في مثل هذه الأيام السنة الماضية وصلت الى نيويورك لمتابعة جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة كما أفعل منذ 30 سنة، ولم أسجل في الفندق وإنما تركت حقيبتي مع العمال وأسرعت الى قاعة الجمعية العامة لأفاجأ بمعمر القذافي يصرخ ويهذي ويمزق أوراقاً. هذه السنة دخلت القاعة لأصدم بالرئيس باراك أوباما يلقي خطاباً إسرائيلياً باسم الولاياتالمتحدة. في كل سنة أقول: «هذه آخر مرة» ثم تغلبني المهنة وأعود، وأقول اليوم أيضاً «هذه آخر مرة» وأنا أعنيها، إلا أنني لا أضمن ألا أعود السنة المقبلة. ماذا عندي اليوم؟ في الأيام التي سبقت موعد الذهاب الى مجلس الأمن لطلب الاعتراف بدولة فلسطينية كانت هناك ثلاث دول من 15 عضواً أعلنت أنها سترفض الطلب، ألمانيا التي خلقت مشكلة إسرائيل للفلسطينيين بقتل اليهود الأوروبيين، والولاياتالمتحدة التي تقف وراء استمرار المشكلة بتأييد دولة فاشستية، دولة احتلال وتدمير وقتل، وكولومبيا وهي بلد يبيع مخدرات الى الأميركيين ليبقوا «مسلطنين» ولا يرون كيف أن إسرائيل تدمر اقتصاد بلادهم وسمعتها كبلد رائد في حقوق الإنسان. خطاب الرئيس أوباما في الجمعية العامة الأربعاء وثيقة للتاريخ على سقوط القيادة الأميركية المزعومة للعالم، وعلى سقوط الرئيس شخصياً. الولاياتالمتحدة لا يمكن أن تزعم أنها تنتصر لحقوق الإنسان ثم تؤيد إسرائيل. وكل الحديث عن تأييد الثورات العربية طلباً للحرية وللديموقراطية هباء طالما أنها شريك كامل لإسرائيل في اضطهاد الفلسطينيين وحرمانهم حقوقهم. والرئيس أوباما الذي هتف الطلاب له في القاهرة وهو يمد يده الى العرب والمسلمين حول العالم بعد سنوات بوش الابن التي تميزت بقتل مليون عربي ومسلم، والذي صفقت له أنا في الجمعية العامة السنة الماضية وهو يقول أنه يريد أن يرى فلسطين عضواً في الأممالمتحدة السنة المقبلة، أي هذه السنة، وهذا الشهر تحديداً، ألقى الأربعاء خطاباً لو كتبه بنيامين نتانياهو لما كان أسوأ، وهو دان نفسه قبل أي طرف آخر. باراك أوباما فقد الإرادة السياسية، وخسر القاعدة الانتخابية الليبرالية، التي أوصلته الى البيت الأبيض، وهو يحاول عبثاً أن يكون رئيساً لكل الأميركيين وينتهي برئيس لا يمثل أي جناح سياسي. والجمهوريون الذين دمروا اقتصاد أميركا والعالم عبر إدارة بوش يحملون أوباما اليوم المسؤولية عن جناياتهم، وهم استقبلوا الرئيس في نيويورك بالاحتفاء بحاكم تكساس ريك بيري طالب الترشيح عن الحزب الجمهوري للرئاسة، وهو أصولي مسيحي تبشيري متطرف من مدرسة بوش الابن صديقه وولي نعمته. واتهم بيري أوباما بأنه يسترضي «الإرهابيين» ويخون إسرائيل، وإنه يُذعن للشارع العربي، كما في ثورة شباب مصر. أقول أن بيري يخون كل ما مثلت الولاياتالمتحدة منذ استقلالها في 1776، وأن إسرائيل دولة إرهابية وأم الإرهاب وأبوه في الشرق الأوسط ومسؤولة عن أي إرهاب مضاد لأنه ما كان وجد لولا وجودها. «نيويورك تايمز» الليبرالية في كل قضايا الدنيا ما عدا إسرائيل استقبلت أوباما في نيويورك بخبر في رأس صفحتها الأولى عنوانه «الجمهوريون في الكونغرس في تحالف مع نتانياهو»، والخبر يبدأ بقصة عن طلب الإدارة من رئيس وزراء إسرائيل أن يطلب من الكونغرس عدم عرقلة دفع 50 مليون دولار من المساعدة الأميركية للسلطة الوطنية الشهر الماضي. وهكذا فمجرم حرب إسرائيلي يتوسط لرئيس الولاياتالمتحدة مع الكونغرس الأميركي لينفذ سياسة أميركية. هذا هو السقوط بعينه، والخبر كله في تقديري هدفه تخويف أوباما من أي تنازل للفلسطينيين. وكان الكاتب الأميركي المحافظ البارز باتريك بوكانان قال يوماً إن مبنى الكابيتول أرض تحتلها إسرائيل وجاءت «نيويورك تايمز» وريك بيري وبنيامين نتانياهو ليثبتوا صحة كلامه. اليوم نيويورك وتحديداً مانهاتن، والمنطقة حول مقر الأممالمتحدة أرض تحتلها إسرائيل، وقد وصلت أمس ولولا حاجات العمل لغادرتها اليوم. [email protected]