المظهر المتخلف الوحيد الذي لفت نظري عندما عدت لقراءة خطاب الرئيس الأميركي جورج دبليو دبليو دبليو بوش على موقع البيت الأبيض أن النص يورد بين قوسين تصفيق الجمهور بعد كل فقرة بالصيغة الآتية: تصفيق applause. وذكرني هذا النوع من النشر بصياغة منشورات "دار التقدم" في موسكو لخطابات قادة الحزب الشيوعي الحاكم التي كانت تصدر في مجلات صلبة التجليد وورق صقيل لامع أبيض. وكانت فقرات تلك الخطابات تنتهي بوصف أدق من نوع تصفيق، أو تصفيق حاد، أو تصفيق حاد ومتواصل، أو تصفيق ووقوف وهتاف... في ما عدا ذلك، لا يمكن إلا التوقف ملياً عند هذا الخطاب. ولا أدري من كتب أو كتبوا الخطاب ولكنه مثقف واعٍ لمسائل الديموقراطية الأساسية وخصوصاً اشكالات التحول الديموقراطي. وللمرة الاولى أجد نفسي أمام خطاب للرئيس جورج بوش هو في الواقع ورقة تتضمن الفرضيات الأساسية لأصوليي الحق الطبيعي الذين يحكمون الحلقة حول الإدارة الأميركية. لا شك أننا أمام وثيقة تاريخية. الزمان والمكان: الذكرى العشرون لتأسيس "الصندوق الوطني لدعم الديموقراطية". وقد ذكّرنا جورج بوش ان هذا الصندوق تأسس على أثر خطاب رونالد ريغان "التاريخي" في قصر وستمنستر في لندن الذي أعلن فيه اقتراب نهاية الاتحاد السوفياتي وان العالم أمام نقطة تحول تاريخية بإتجاه الديموقراطية. لا شك أن كاتب الخطاب الموهوب يريد بإثارة هذه التداعيات ان يعتبر هذا الخطاب مثيلاً تاريخياً لسلفه، أي بمثابة اعلان جديد عن نقطة تحول تاريخة نحو الديموقراطية في الشرق الأوسط. وهو يجعل بوش ينطق بتاريخيته الذاتية صراحة في الجزء الثاني من خطابه. كنا نعرف ان "المحافظين الجدد" ليسوا "جدداً" وأن مزاجهم السياسي مشتق من بيئة إدارات مثل إدارة ريغان وإدارة ترومان. وما يهمهم في ريغان انه لم يقبل الأمر بالواقع status quo ، أي انه اعتبر تغيير النظام الشيوعي ممكناً، وذلك خلافاً للرؤساء الذين سبقوه والذين تعاملوا مع الوضع القائم وصولاً الى سياسة الانفراج مع ذلك النظام بما فيها من خيانة للديموقراطية في بقاع عديدة من العالم. والحقيقة انه ليس الانفراج وحده، بل كلا الصراع والانفراج أديا بالولاياتالمتحدة الى تحالفات لا تفحص فيها طبيعة الحليف بمقدار ما يفحص كونه "معنا او معهم". وقد استبدلها بوش ب "معنا او ضدنا". وقد طور مثقفو الادارة الجديدة مصطلح status quoist ، أي بترجمة حرفية "وضع قائمي" او "مُسلّم بالوضع القائم". وينعت به هجاءً من تخلى عن "مهمة الولاياتالمتحدة التاريخية" واستخدام قوتها لفرضها. ويستخدم أنصار الادارة الحالية هذا المصطلح في تقبيح خصومهم داخل الادارة ذاتها. ولا يفوت الخطاب أن يسخر ممن سخروا من ريغان خصوصاً ذوي العقلية الاوروبية "المركبة" مقتبساً استغراب "التايمز" اللندنية خطاب ريغان اياه. وما علينا بالطبع إلا أن نسخر سوياً مع "البسيط" المنتصرمن أجل تلطيف المصطلح من "المركب" المهزوم. وطبعاً لا بد أن يخرج علينا ايضاً من الشرق والغرب مثقفون يمتدحون بساطة بوش المباشرة واسلوبه غير المركب ونجاعة هذا الأسلوب، إلا عندما يحتاج ان تكتب له ورقة مركبة لتبرير نهجه البسيط. ينشغل بوش في خطابه بتفسير المؤرخين في المستقبل بالتحول من 40 دولة ديموقراطية في سبعينات القرن الماضي إلى 120 دولة في نهاية القرن، ويفترض بوش سلفاً وصراحة أن المؤرخين سيركزون على العناصر الآتية كما نستخلصها من خطابه: 1 حقيقة أن أعظم أمة في هذا العصر هي أمة ديموقراطية في اشارة الى الولاياتالمتحدةالأمريكية، وكان ذلك برأيه مصدر إلهام للمضطهدين او المناضلين من أجل الديموقراطية في دول بأجمعها. ولا شك ان هذه مسألة فيها نظر، فغالبية الديموقراطيين وغير الديموقراطيين في السجون لم ينتظروا الفرج من الولاياتالمتحدة، وقسم كبير منهم قضى في سجون حلفائها. وهذا ما يدفع الخطاب الى التركيز الى هذه الدرجة على "التزامنا بالديموقراطية"، فكاتب الخطاب يدرك الشك الذي يساور النفوس... 2 دور الطبقة الوسطى المطالبة بالحقوق الديموقراطية ودور التبادل الاقتصادي العالمي ووسائل الاتصالات. ويعود خطاب جورج بوش الى اواسط القرن الماضي عندما اختارت دولاً النظام الدكتاتوري واخرى النظام الديموقراطي ليثبت ان الدول التي اختارت طريق الحرية تحولت الى دول اقوى مما يؤكد على العلاقة بين الحرية والخلق والابداع في المجالات كافة. لا شك ان كاتب خطاب بوش تلقى نصوصاً لماركس الشاب في دراسته الاكاديمية. وهو ينتقل من العلاقة بين الحرية والإبداع فوراً إلى مناقشة الجانب الهيغلي في ماركس الشاب ويقول أن نجاح الحرية لا يتم من خلال "جدلية التاريخ" من أين حلت هذه اللغة على البيت الأبيض؟ وانما عبر خيار الأحرار واستعدادهم للتضحية، كما ضحت الولاياتالمتحدة في فيتنام وكوريا وغيرها. وكأن كاتب المقال يصفي حساباً نظرياً مع فوكوياما. فلا توجد برأيه ضحية موضوعية لإنتصار الديموقراطية ناتجة عن جدلية خلاصية في التاريخ ذاته وانما هي خيار يلزمه قرار وارادة وتضحية. والحقيقة أنه لا يوجد هنا إلا نقاش وهمي لأن الفكرة المنتصرة تعتمد أيضاً في التعبئة على قناعة او ايمان مؤيديها بإنتصارها. أخيراً وقبل أن ينتقل الى الجزء الثاني من خطابه عن التزامات اميركا، أي ادارته، تجاه الديموقراطية، يؤكد بوش ان الديموقراطية تقود في النهاية الى السلام، وقد اثبت ذلك التزام الولاياتالمتحدة في اليابان وألمانيا وموقفها الصلب هناك. هذه المقولة عن المانيا واليابان مكررة ومعروفة، اذ يُحَمَّل ماضيها غير الديموقراطي وحده من دون علاقة بالتنافس الرأسمالي مسؤولية نشوب حروب عالمية. ولا شك ان التلميح هنا الى الشرق الأوسط. فالدول العربية ستصبح برأي بوش كما يبدو أقل "عدوانية" واضح تجاه من! اذا اصبحت اكثر ديموقراطية. وفي اي حال لا تثبت اتفاقات السلام التي ابرمت حتى الآن مع اسرائيل هذه الفرضية. وسنرى اذا كان سيوضح هذه النقطة صراحة في النصف الثاني من خطابه. واضح انه وصل إلى إدارة الإدارة الأميركية من يتبنى مقولات شارون منذ السبعينات ان السلام ممكن مع دول عربية ديموقراطية فقط. وربما يؤيد هؤلاء بشكل مقلوب جدلية راديكالية يسارية أخرى كانت تذهب الى ان الطريق الى فلسطين تمر عبر العواصم العربية، فبات السلام مع اسرائيل يمر عبرها. يقول بوش مؤكداً الموقف التاريخي مستبقاً كلام المؤرخين ومفتتحاً الجزء الثاني من خطابه. "واليوم نحن أيضاً امام نقطة تحول تاريخي": "لا تزال الولاياتالمتحدة ملتزمة الديموقراطية، والتزامها هذا يمتحن في كوبا وبورما وكوريا الشمالية وزيمبابوي"، وهي "مواقع الاضطهاد الامامية في العالم"، حسب وصفه. وهو واثق بأن من سجون هذه الدول سيخرج قادة يبنون الديموقراطية. وليس من الواضح اذا كان يلتزم "مساعدتهم"، فهو لا يشن الحرب هنالك. انه يكتفي بذكر هذه الدول ولا يخصص لها خطابه. وعندما يتناول الصين التي يبلغ تعداد سكانها أضعاف سكان دول الشرق الاوسط فإنه يصبح أكثر حذراً. اذ اكتشف الصينيون برأيه ان الحرية الاقتصادية تعود بالثروة الوطنية، لكنه واثق بأن "قادة الصين" سيكتشفون، هكذا وحدهم من دون مساعدته ومن دون جيوشه، فهو لا يشير الى مثل هذه الامكانية من قريب او بعيد، أنه لا يمكن تجزئه الحرية، وأن الحرية الدينية السياسية تعزز الكرامة والعظمة الوطنية، صدق او لا تصدق، الرجل ينتقل الى التملق. انه يدغدغ مشاعر العظمة الوطنية آملاً ان يقتنع نظام الصين بالديموقراطية. وباستطاعة الولاياتالمتحدة "ان تلحس" التزامها الديموقراطية. لكن اللهجة تختلف في ما يتعلق بالشرق الاوسط. فبوش يؤكد ان "التزامنا" الديموقراطية يختبر ايضاً في منطقة الشرق الاوسط، وهو "بؤرة" focus السياسة الاميركية اليوم على حد تعبيره، وهو يعد بأن تبقى كذلك في العقود المقبلة. ويتساءل بوش كأنه مواطن عربي محبط: هل كتب على شعوب الشرق الاوسط ان تبقى خارج الديموقراطية وما وراء beyond عمليات التحول الديموقراطي الجارية في العالم، هل كتب على شعوب الشرق الأوسط...الخ؟، ولكنه لا يسأل: هل كتب على الصين او بورما أوغيرها؟ نظم التساؤل بوزن وايقاع عربيين، ولا شك ان من كتبه سمع في حياته عربا يتذمرون. وينتقل بوش الى مناقشة المتشككين بقدرة هذه الشعوب على الوصول الى الديموقراطية ومدى ملاءمة الحضارة الاسلامية للديموقراطية... من هنا ندرك ان الرجل يعتقد ان بنغلادش دولة ديموقراطية او انها تمر في تحول ديموقراطي، وان تركيا واندونيسيا والسنغال وألبانيا والنيجر وسيراليون دول اسلامية ديموقراطية، او تتوجه وجهة ديموقراطية، وان هنالك "مواطنين جيدين" مسلمين في ديموقراطيات مثل جنوب افريقيا والهند وفي اوروبا واميركا. ولكن سياسة بوش تحظى بتأييد العنصريين والمتعصبين في كل مكان ممن يشخصون تناقضاً جوهرياً بين الديموقراطية والعرب والمسلمين، كما تستفز معارضة الديموقراطيين، فكيف يأت الرد على هنتنغتون من بوش؟ ويؤكد بوش فلسفياً ان لا تناقض بين العقيدة الاسلامية والديموقراطية وان التحول الديموقراطي لا يتم في الدول المذكورة رغم العقيدة الاسلامية، وانما بسببها، لأن هذه العقيدة تشمل المواجهة بين الفرد والخالق، أي الفردية ومسؤولية الفرد الأخلاقية عن أفعاله... وبهذا المعنى فلا أمل للصين والهند واليابان، لا في الديموقراطية ولا في مواجهة الخالق. كاتب الخطاب مثقف، لكن ثقافته مخفوقة مثل عجة أميركية، او مخلوطة مثل "الميلك شيك" بطعم الديموقراطية. ومن السهل تحويل البيض الى عجة لكن يصعب اعادة العجة بيضاً. لقد خفقت اسئلة الديموقراطية في الخطاب ويصعب جداً استعادتها. الكاتب يعرف الأسئلة النظرية الأساسية لكنه يختار الجواب الذي يريحه في كل فقرة، وربما لا يرى حاجة للمثابرة العلمية في خطاب سياسي. وفي اي حال هذه ليست اول سياسية عنصرية بتبريرات نظرية كونية. ويقتبس بوش فقرة كاملة من تقرير التنمية العربية الأول المتعلق بوضع الدول العربية البائس من حيث الحريات مرحى!، ثم ينتقل من جديد الى الاستعراض التاريخي: لقد اختارت بعض الدول العربية في نهاية الحقبة الاستعمارية الطريق الاشتراكي المتحالف مع الاتحاد السوفياتي موهمة الجماهير بإستعادة العزة القومية، ولكنها تركت وراءها إرثاً من العذاب والاضطهاد والتعاسة والخراب، وهو يجلب العراق وسورية كأمثلة، ولا ذكر للجزائر ولا ليبيا. وعلى كل حال فقد اجتذب هذا الجزء من الخطاب اهتمام صحيفة "هآرتس" يوم 8/11/03 لتختاره عنواناً لتغطية الخطاب" "بوش يقارن سورية بالعراق". والفرح بالمقارنة هنا لا يحتاج الى شرح. وعلى كل حال يتناسى صاحبنا كاتب الخطاب ان الدكتاتوريات انقسمت الى معسكرين، احدهما متحالف مع الاتحاد السوفياتي والآخر مع اميركا. بعد ذلك يتطرق بوش الى حالة الحكم الثيوقراطي، وربما المقصود هو ايران وطالبان اذا اعتبرنا افغانستان جزءاً من المنطقة موضوع الخطاب. ويؤكد بوش ان حكومات عديدة تدرك اليوم ان البديلين الديكتاتوري والثيوقراطي قد فشلا. ولكن الحقيقة الغائبة عن الخطاب ان غالبية دول المنطقة العربية لا تنتمي الى احد هذين البديلين. حتى اذا اعتبرنا السعودية نظاماً ثيوقراطياً. ولكن بوش يتطرق للسعودية بشكل مختلف. فكيف يتعامل "التزامنا الديموقراطية" مع هذا البديل القائم في دول الغالبية، وهو ليس بديلاً ديموقراطياً ولا ثيوقراطياً ولا ديكتاتورياً وان كان في غالبية الحالات ودوداً تجاه اميركا: مصر، الاردن، المغرب، تونس، السعودية دول الخليج وغيرها؟ يدعو بوش دول المنطقة الى التركز بمشاكل الحاضر و"عدم مهاجمة الآخرين ومحاسبتهم على الماضي"، وهو يعتبر اتهام الغرب والاستعمار وربما اسرائيل ايضاً مجرد تصدير للمشكلة وهروب منها. وكأنه يمكن تحت سجادة العداء للآخر ونسيان الماضي كنس عداء الولاياتالمتحدة التاريخي للقوى العلمانية والتقدمية والقومية في الوطن العربي. عام 1948 ينتمي الى الماضي هذا الماضي وربما ايضا عام 1967. وقضية فلسطين في الواقع لا تتعدى ان تكون وهماً تشغل به القيادات العربية الناس عن مشاكلها الحقيقية. ولا شك ان الانظمة تشغل الناس عن قضاياها. ولكن فلسطين والاحتلال والهوية العربية وواقع التجزئة والتبعية ليست أوهاماً بل هموماً من هموم الناس. وعندما يورد بوش أمثلة على التحول الديموقراطي في العالم العربي فإنه يورد البحرين وقطر وعُمان والمغرب والكويت والاردن مشيراً الى اصلاح العملية الانتخابية او تصحيح الدستور في هذه الدول. وعلينا ان نذكر ان أياً من هذه الدول لم يتحول الى ملكية دستورية. والمحير المدهش ان الدولة الاقرب الى الديموقراطية من كل هذه الدول، لبنان، لا ذكر لها في خطابه، اين اختفى لبنان؟ ولماذا اختفى؟ يشير الخطاب بإيجابية الى الحكومة السعودية لأنها تتخذ "خطوات اولى" نحو الاصلاح. وهو يشجعها على ان تبدي قيادة حقيقية في المنطقة بهذا النهج. وهو يدعو مصر "هذه الأمة العظيمة" الى ان تقود عملية الاصلاح الديموقراطي كما قادت عملية السلام في المنطقة، وليس واضحاً هل هذا تهديد للبلدين ام مناشدة، وعد او وعيد. فهو يجد متسعاً لمقولة نظرية مثل: لا ضرورة لتطيبق عملية التحديث كعملية تغريب. كل شي في خطاب واحد، نظرية وتطبيقاً، فيلمان بتذكرة واحدة، كل ما اردت ان تعرفه عن سياسة الولاياتالمتحدة في مسألة الديموقراطية وخجلت ان تسأل عنه. وهو مصمم حسب قوله على ان يكون العراقوافغانستان نموذجين، فالولاياتالمتحدة ستدافع عن تجربة العراق كما دافعت عن اليونان عام 1947 وعن برلين الغربية بالجسر الجوي. انه يدعو الى الاصلاح مع ان الديموقراطية المزمع اقامتها في افغانستانوالعراق لم تتم عبر عملية اصلاح. انه يؤكد رفض الى "الامر الواقع" في الشرق الاوسط، وينذر هذا الكلام بمغامرات. وهو يبرر ذلك بأن الوضع القائم في الشرق الاوسط وحال الدكتاتوريات يؤديان الى العنف الذي يرتد على الغرب في النهاية. هنالك اذاً مصلحة مباشرة للغرب بإقامة الديموقراطية في الشرق الأوسط. ولضيق الوقت، كما يبدو، لم يشرح لنا بوش هذه العلاقات السببية المعقدة، خصوصاً أن منفذي العمليات ضد نيويورك بغالبيتهم لم يأتوا لا من ديكتاتوريات ولا من ثيوقراطيات من النوع الذي يريد تغييره. كما يعرف، هو وكتاب خطاباته، دور الولاياتالمتحدة في اقامة الثيوقراطية المتورطة بالارهاب في افعانستان. ولكن يحظر ذكر الماضي. في اي حال يتبين في نهاية الخطاب ان كتَّابه اصوليون ديموقراطيون، وان كلامهم عن رفض الاكتفاء بجدلية التاريخ يتدحرج الى نهاية الخطاب مقلوباً على رأسه من شدة الحماس: "اننا نؤمن بأن الحرية هي اتجاه التاريخ، اننا نؤمن بأن الامتياز وتحقيق الذات الانسانية يأتي عبر الممارسة المسؤولة للحرية". لو لم أعرف أنه بوش لحسبت انه ماركس الشاب الذي يعتبر جوهر الانسان هو الحرية، وهي غاية التاريخ ومساره نحو الخلاص. ماركس الشاب الممتلئ برسالة الخلاص مثل دين علماني يدفعه بقوة للبحث في ما بعد عن الحامل التاريخي للحرية فيجده في البروليتاريا. وقد لفظت مداخن المصانع آخر انفاس دور البروليتاريا الخلاصي، وما عاد أحد يتكلم عن حامل اجتماعي للحرية ما عدا الوعي بالحرية واخلاقيات الحرية، وترجمتها في المشاريع السياسية يتناقض غالبا مع السياسات الاميركية حتى الآن. ويريدنا بوش ان نحفظ عن ظهر قلب، وأن نردد، أن حَمَلة رسالة الحرية هم شباب المارينز حليقو الرؤوس من أيوا ومنيسوتا، ومن بقايا ادارة ريغان، ورئيس متجدد انهى ادمانه الكحولي بتبني موقف اصولي متشدد ووقّع أخيراً على قانون يحدد من حق الاجهاض في الولاياتالمتحدة ذاتها حيث تدعمه اكثر القوى محافظة ورجعية وشباب راديكاليون في الموقف من الديموقراطية والمصيبة ان منهم من يمن فعلاً بما يقول الى درجة المطالبة بمسلك عدواني لتطبيقه ضد الوضع القائم. لا لست أسخر من بساطة بوش، فالخطاب كما قلت مركباً وليس بسيطاً، وهو لا يمتنع على الفهم بل على القبول. * كاتب عربي.