها تغنّي بحرية لمحبيها الذين يحتاجونها. وقال المعتصمون: “فيروز رمز كبير بحجم أوطاننا، من المستحيل إسكاتها”. وقال الطالب في المعهد العالي للفنون المسرحية بسورية أحمد باشا: “أيّ إنسان في هذا العالم يجب أن يتضامن مع صوت فيروز، نحن لا نستطيع أن نقف مكتوفي الأيدي عندما نسمع أن هناك من يحاول منعها من الغناء، إنها جزء من ذاكرتنا التي لا تُمحى، لتصبح بصوتها الملائكي إيقونة مقدّسة لدينا نحن السوريين”. وقال معتصم آخر وهو شربل (الآتي من لبنان): «لست متفاجئًا من الاعتصامات التي تشهدها بعض العواصم العربية ومنها دمشق، ففيروز في قلب كل العرب، واسمها تجاوز حدود الوطن العربي لتصبح مطربة كونية». أما الطالبة بالمعهد العالي للفنون المسرحية بسورية جفرا يونس فقد ألهبت مشاعر الحاضرين بحبها لفيروز وغنائها العذب تساندها والدتها ليقدّما الحب والوفاء لسيدة الفن العربي وليقولا لها بأنهما متيمتان بها، وتقول جفرا: «جاء هذا التجمّع بشكل عفوي لنقول لفيروز بأننا معكِ، فنحن جيل كَبِر على عشق صوتكِ، ومن المستحيل أن يمر يوم دون سماع صوتكِ، الذي ساهم بتربيتنا». وأشارت السيدة أم محمد إلى القيمة الفنية لعائلة الرحابنة وتضيف: «ساهم الرحابنة بشكل كبير في تاريخ الأغنية العربية، وهنا أقصد فيروز وعاصي ومنصور وإلياس وزياد، ومن المؤسف أن يسلك ورثة منصور الرحباني هذا الموقف الذي يسئ إليهم بالدرجة الأولى، ومازلت أذكر حفلات فيروز التي قدمتها على مسرح معرض دمشق الدولي، وعندما أشاهد هؤلاء الشباب هنا، أشعر بالفرح أن هنالك جيل جديد يعرف قيمة فيروز الكبيرة، وأنا أوافقهم في تصرفهم واعتصامهم، فمن العيب فعلًا أن تُوضع شروط مادية لغناء هذه الفنانة الكبيرة». ويؤكد الطالب في كلية الهندسة المعلوماتية بسورية معن ملحم: “كل من يقف أمام صوت فيروز خاسر لا محال، فهؤلاء الذي يريدون الشهرة من وراء هذه المواقف السلبية يصغرون بتصرفاتهم هذه، ونحن مع السيدة فيروز وواثقون بأن ما تمر به هو أزمة عابرة، وسيبقى صوتها معشوقًا لكل العرب”. ووجّه مسؤول التحرير في دار الأوس السورية للنشر طوني جروج عتبًا، وقال: «للأسف، اليوم يتنازع الجيل التالي بعد عاصي ومنصور ليعاملوا هذه الحالة على أنها أغانٍ، لتضيع الفكرة التي عمل الجميع على تحقيقها: رسالة إنسانية فكرية للجميع، عتبي عليكما يا عاصي ومنصور؛ لأنكما لم تعلِّما ورثتكما ما تعنيه هذه التجربة اللامادية؛ لأنكما لم تشرحا لهم ماهية الشراكة والحقوق التي يملكها كل من الشركاء الثلاثة جمعًا أو فردًا، وعتبي عليكم يا ورثة منصور وعاصي؛ لأنكم ذبتم في هذا الزمن الرديء حين أصبح الفن الراقي منبرًا للتطاول والتجريح والمناقصة والمزايدة والادعاء واللعب، وأرجوكم يا ورثة عاصي: زياد وريما، ويا ورثة منصور: مروان وغدي وأسامة، أتركوا فيروز تغنّي وحلوا مشكلاتكم بعيدًا عن هالتها، لا تدنّسوا الرسالة، فقد تكسّرت الكثير من الأحلام في هذا الزمان، فدعونا ننعم بالحلم الجميل فيروز». وفي فلسطين -مثل كل الدول العربية- تحظى سيدة الفن العربي الأصيل فيروز باحترام عالٍ وتقدير كبير، وهناك حالة عشق كبيرة لها ولأغانيها التي لامست قصص المعاناة والحرب والحب بصوت لا مثيل له إلا عند فيروز، ولسان حال الشارع الفلسطيني كله يقول: “كلنا فيروز”، هذه هي باختصار: فيروز، الاسم الخالد النقي البعيد عن أي مهاترات مادية، وستبقى كذلك رغمًا أنف عن الزمان والمكان، ستبقى لنا فيروز بعراقتها وعروبتها وأصالتها، رمزًا شامخًا للفن والأدبي والثقافة، وللحياة والإنسانية.