فخامة الرئيس جورج بوش، تحية طيبة، سمعت خطابك عن شرقنا الأوسط واستراتيجية الحرية، ثم قرأته، وتابعت ردود الفعل عليه، وعددت حتى عشرة وعشرين، لذلك لن ادعي غداً ان ردي هذا عليك جاء في لحظة غضب، وانما هو عن سابق تصور وتصميم. هل تذكر قصة الصياد والحمامة؟ كان يذبح الحمامة ويبكي، وأشفق واحد عليه وهو يرى دموعه، وقال آخر: لا تنظر الى دموعه، وانما انظر الى ما تصنع يداه. ابدأ مع "دموعك"، أو مع ما نتفق عليه معك، فكلنا يريد الديموقراطية في بلده والمنطقة، وكيف يمكن ان يرفض انسان الحد من سلطة الدولة، ومن سلطة العسكر، أو لا يؤيد حكم القانون، وقيام مؤسسات مدنية فاعلة، مع تعددية حزبية ونقابات واعلام حر وصحافة مستقلة، وضمانات لحرية العبادة، واقتصاد حر وملكية خاصة، ومحاربة الفساد، مع استثمار في الصحة والتعليم، واعتراف بحقوق النساء. كل هذا في خطابك، وكله مرغوب ومطلوب وأوافقك عليه مئة في المئة ستلاحظ انني أتحدث دائماً باسمي فلا أقول "نوافقك" لأن الأمة لم تكلفني الحديث باسمها. وقد لاحظت انك قسوت على دول وامتدحت خطوات محدودة في دول أخرى، غير انني أريد أن أسهل عليك الأمر فأقول انه لا توجد ديموقراطية حقيقية في أي بلد عربي، واننا جميعاً بحاجة الى حكم القانون والمحاسبة والشفافية وانهاء الفساد وغير ذلك من حقوق للمواطنة لا تنازع عليها. وكما ترى، يا فخامة الرئيس، فأنا لا أدافع عن أي بلد عربي أو ايران، وأشعر بأن صدقيتي ككاتب ستنتهي إذا فعلت. فأرجو أن تتذكر هذا عندما ننتقل الى ما تفعل يداك. في شكل عام، وقبل الدخول في التفاصيل التي تهمني كمواطن عربي، خطابك كان من نوع الهروب الى الأمام، فقد وقعت الولاياتالمتحدة في العراق، ولن تجد من يقيلها من عثارها بسرعة، فأصبحت تتحدث عن هدف أكبر هو الحرية في الشرق الأوسط كسياسة جديدة لبلادك، ما يجعل العراق جزءاً من صورة أكبر كثيراً. غير انني أسألك لماذا تتوقع ان تنجح في المهمة الأكبر، إذا أنت لم تنجح في المهمة المحددة، ولن أقول المحدودة، التي بين يديك؟ أريد ان أتفاءل معك، غير انني انظر الى سجل ادارتك الميمونة، وأجد انها تترنح بين فشل وفشل أكبر منه، وصدقني أنني كعربي خبير في الفشل أكثر من خبرتي في النجاح. انطلاقاً من خبرتي في الفشل، أرجو أن تقبل تحذيري من عواقب الديموقراطية في الشرق الأوسط على المصالح الأميركية، على رغم انها مصلحة كل مواطن عربي مثلي. لو سادت الديموقراطية في العالم العربي غداً، وجرت انتخابات ديموقراطية مئة في المئة، لفازت أحزاب اسلامية، أو اسلاميون في العراق وسورية والمملكة العربية السعودية ومصر وغيرها، ولجاء الى الحكم ناس يكرهون السياسة الأميركية حتى الموت. غير أننا نصر على الديموقراطية اصرارك عليها، فكيف السبيل؟ لعلنا نجده في أسباب كره الولاياتالمتحدة وسياستها، وهو كره بلغ درجة مخيفة، باعتراف الديبلوماسيين الأميركيين في المنطقة، بعد ثلاث سنوات من سياستكم الحكيمة. وانت تحدثت عن "60 سنة والدول الغربية تجد الأعذار لنقص الحرية في الشرق الأوسط وتحتضن ذلك...". وأولاً، فهي ليست "الدول الغربية"، وانما الولاياتالمتحدة تحديداً، فلا أحد يكره بريطانيا أو فرنسا أو المانيا كما يكره بلدك. وثانياً، فأنت أخذت من الجمل "ودنه" كما نقول، ورددت نغمة سمعناها تكراراً في السنتين الأخيرتين هي "انهم يكرهوننا لأننا تحالفنا مع دول غير ديموقراطية"، وهذا يعني ان تشتبك مع الدول الحليفة لبلادك في المنطقة، إضافة الى الدول العدوة، أي ان تضع الولاياتالمتحدة ضد دول الشرق الأوسط كلها. والآن أرجو ان تركز معي وأنا أتحدث عن الجمل لا "ودنه". أهم ما في خطابك كان ما أهمل لا ما سجل، ونسختي منه تقع في تسع صفحات ذكرت فيها المملكة العربية السعودية وايران ومصر وتركيا والبحرين وقطر وعمان والمغرب واليمن والكويت والأردن، بل ذهبت الى أفغانستان والصين، ولم تنس الفلسطينيين والسلطة الفلسطينية، ثم لم تذكر اسرائيل مرة واحدة. يا سيدي، اسرائيل هي السرطان الخبيث الذي ضرب منطقتنا بفضلكم، هي الحية الرقطاء التي تبث سمها في الجسم العربي منذ خمسة عقود ونيّف، هي المشجب الذي يعلق كل انقلابي عربي الحريات عليه وأدينه معها بكل ما عندي من قوة. أكاد أقول أنتم، ولا أعنيك شخصياً وانما الإدارات الأميركية المتعاقبة انتهاء بإدارتك، اسرائيل باسم آخر غير انني لن أقول هذا وانما اكتفي بالقول انكم اطلقتم الوحش علينا وواجبكم ان تلجموه، قبل ان تحدثونا عن الديموقراطية وحقوق الإنسان. اهملت اسرائيل وغمزت من قناة دول بينها ايران والمملكة العربية السعودية ومصر وسورية، وأرجو منك أن تركز معي ونحن نجري مقارنة سريعة، ففي مقابل آرييل شارون في اسرائيل، هناك محمد خاتمي والملك فهد بن عبدالعزيز وولي عهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، وحسني مبارك وبشار الأسد. أنت لك شارون و"ديموقراطية" القتل، وأنا لي هؤلاء من دون ديموقراطية. أنت لك مجرم حرب يجب ان يحاكم في لاهاي، وأنا لي أربعة رؤساء دول لم يتهم أحد منهم يوماً بجنحة، ناهيك عن قتل جماعي أو ابادة جنس. ثم ان "شارونك" يملك أسلحة دمار شامل ووسائل ايصالها الى أهدافها، ويتبجّح بذلك، وجماعتي لا يملكون شيئاً من هذا، وأستطيع بالتالي أن أنام معهم، أو عندهم، من دون ديموقراطية، ولكن كيف تنتظر مني أنا المواطن العربي أن أنام براحة وهناك مجرم حرب عدو يملك كل وسائل قتلي ويفعل في فلسطين كل يوم، وتعطيه ادارتك، عشية خطابك، 2.4 بليون دولار من المساعدات العسكرية امعاناً في القتل. أقدر انك درست في هارفارد ويال الفلاسفة الفرنسيين، وأول شرط عندما خرج الإنسان من الغاب، وبنى مدنيته كان حفظ الحياة، فالحياة قبل الديموقراطية، ويهمني أن أحفظ حياتي في وجه قاتل يومي من نوع شارون، ثم نتحدث عن الديموقراطية. ادعو لك يا فخامة الرئيس بالتوفيق، وأرجو أن تزوج ابنتيك زيجة صالحة، وأن يتربى أولادهما في عزّ جدهم. ثم أطلب منك بتواضع وبمسؤولية أن تقدر مشكلتي معك، فكيف أصدق دموعك على الحرية في الشرق الأوسط، وأنا أرى ما تفعل يداك بنا عبر اسرائيل؟ اغسل يديك مما لطخهما وأنت تصافح شارون، وسأمشي أقصد المواطن العربي معك. بكل احترام،